في حلقة جديدة ومطولة من برنامج "السيرة النبوية"، استعرض الدكتور رامي عيسى، الباحث المتخصص في الشأن الشيعي، أبرز المحطات في حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم قبل نزول الوحي.
وتضمنت الحلقة تحليلاً دقيقاً لسنوات شبابه، وزواجه المبارك من السيدة خديجة رضي الله عنها، ودوره المحوري في حادثة تجديد بناء الكعبة، وصولاً إلى لحظة نزول أولى آيات القرآن الكريم في غار حراء.
من رعي الغنم إلى تجارة الشام والزواج المبارك
بدأ الدكتور رامي عيسى حديثه بالإشارة إلى انتقال النبي صلى الله عليه وسلم من مرحلة رعي الغنم التي تناولها في اللقاء السابق، إلى مرحلة العمل التجاري. ففي سن الخامسة والعشرين، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في رحلة تجارية إلى الشام بمال السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، برفقة غلامها ميسرة.
وقد شكلت هذه الرحلة نقطة تحول كبرى، حيث عاد ميسرة بسرد مفصل ومبهر لسيدته عن صدق وأمانة وجميل شأن النبي صلى الله عليه وسلم، الأمر الذي دفع خديجة إلى الرغبة في الزواج منه.
تزوج النبي صلى الله عليه وسلم السيدة خديجة وهو في الخامسة والعشرين من عمره، وهي أول امرأة تزوجها، ولم يتزوج عليها غيرها حتى وفاتها.
وقد رزق منها بجميع أولاده وبناته باستثناء إبراهيم الذي كان من مارية القبطية. وفيما يخص عمر خديجة وقت الزواج، أوضح الدكتور عيسى أنه لا يثبت شيء صحيح ومحدد في عمرها رضي الله عنها، على الرغم من الأقوال المتعددة التي ذكرت (40 سنة أو 28 سنة).
حادثة تجديد الكعبة ودور "الأمين" في درء الفتنة
توقف الباحث عند حادثة تجديد بناء الكعبة التي وقعت قبل البعثة بخمس سنين، وكان عمر النبي صلى الله عليه وسلم آنذاك 35 سنة. وقد اضطرت قريش لتجديد بنائها بسبب الوهن والضعف الشديد الذي أصاب جدرانها.
شاركَ النبي صلى الله عليه وسلم قومه في البناء. ولكن عند الوصول إلى موضع الحجر الأسود، اشتد النزاع بين بطون قريش حول شرف وضع الحجر، حتى كاد القتال أن يقع بينهم بالسيوف. واتفق القوم على أن يحكموا بينهم أول من يدخل عليهم من باب بني شيبة. وقد شاء القدر أن يكون أول من دخل هو رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكما جاء في رواية الإمام أحمد والحاكم بسند صحيح، هتف القوم: "هذا الأمين"، وهو اللقب الذي كان يُعرف به في الجاهلية لما شاهدوه من طهارته وصدق حديثه وأمانته.
فطلب منهم النبي صلى الله عليه وسلم ثوباً فبسطه ووضع الحجر فيه، ثم دعا ممثلي كل بطن ليأخذوا بناحية من الثوب ويرفعوه. وبمجرد أن وصل الحجر إلى موضعه، أخذه النبي صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة ووضعه في مكانه، ليحل بذلك الخلاف ويمنع حرباً وشيكة.
الحفظ الإلهي والتحنث في غار حراء: بداية النبوة
أكد الدكتور رامي عيسى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان محفوظاً من قبل الله تبارك وتعالى قبل البعثة، حيث صانه الله وطهره من دنس الجاهلية ومنحه كل خلق جميل، فكان يُعرف بـ "الأمين".
ومع اقتراب موعد البعثة، حبب الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم الخلوة والتعبد لربه، وبُغِّضت إليه الأوثان ودين قومه. فكان يخلو بغار حراء، حيث يتحنث فيه الليالي ذوات العدد.
وفسر الباحث معنى "يتحنث" بالتعبد، مشيراً إلى أن أصل الكلمة هو تجنب الحنث أي الإثم الذي كان عليه قومه. وكان يتزود لذلك، ثم يعود إلى خديجة ليتزود لمثلها.
نزول الوحي: "اقرأ" وبداية الرسالة
لما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم الأربعين سنة من عمره المبارك، نزل عليه الولاء وهو في غار حراء. وبحسب ما روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، كان أول ما بدئ به من الوحي هو الرؤيا الصالحة في النوم، فكانت تأتي مثل فلق الصبح. ثم حُبب إليه الخلاء، والانفراد عن قومه لما يراهم عليه من ضلال وعبادة الأوثان.
وصف الدكتور عيسى لحظة نزول الوحي، حيث جاء الملك (جبريل عليه السلام) وقال: "اقرأ". فرد النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أنا بقارئ". فأخذه الملك وغطه (ضمه وعصره عصراً شديداً) حتى بلغ منه الجهد، وكرر ذلك ثلاث مرات.
وفي المرة الثالثة، قال له الملك:{"اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ"}.
عاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى خديجة يرجف فؤاده وقال: "زملوني، زملوني" (غطوني). وبعد أن ذهب عنه الروع، أخبرها الخبر، قائلاً: "لقد خشيت على نفسي".
فردت عليه السيدة خديجة رضي الله عنها بكلمات الإيمان واليقين التاريخية: "كلا والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق"، لتختتم هذه الكلمات مرحلة التحضير وتبدأ مرحلة الدعوة والرسالة الخاتمة.
لتحميل الملف pdf