زعم الشيعة أن عائشة رضي الله عنها أفشت سر رسول الله!

الشبهة الثامنة عشر

زعم الشيعة أن عائشة رضي الله عنها أفشت سر رسول الله!

 

محتوى الشبهة:

قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2) وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3) إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ (4)}  [التحريم: 1 – 4].

قال صالح الورداني: "وحفصة وعائشة هما اللتان أفشيتا سر الرسول (ص) وتظاهرتا عليه ونزلت فيهما آيات سورة التحريم"([1]).

الرد التفصيلي على الشبهة:

أولاً: عائشة وحفصة مع النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، فقد أخرج الترمذي وحسنه([2]) وصححه الألباني ([3]) أن جبريل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: "إن هذه زوجتك في الدنيا والآخرة".

 وكان عمار بن ياسر رضي الله عنه يحلف يقول: "أن عائشة رضي الله عنها زوجة رسول الله في الدنيا والآخرة"([4]).

ثانيًا: إفشاء السر وقع من حفصة لا غير بإجماع المفسرين، وذلك أنها رأت النبي صلى الله عليه وسلم مع مارية في فراشها من ثقب الباب، وقال لها: إني حرمت مارية على نفسي فاكتميه ولا تفشيه، فذهبت حفصة وبشرت عائشة بذلك. ومن مزيد فرحها اشتبه عليها الأمر فظنت أن الذي أمرت بكتمانه هو ما رأته من الشق لا التحريم. وقد عد ذلك الإفشاء من حفصة معصية وقد تابت عنها. وما ذكرناه ثابت أيضا في تفسير (مجمع البيان) للطبرسي أحد علماء الإمامية([5]).

 ثالثاً: الغيرة بين أزواج النبي حاصلة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يرى ذلك ويبتسم ويقرهن على هذا؛ لأن هذا من طبائع النساء، ولم يغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم من غيرتهن.

رابعًا: بتقدير أن يكون هناك ذنب لعائشة وحفصة، فيكونان قد تابتا منه، وهذا ظاهر لقوله قال تعالى: {ِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ (4)} [التحريم: 4].

فدعاهما الله تعالى إلى التوبة، فلا يُظن بهما أنهما لم تتوبا، مع ما ثبت من علو درجتهما، وأنهما زوجتا نبيّنا صلى الله عليه وسلم في الجنة، وأن الله خيَّرهُنَّ بين الحياة الدنيا وزينتها وبين الله ورسوله والدار الآخرة، فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة؛ ولذلك حرّم الله عليه أن يتبدّل بهن غيرهن، وحرم عليه أن يتزوج عليهن، ومات عنهن وهنّ أمهات المؤمنين بنص القرآن.

ثم قد تقدّم أن الذنب يُغفر ويُعفى عنه بالتوبة وبالحسنات الماحية وبالمصائب المكفرة. وهذا زيغ في هذه المسألة ليس زيغاً عن الاسلام إلى الكفر.

قال العظيم آبادي: "(فَقَدْ صَغَتْ) زَاغَتْ وَمَالَتْ (قُلُوبُكُمَا) عَنِ الْحَقِّ وَعَنِ الْوَاجِبِ فِي مُخَالَصَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ حُبِّ مَا يُحِبُّهُ وَكَرَاهَةِ مَا يَكْرَهُهُ"([6]).

خامساً: الرسول صلى الله عليه وسلم لم يطلقهما بعدما علم ذلك منهما بل أقر زواجهما منه، وحاشاه أن يقر ببقائهما ولا يطلقهما إن كان الأمر يستحق ما ينفخ فيه الرافضة؛ لأنه يلزم من هذا الطعن بالنبوة وأن الرسول لم يطلق من تستحق الطلاق.

فلو كان منهما ما يوجب الكفر لطلقهما النبي صلى الله عليه وسلم؛ فلا يجوز للمسلم فضلاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أن يمسك الكوافر، قال تعالى {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} وأن يجعل في ذمته الكافرات المشركات؛ لقوله تعالى: {لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ}.

قال القمي في تفسيره (سورة الممتحنة) عند قوله تعالى {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ}: "عن أبي جعفر قال: من كانت عنده امرأة كافرة، يعني على غير ملة الإسلام وهو على ملة الإسلام، فليعرض عليها الإسلام، فإن قبلت فهي امرأته، وإلا فهي بريئة منه، فنهى الله أن يمسك بعصمتها"([7]).

بل بالعكس من ذلك، عاملهن بكل لطف، قال ناصر مكارم الشيرازي: "وكان تعامل الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) معهنّ على العكس من ذلك تماماً إلى الحدّ الذي لم يذكر لها السرّ الذي أفشته كاملاً لكيلا يحرجها أكثر، واكتفى بالإشارة إلى جزء منه"([8]).

سادساً: لم يمنع الحق عمر رضي الله عنه أن يقول «هما عائشة وحفصة» وذلك عندما سئل عن معنى هذه الآية، فلو كانت الآية فيها مثلبة لهما، أكان عمر رضي الله عنه ليفضح ابنته؟

سابعاً: المذكور عن أزواجه كالمذكور عمن شهد له بالجنة من أهل بيته وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم فعَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ رضي الله عنه قَالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ وَهْوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: «إِنَّ بَنِى هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ اسْتَأْذَنُوا فِي أَنْ يُنْكِحُوا ابْنَتَهُمْ عَلِىَّ بْنَ أَبِى طَالِبٍ فَلاَ آذَنُ، ثُمَّ لاَ آذَنُ، ثُمَّ لاَ آذَنُ، إِلاَّ أَنْ يُرِيدَ ابْنُ أَبِى طَالِبٍ أَنْ يُطَلِّقَ ابْنَتِى وَيَنْكِحَ ابْنَتَهُمْ، فَإِنَّمَا هِي بَضْعَةٌ مِنِّى، يُرِيبُنِي مَا أَرَابَهَا وَيُؤْذِينِي مَا آذَاهَا»([9]).

فإن عليًّا رضي الله عنه لما خطب ابنة أبي جهل على فاطمة رضي الله عنه، فلا يُظنّ بعليٍّ رضي الله عنه أنه ترك الخطبة في الظاهر فقط، بل تركها بقلبه وتاب بقلبه عما كان طلبه وسعى فيه.

والحمد الله رب العالمين

وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

[1]- دفاع عن الرسول ضد الفقهاء والمحدثين، صالح الورداني، (ص 77).

[2]- سنن الترمذي، ت شاكر، (5/ 704).

[3]- صحيح وضعيف سنن الترمذي، الألباني، (8/ 380).

[4]- صحيح البخاري، (9/ 56).

[5]- السيوف المشرقة ومختصر الصواعق المحرقة، محمود شكري الآلوسي، (ص 575).

[6]- عون المعبود وحاشية ابن القيم، العظيم آبادي، (10/ 127).

[7]- تفسير القمي، (2/ 344).

[8]- تفسير الأمثل، ناصر مكارم الشيرازي، (18/ 297).

[9]- صحيح البخاري، (7/37)، صحيح مسلم، (4/ 1902).


لتحميل الملف pdf

تعليقات