قياس الشيعة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بقتيلة بنت قيس

الشبهة الخامسة والعشرون

قياس الشيعة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بقتيلة بنت قيس.

 

محتوى الشبهة:

قال الشيعة: إن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم لسن معصومات من الكفر والردة بدليل أن قتيلة بنت قيس تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم ثم ارتدت كما في رواية ابن سعد "أخبرنا هشام بن محمد بن السائب عن أبيه عن أبي صالح عن ابن عباس قال: لما استعاذت أسماء بنت النعمان من النبي صلى الله عليه وسلم خرج والغضب يعرف في وجهه. فقال له الأشعث بن قيس: لا يسوؤك الله يا رسول الله، ألا أزوجك من ليس دونها في الجمال والحسب؟ قال: من؟ قال: أختي قتيلة. قال: قد تزوجتها. قال: فانصرف الأشعث إلى حضرموت ثم حملها حتى إذا فصل من اليمن بلغه وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فردها إلى بلاده. ([1])

الرد التفصيلي على الشبهة:

أولاً: قتيلة بنت قيس الصحيح فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتزوجها، ولا أخذت أحكام الزوجات وبيانه كالتالي:

أما رواية ابن سعد: فأنت ترى أنها أيضا من طريق الكلبي وأبيه وأبي صالح، وكلهم متروكون.

قال الذهبي عن الكلبي: "قال أحمد بن حنبل: إنما كان صاحب سمر ونسب، ما ظننت أن أحداً يحدث عنه. وقال الدارقطني وغيره: متروك. وقال ابن عساكر: رافضي، ليس بثقة".([2])

وأبوه مثله متروك؛ قال البخاري:" محمد بن السائب، أبو النضر، الكلبي، تركه يحيى بن سعيد، وابن مهدي. وقال لنا علي: حدثنا يحيى بن سعيد، عن سفيان، قال: قال لي الكلبي: قال لي أبو صالح: كل شيء حدثتك فهو كذب. وروى محمد بن إسحاق، عن أبي النضر، وهو الكلبي".([3])

قال ابن حبان: "أخبرنا عبد الملك بن محمد، قال: حدثنا علي بن المديني، قال يحيى اين سعيد القطان، عن سفيان قال: قال لي الكلبي،
قال لي أبو صالح: كل ما حدثتك فهو كذب، قال أبو حاتم: الكلبي هذا مذهبه في الدين ووضوح الكذب فيه أظهر من أن يحتاج إلى الإغراق في وصفه، يروي عن أبي صالح عن بن عباس التفسير، وأبو صالح لم ير ابن عباس ولا سمع منه شيئاً، ولا سمع الكلبي من أبي صالح، إلا الحرف بعد الحرف، فجعل لما احتيج إليه تخرج له الأرض أفلاذ كبدها، لا يحل ذكره في الكتب فكيف الاحتجاج به".([4])

وأما أبو صالح فقد قال فيه البيهقي: "وأبو صالح هذا والكلبي ومحمد بن مروان كلهم متروك عند أهل العلم بالحديث، لا يحتجون بشيء من رواياتهم لكثرة المناكير فيها، وظهور الكذب منهم في رواياتهم".([5]) وعليه فالرواية لا تصح.

وقد اختلف أهل العلم هل عقد عليها النبي صلى الله عليه وسلم أم كانت مجرد خطبة؟! وعلى كلا القولين فالكل متفق على أنه صلى الله عليه وسلم لم يدخل بها، ولهذا لا تعد من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم اللاتي لا يجوز الزواج منهن بعد موته، ولا من أمهات المؤمنين.

قال الحافظ ابن حجر: "روى أبو نعيم في المعرفة في ترجمة قتيلة من حديث داود عن الشعبي مرسلاً وأخرجه البزار من وجه آخر عن داود عن عكرمة عن ابن عباس موصولاً وصححه ابن خزيمة والضياء من طريقه في المختارة أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق قتيلة بنت قيس أخت الأشعث طلقها قبل الدخول فتزوجها عكرمة بن أبي جهل فشق ذلك على أبي بكر فقال له عمر يا خليفة رسول الله إنها ليست من نسائه لم يحزها النبي صلى الله عليه وسلم وقد برأها الله منه بالردة وكانت قد ارتدت مع قومها ثم أسلمت فسكن أبو بكر.

وروى الحاكم من طريق هشام بن الكلبي عن أبيه عن أبي صالح عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: خَلَفَ عَلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ النُّعْمَانِ الْمُهَاجِرُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ، فَأَرَادَ عُمَرُ أَنْ يُعَاقِبَهَا فَقَالَتْ: «وَاللَّهِ مَا ضُرِبَ عَلَيَّ الْحِجَابُ وَلَا سُمِّيتُ بِأُمِّ الْمُؤْمِنِينَ» فَكَفَّ عَنْهَا.

وروى الحاكم بسنده إلى أبي عبيدة معمر بن المثنى أنه تزوج حين قدم عليه وفد كندة قتيلة بنت قيس أخت الأشعث ولم تدخل عليه فقيل إنه أوصى أن تخير فاختارت النكاح فتزوجها عكرمة بن أبي جهل بحضرموت فبلغ ذلك أبا بكر فقال لقد هممت بأن أحرق عليهما فقال عمر ما هي من أمهات المؤمنين ولا دخل بها ولا ضرب عليها الحجاب فسكن"([6]) 

  وقال الطحاوي: "حدثنا إبراهيم بن أبي داود حدثنا عبد الرحمن بن المبارك حدثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى حدثنا داود ابن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج قتيلة بنت الأشعث، هكذا قال ابن أبي داود في حديثه، وإنما هي أخت الأشعث فمات قبل أن يحجبها فبرأه الله تعالى منها.

وقد روي في أمرها الذي به برأ الله رسوله منها زيادة على هذا كما قد أجاز لنا هارون العسقلاني مما ذكر لنا أن المفضل الغلابين حدثه به قال حدثنا سعيد بن سليمان الواسطي عن عباد وهو ابن العوام عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج قتيلة فارتدت مع قومها ولم يخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يحجبها فبرأه الله منها).

قال عباد: يعني لم يحجبها لم يكن ضرب عليها الحجاب ولم يخيرها كما خير نساءه، ففي هذا الحديث زيادة على ما في الأول. وفيه ارتداد قتيلة هذه مع قومها عن الإسلام، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن خيرها يعني بين الدنيا والآخرة كما خير سائر نسائه سواها فتختار الدنيا فيفارقها أو الآخرة فيمسكها وتكون بذلك من أزواجه فيها وأن البراءة التي كانت لحقتها بارتدادها وبتقصير الحجاب والتخير عنها".([7]) 

وعليه فقد بين العلماء بأن قتيلة لم يحصل لها أحكام زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك لأن مفارقة المرأة لرسول الله صلى الله عليه وسلم تجعلها كسائر النساء ولا تعتبر أما للمؤمنين، كما هو حال سائر زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم اللاتي توفي عنهن. بل لقد قال بعض أهل العلم أن جميع روايات التزويج ضعيفة، وأن الذي حصل إنما هو وعد بالتزويج "خطبة" فقط.

  قال الطاهر بن عاشور: "قتيلة بنت قيس الكلبية التي زوجها أخوها الأشعث بن قيس من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم حملها معه إلى حضرموت فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل قفولهما فتزوجها عكرمة بن أبي جهل وأن أبا بكر هم بعقابه فقال له عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يدخل بها. والمرويات في هذا الباب ضعيفة. والذي عندي أن البناء والعقد كانا يكونان مقترنين وأن ما يسبق البناء مما يسمونه تزويجا فإنما هو مراكنة ووعد، ويدل لذلك ما في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أحضرت إليه الكندية ودخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها: هبي لي نفسك (أي ليعلم أنها رضيت بما عقد لها وليها) فقالت: ما كان لملكة أن تهب نفسها لسوقة أعوذ بالله منك. فقال لها: لقد استعذت بمعاذ.

فذلك ليس بطلاق، ولكنه رجوع عن التزوج بها دال على أن العقد لم يقع وأن قول عمر لأبي بكر أو قول من قال لعمر: إن رسول الله لم يدخل بها هو كناية عن العقد".([8])

  وعليه: فقتيلة باتفاق أهل العلم لم تأخذ أحكام الزوجات، ولم يكرمها الله ويشرفها بلقب أم المؤمنين.

ثانيًا: الثابت عند أهل السنة وعند الشيعة أن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات عن تسع نسوة، قال الحافظ ابن حجر: " قوله مات رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تسع نسوة، قلت هو أمر مشهور، لا يحتاج إلى تكلف تخريج الأحاديث فيه وهن عائشة ثم سودة ثم حفصة ثم أم سلمة ثم زينب بنت جحش ثم صفية ثم جويرية ثم أم حبيبة ثم ميمونة".([9])

  وأما في كتب الرافضة، فقد قال الحلي:" ومات رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تسع نسوة عائشة وحفصة وأم سلمة بنت ابن أمية المخزومي وأم حبيبه رمله بنت أبي سفيان وميمونة بنت الحرث الهلالية وجويرية بنت الحرث الخزاعية وسودة بنت زمعة وصفية بنت حيي ابن أخطب الخبرية وزينب بنت جحش".([10])

 وعليه فلو تنزلنا وقلنا بأن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها ثم طلقها، فهي لم تعد في عصمته ولم تعد من أمهات المؤمنين، وإلا فما فائدة الطلاق إذا؟!

فكون المرأة تأخذ حكم أمهات المؤمنين تابع لوصف الزوجية، وهذا نص قوله تعالى {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [سورة الأحزاب:6] فكان زوجات النبي صلى الله عليه وسلم أمهات للمؤمنين مرتبط بكونهن زوجات للنبي صلى الله عليه وسلم، حتى بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، والشيعة يقرون بذلك، ولأجل هذا اختلقوا فرية الطلاق بعد الوفاة، وسموا خديجة وأم سلمة وميمونة أمهات للمؤمنين حتى بعد وفاته صلى الله عليه وسلم،  فإذا سألناهم هل مازالت هؤلاء النسوة زوجات للنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته؟! فلابد أن يكون الجواب بنعم وإلا فلماذا تسمون بعضهن أمهات المؤمنين؟!

فثبت من هذا أن من توفي عنها النبي صلى الله عليه وسلم فهي أم للمؤمنين بنص كتاب الله، وأن من طلقها فقد خرجت من الأمومة بالاتفاق.

ثالثًاً: الزعم بأن عدم العصمة يوجب تجويز الردة على أمهات المؤمنين، قلنا هذا وإن كان من ناحية القاعدة سليما، إلا أنه مخروم في التطبيق على أمهات المؤمنين بأمرين:

الأول: أن الله مدحهن بقوله {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [سورة الأحزاب:6] ومن المحال أن يتعبدنا الله بأن نمتدح نساء، يجوز عليهن الردة في وقت من الأوقات، هذا أشبه بمن يقول يجوز على أبي لهب أن يؤمن بعد قوله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} [سورة المسد:1-3]. فإذا جاء نص بالمدح أو الذم، ثم جوزنا تبديله لجوزنا على الله الكذب عياذًا بالله من الكفر البواح.

الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم معصوم أن يزوج امرأة ويبقيها في عصمته إلى آخر لحظة في حياته ثم ترتد بعد ذلك، فيكون هذا فيه طعن بالنبي صلى الله عليه وسلم وبشريعته لأن هذا يكون من التضليل والتلبيس على الأمة، فضلا عن أن الزوجة التي يتكلمون عنها هي التي جمع الله بين ريقها وآخر ريق في حياته صلى الله عليه وسلم، ومات بين سحرها ونحرها، ورضي أن يمرض في بيتها وارتضى الله لنبيه أن يدفن في بيتها، وهو أطيب مكان على وجه الأرض.

وصدق الصديق رضي الله عنه لما سألوه: "قالوا يا صاحب رسول الله هل يدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم، قالوا: أين؟ قال: حيث قبض الله روحه فإنه لم يقبضه إلا في مكان طيب" ([11]).

فكان بيت عائشة أحب البيوت لقلب النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أحب النساء إليه، وقدر الله أن يدفن في أحب البقاع إليه، ويلزم الرافضة أن النبي صلى الله عليه وسلم قد خلقه الله من تراب حجرة عائشة رضي الله عنها، فقد روى الكليني بسنده عن ابن مسكان، عن محمد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السلام) قال:" من خلق من تربة دفن فيها"([12])، وقال المجلسي عنه: "صحيح"([13]).

فمن المحال أن تكون أم المؤمنين كما يزعم الرافضة ثم يرضى الله بتكريمها كل هذا التكريم والتشريف.

الثالث: الرافضة أنفسهم ليس عندهم رواية صحيحة تقول بأن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج قتيلة.

يقول الشيخ الشيعي علي آل محسن: "الثاني: أنا لا نجزم بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد تزوج بالكندية أو تزوج بقتيلة بنت قيس، كما أننا لا نجزم بأن قتيلة قد تزوجت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن ذلك مروي، وما لم نجزم بالأمر فلا يصح أن نخرم القاعدة التي ذكرناها فيما سبق من أن زوجات الأنبياء عليهم السلام لا يقع منهن الفحش والفجور".([14])

وعليه: فهذا الزواج مظنون عند السنة والشيعة، واليقين لا يقاس بالظن بالاتفاق، فسقطت كل شغائبهم في هذه المسألة.

والحمد الله رب العالمين

 

[1]-  الطبقات الكبرى- ابن سعد- ط العلمية- (8/116).

[2]-  ميزان الاعتدال- (4/304).

[3]-  التاريخ الكبير- البخاري بحواشي محمود خليل- (1/101).

[4]-  المجروحين- ابن حبان- (2/255).

[5]-  الأسماء والصفات- البيهقي- (2/311).

[6]-  التلخيص الحبير – ابن حجر– (3/296.(

[7]-  مشكل الاثار – الطحاوي– (1 /375).

[8]-  التحرير والتنوير- ابن عاشور- (22 / 94).

[9]-  التلخيص الحبير – بن حجر– (3 /296.(

[10]-  تذكرة الفقهاء - الحلي– ( 2 /567.(

[11]-  التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد- ابن عبد البر- (24/398).

[12]-  الكافي- (3/202).

[13]-  مرآة العقول- (14/120).

[14]- http://www.almohsin.org/?act=artc&id=279


لتحميل الملف pdf

تعليقات