قال الدكتور رامي عيسى، الباحث في الشأن الشيعي، إن قريشًا لم تتوقف عن تعنتها في مواجهة دعوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، موضحًا أن مطالبهم المتكررة بإنزال المعجزات المادية لم تكن نابعة من رغبة صادقة في الإيمان، وإنما كانت لونًا من ألوان العناد والاختبار، رغم أن الله سبحانه وتعالى أنزل عليهم أعظم معجزة وهي القرآن الكريم.
وجاء ذلك خلال حديثه في الحلقة الثانية عشرة من سلسلة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، حيث استهل الدكتور رامي عيسى حديثه قائلاً: «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على النبي محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، وبعد، ما زلنا في هذه السلسلة المباركة بإذن الله تبارك وتعالى في سيرة سيد الخلق محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، وهذه الحلقة الثانية عشرة».
وأشار إلى أن الحلقة السابقة توقفت عند موقف عتبة بن ربيعة عندما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يعرض عليه المال والملك والشرف مقابل ترك الدعوة، قائلاً له: إن كنت تريد شرفاً سودناك علينا، وإن كنت تريد ملكاً ملكناك، وإن كنت تريد مالاً أعطيناك حتى تصبح أكثرنا مالاً.
وبعد أن انتهى من عرضه، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أفرغت يا أبا الوليد؟» ثم تلا عليه القرآن، فتأثر عتبة في البداية، إلا أن شياطين قريش غلبته فانقلب على عقبيه.
وأوضح الدكتور رامي عيسى أن قريشًا انتقلت بعد ذلك إلى مرحلة جديدة من التعنت، وهي طلب المعجزات المادية من النبي صلى الله عليه وسلم، مستشهدًا بقوله تعالى: ﴿وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ ۚ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَن يُنَزِّلَ آيَةً وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾،
موضحًا أن الآية تعني العلامة والمعجزة.
ونقل عن الحافظ ابن كثير قوله: «أي هو تعالى قادر على ذلك، ولكن حكمته تعالى تقتضي تأخير ذلك؛ لأنه لو أنزل آية وفق ما طلبوا ثم لم يؤمنوا لعاجلهم بالعقوبة كما فعل بالأمم السالفة»، مستشهدًا كذلك بقوله تعالى: ﴿وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَن كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ ۚ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا ۚ وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا﴾.
وبيّن أن طلبات قريش بلغت حد التعجيز، كما ورد في قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنبُوعًا * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا﴾، موضحًا أنهم بلغ بهم الجهل أن طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتي بالله والملائكة عيانًا.
وأكد أن الله سبحانه وتعالى رد على شبهتهم الأساسية، وهي استبعاد أن يكون الرسول بشرًا، بقوله تعالى: ﴿وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَىٰ إِلَّا أَن قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَّسُولًا * قُل لَّوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَّسُولًا﴾، ثم ختم الرد بقوله: ﴿قُلْ كَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا﴾.
وأوضح الباحث في الشأن الشيعي أن قريشًا كانت تحلف الأيمان المغلظة قائلة: والله لو أتيتنا بآية لنؤمنن لك، واصفًا ذلك بأنه كذب صريح، مستشهدًا بقوله تعالى: ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا ۚ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّهِ ۖ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾.
ونقل عن ابن كثير تفسيره لهذه الآية، موضحًا أن الله أخبر عن المشركين أنهم حلفوا أيمانًا مؤكدة على الإيمان لو جاءتهم آية، بينما الحقيقة أنهم لم يكونوا طلاب هدى، بل أهل تعنت وعناد، ولذلك جاء الرد الإلهي بأن الآيات بيد الله وحده، إن شاء أظهرها وإن شاء تركهم.
وشدد الدكتور رامي عيسى على أن في ذلك ردًا واضحًا على من يزعمون أن للنبي صلى الله عليه وسلم أو لغيره من البشر ولاية تكوينية مطلقة، مؤكدًا أن النبي لا يملك إنزال آية من عنده، وإنما الأمر كله لله سبحانه وتعالى.
وفي سياق متصل، أشار إلى حديث صحيح رواه الإمام أحمد والحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن أهل مكة طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم جبل الصفا ذهبًا وأن يزيل الجبال ليزرعوا، فخُيّر النبي بين الاستجابة مع تعجيل العذاب إن كفروا، أو الإمهال، فاختار صلى الله عليه وسلم الإمهال والرحمة، فنزل قول الله تعالى: ﴿وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَن كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ﴾، ونقل عن ابن كثير أن الحكمة الإلهية اقتضت عدم إجابتهم لعلم الله أنهم لن يؤمنوا.
اقرأ أيضا| في حوار صريح.. مهتدية تبلغ 17 عامًا تروي مراحل هدايتها مع الدكتور رامي عيسى (فيديو)
وأكد الباحث أن أعظم ما غفل عنه المشركون هو أن الله أنزل عليهم المعجزة الكبرى، وهي القرآن الكريم، مستشهدًا بقوله تعالى:
﴿أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَىٰ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾، مبينًا أن القرآن معجزة عقلية باقية، عجز الفصحاء والبلغاء عن معارضتها، بل عن الإتيان بسورة من مثله.
لتحميل الملف pdf