قال شيخهم المفيد: «وروَوْا أَنَّ أَبا بكر سُئل عن قوله تعالى: [وَفَاكِهَةً وَأَبًّا] {عبس:31} فلم يعرِف معنى الأبِّ في القرآن، وقال: أَيُّ سَماء تُظِلّني، وأَيِّ أَرض تُقِلّني، أَم كيف أَصنع إِن قلتُ في كتاب الله تعالى بما لا أَعلم، أَمّا الفاكهة فنَعْرِفها، وأما الأبُّ فالله أعلمُ به، فبلغ أميرَ المؤمنين مقالُه في ذلك، فقال: «يا سبحان الله، أما عَلِمَ أنَّ الأبَّ هو الكَلأُ والمرعى، وأنَّ قوله عزّ اسمه: [وَفَاكِهَةً وَأَبًّا] اعتداد من الله سبحانه بإِنعامه على خلقه فيما غذَّاهم به وخلقه لهم ولأنعامهم مما تُحيى به أنفسُهم وتَقُوم به أجسادُهم؟!»([1]).
الرد التفصيلي على الشبهة:
أولاً: لم يصحّ إسنادٌ واحدٌ لتلك القصة، وأنا أسرد تلك الروايات، وأبين ما فيها من ضعف:
قال الإمام أبو عبيد: «حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿وَفَاكِهَةً وَأَبًّا﴾ {عبس:31} فَقَالَ: أَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي، أَوْ أَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي إِنْ أَنَا قُلْتُ فِي كِتَابِ اللهِ مَا لَا أَعْلَمُ؟»([2]).
هذه الرواية منقطعة، قال الحافظ ابن حجر: «وَرَوَى ابن جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ سُئِلَ عَنِ الْأَبِّ، فَقَالَ: أَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي، وَأَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي إِذَا قُلْتُ فِي كِتَابِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَهَذَا مُنْقَطِعٌ»([3]).
فهذا الأثر منقطع بين إبراهيم التيمي وأبي بكر رضي الله عنه.
وجاءت رواية أخرى رواها ابن عبد البر، قال: «حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى، ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، ثنا مُوسَى ابْنُ هَارُونَ، نا يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ قَالَ: نا حَفْصٌ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: «أَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي وَأَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي إِذَا قُلْتُ فِي كِتَابِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ؟»، وَذَكَرَ مِثْلَ هَذَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ، وَعَامِرٌ الشَّعْبِيُّ، وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ»([4]).
وهذا الأثر ضعيف، وعلته يحيى الحماني، والإرسال بين أبي معمر وأبي بكر رضي الله عنه، قال الإمام ابن الجوزي: «يحيى بن عبد الحميد بن عبد الرَّحْمَن ابن مَيْمُون، ويلقب بشمير أَبُو زَكَرِيَّا الْحمانِي الْعجْلَاني الْكُوفِي، يروي عَن حَمَّاد بن زيد، قَالَ ابْن نمير: كَذَّاب، وَقَالَ أَحْمد: كَانَ يكذب جهارًا، مَا زلنا نَعْرِف ابْن الْحمانِي يسرق الْأَحَادِيث، وَقَالَ السَّعْدِيّ: سَاقِط، وَقَالَ النَّسَائِيّ: ضَعِيف، وَقَالَ يحيى بن معِين: ثِقَة!([5]).
وجاءت رواية أخرى عند سعيد بن منصور: «حَدَّثَنَا سَعِيدٌ قَالَ: نا حَمَّادُ ابْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: سُئِلَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِيقُ رضي الله عنه عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ عز وجل ، قَالَ: أَيّة أَرْضٍ تُقِلُّني، أَوْ أيَة سَمَاءٍ تُظِلُّني، أَوْ أَيْنَ أَذْهَبُ، وَكَيْفَ أَصْنَعُ إِذَا أَنَا قُلْتُ فِي آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ بِغَيْرِ مَا أراد الله بها؟»([6]).
وهذا الأثر منقطع بين ابن أبي مليكة وأبي بكر، قال الذهبي في ترجمته: «قَالَ البُخَارِيُّ وَجَمَاعَةٌ: مَاتَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ. قُلْتُ: كَانَ مِنْ أَبْنَاءِ الثَّمَانِينَ»([7]).
وقال الطبري: «وَحَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبٍ سَلْمُ بْنُ جُنَادَةَ السُّوَائِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ ا: «أَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي، وَأَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي، إِذَا قُلْتُ فِي الْقُرْآنِ مَا لَا أَعْلَمُ؟».
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: «أَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي، وَأَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي، إِذَا قُلْتُ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِي أَوْ بِمَا لَا أَعْلَمُ؟»([8]).
وهذا الأثران منقطعان، والعلة فيهما الانقطاع بين أبي معمر وأبي بكر.
وأبو معمر هو عبد الله بن سخبرة الأزدي، قال الحافظ ابن حجر: «عبد الله بن سخبرة الأزدي أبو معمر الكوفي من أزد شنوءة، روى عن عمر وعلي والمقداد وابن مسعود وخباب بن الأرت وأبي موسى الأشعري وأبي مسعود الأنصاري، وأرسل عن أبي بكر الصديق»([9]).
وقال الإمام البيهقي: «أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُفَسِّرُ، أَخْبَرَنا إِسْحَاقُ ابْنُ سَعْدِ بْنِ الْحَسَنِ، حدثنا جَدِّي الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، أَنَّ هُدْبَةَ بْنَ خَالِدٍ حَدَّثَهُمْ، قال: حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ قَالَ: «أَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي، وَأَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي إِذَا قُلْتُ فِي كِتَابِ اللهِ بِرَأْيٍ؟»، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، كَذَلِكَ مُرْسَلًا، وَقَالَ فِي مَتْنِهِ: «إِذَا أَنَا قُلْتُ فِي آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ بِغَيْرِ مَا أَرَادَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهَا»([10]).
وقال الحافظ ابن حجر: «ومن وَجْهٍ آخَرَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: قَرَأَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ ﴿وَفَاكِهَةً وَأَبًّا﴾ {عبس:31} فَقِيلَ: مَا الْأَبُّ؟ فَقِيلَ: كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ هَذَا لَهُوَ التَّكَلُّفُ، أَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي، أَوْ أَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي إِذَا قُلْتُ فِي كِتَابِ اللهِ بِمَا لَا أَعْلَمُ؟ وَهَذَا مُنْقَطِعٌ بَيْنَ النَّخَعِيِّ وَالصِّدِّيقِ. وَأَخْرَجَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ سُئِلَ عَنِ الْأَبِّ: مَا هُوَ؟ فَقَالَ: أَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي...؟ فَذَكَرَ مِثْلَهُ، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ أَيْضًا، لَكِنَّ أَحَدَهُمَا يُقَوِّي الْآخَرَ»([11]).
فرواية إبراهيم النخعي عن أبي معمر التي نقلها ابن عبد البر لا يوجد فيها السؤال عن الفاكهة والأب، والرواية التي ذكرها الحافظ ابن حجر عن إبراهيم النخعي فيها السؤال عن الفاكهة والأب، فنحتاج أن نرجع إلى تفسير عبدِ بن حميد، وهو مفقود، لم نعثر منه إلا على قطعة تحوي تفسير سورتي النساء وآل عمران.
والخلاصة: أن قول أبي بكر: «أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله بغير علم؟»، يرتقي بمجموعه إلى درجة الحسن، ولكن زيادة القصة في السؤال عن الفاكهة والأب لا ترتقي إلى الحسن؛ وذلك لأن كثرة الطرق الواردة في تحرج أبي بكر من القول في القرآن برأيه تجعل الآثار لكثرة طرقها تتقوى وترتقي إلى الحسن، وإن كانت معلولةً بالانقطاع في بعضها، أو وجود الضعف في بعضها، ولكن القصة لم تأت في جميع هذه الطرق، فالأثر حسن من غير قصة السؤال عن الفاكهة والأب، والله أعلم.
ثانيًا: هذه الرواية -لو ثبتت- فيها غاية المدح للصديق ، فهي دالة على ورعه في الفتوى، وأنه لا يقول على الله بغير علم، وقد جاء مثل ذلك عن علي ا، قال الإمام ابن عبد البر: «أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَا: نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى، ثنا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ، ثنا مُوسَى بْنُ هَارُونَ الْحَمَّالُ، ثنا الْحِمَّانِيُّ قَالَ: نا خَالِدٌ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ زَاذَانَ، وَأَبِي الْبَخْتَرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ: «أَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي، وَأَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي إِذَا قُلْتُ فِي كِتَابِ اللهِ مَا لَا أَعْلَمُ؟»([12]).
ولو قلنا من باب التنزل أن أبا بكر ا لم يعرف ما هو الأب، فإن هذا لا يقدح في علمه، ولا مكانته في الأمة، بل هو دال على فضله، وورعه في تفسير القرآن الكريم، وأنه وإن لم يعرف معنى كلمة فيه فإنه يقول للناس بأنه لا يعلم؛ امتثالًا لقوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ {الإسراء:36}، فهذا مدح له لا قدح، ولم يقل أحد من أهل العلم أن أبا بكر أو غيره من الصحابة ي قد أحاطوا علمًا بالشريعة، أو أنهم لا يخطئون في شيء، فعدم معرفة الصحابي لحكم شرعي لا يلزم منه إسقاطه، أو الطعن به.
قال الله تعالى: ﴿ وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ۚ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ ۚ وَكُنَّا فَاعِلِينَ ﴾ {الأنبياء:78، 79}.
فداود وسليمان قد آتاهما الله تعالى علمًا، ولكن في هذه المسألة التي ذكرها الله تعالى قد خص الله تعالى فهمها لسليمان دون داود ، وإلا لما كان لتخصيص الله تعالى سليمان بالفهم أيُّ معنًى، فهل يلزم من تفهيم الله تعالى هذه المسألة سليمان دون داود طعنٌ بعلم داود؟!
وقد ورد السؤال عن الأبِّ لعمر بسند صحيح، وهذا محمول على معرفة النوع والشكل للأبِّ، قال الحافظ ابن كثير: «فأما مَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ حَيْثُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، حَدَّثَنَا حُمَيد، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «قَرَأَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ﴾ {عبس:1} فَلَمَّا أَتَيَ عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَفَاكِهَةً وَأَبًّا﴾ {عبس:31} قَالَ: عَرَفْنَا مَا الْفَاكِهَةُ، فَمَا الْأَبُّ؟ فَقَالَ: لَعَمْرُكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ إِنَّ هَذَا لَهُوَ التَّكَلُّفُ»، فَهُوَ إِسْنَادٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنِ أَنَسٍ بِهِ، وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَعْرِفَ شَكْلَهُ وَجِنْسَهُ وَعَيْنَهُ، وَإِلَّا فَهُوَ وَكُلُّ مَنْ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ يَعْلَمُ أَنَّهُ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ، لِقَوْلِهِ: ﴿فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا﴾ {عبس:27-31}»)([13]).
ثالثًا: ورد في كتب الإمامية أن الأئمة قد جهلوا بعض الأحكام:
قال الطوسي بسنده: «عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن المذي؟ فقال: إن عليًّا عليه السلام كان رجلًا مذاءً، واستحيا أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وآله؛ لمكان فاطمة عليها السلام، فأمر المقداد أن يسأله وهو جالس فسأله، فقال له: ليس بشيء»([14]).
وقوله عليه السلام: «لمكان فاطمة عليها السلام»؛ لأنه كان المذي باعتبار ملاعبته معها عليها السلام، أو يكون قبل التزويج واستحيا أن يفهم الرسول صلى الله عليه وآله أن هذا حسن طلب التزويج، والأول أظهر»([15]).
وقال البحراني: «وعن إسحاق بن عمار في الصحيح عن الصادق عليه السلام قال: سألته عن المذي فقال: إن عليًّا عليه السلام كان رجلًا مذاءً، واستحيى أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وآله؛ لمكان فاطمة عليها السلام، فأمر المقداد أن يسأله وهو جالس فسأله، فقال له: ليس بشيء»([16]).
فهذا علي رضي الله عنه يجهل حكم المذي، ولا يستطيع أحد أن يطعن بعلمه!
قال محمد تقي المجلسي: «ويمكن حمل النهي في غير الداخل على الكراهة كما يظهر مما رواه الشيخ في الصحيح، عن جميل بن دراج، عن أبي عبد الله قال: رآني علي بن الحسين وأنا أقلع الحشيش من حول الفساطيط بمنى، فقال: يا بني، إن هذا لا يقلع، وإن أمكن حمله على إرادة القطع، أو يكون صغيرًا غير مكلف، وجوزنا الجهل عليهم في الصغر»([17]).
لقد صرح محمد تقي المجلسي بجواز الجهل على الأئمة في الصغر، فهل يطعن الإمامية بعلم الأئمة في صغرهم؟ ثم إذا كان جاهلًا في صغره، فما الفائدة من عصمته منذ الولادة؟
على أن القياس الصحيح لا يكون بقياس غير المعصوم على المعصوم عند الشيعة، وإلا فجهل أصحاب أئمتهم أكثر من أن يحصى.
اقرأ أيضا| زعمهم عزل النبي للصديق عن إمارة الحج وعدم صلاحيته لتبليغ سورة براءة
([1]) الإرشاد، المفيد (1/200).
([2]) فضائل القرآن، أبو عبيد القاسم بن سلام (ص375).
([3]) فتح الباري (6/296).
([4]) جامع بيان العلم وفضله (2/833).
([5]) الضعفاء والمتروكين (3/197).
([6]) سنن سعيد بن منصور (1/168).
([7]) سير أعلام النبلاء (5/90).
([8]) تفسير الطبري (1/71 – 72).
([9]) تهذيب التهذيب (5/202 – 203).
([10]) شعب الإيمان (3/540).
([11]) فتح الباري (13/271).
([12]) جامع بيان العلم وفضله (2/834).
([13]) تفسير ابن كثير (8/325).
([14]) تهذيب الأحكام، الطوسي (1/17). وقال المجلسي عن الرواية: الحديث التاسع والثلاثون: موثق.
([15]) ملاذ الأخيار في فهم تهذيب الأخبار، محمد باقر المجلسي (1/96).
([16]) الحدائق الناضرة، يوسف البحراني (5/37).
([17]) روضة المتقين، محمد تقي المجلسي (4/166).
لتحميل الملف pdf