زعمهم أن عائشة رضي الله عنها اغتسلت أمام الرجال!

الشبهة الثانية

زعمهم أن عائشة رضي الله عنها اغتسلت أمام الرجال

 

محتوى الشبهة:

من الشبهات التي أثارها القوم عن أم المؤمنين رضي الله عنها، زعمهم أنها اغتسلت أمام الرجال وحاشاها.

قال عبد الصمد شاكر: "عمل عبث عن أبي سلمة قال: دخلت أنا وأخو عائشة على عائشة، فسألها اخوها عن غسل النبي صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله ‌وسلم، فدعت بإناء نحواً من صاع فاغتسلت وأفاضت على رأسها وبيننا وبينها حجاب.

أقول: مع فرض الحجاب بينها وبينهما يصبح غسلها لغواً لا فائدة فيه، وعائشة عاقلة لا تفعل ما يضحك منه العقلاء!"([1]).

وجاء في (موسوعة الأسئلة العقائدية التابعة لمكتب السيستاني): "هل يعقل أن يصدر هذا الفعل من امرأة، يفترض أن تكون عنواناً للعفّة والأخلاق، وقدوة حسنة للمؤمنات، بحكم كونها أُمّهم؟! فماذا ترون يا سادة يا كرام، فيمن يرمي نبيّكم بهذا الكلام؟"([2]).

الرد التفصيلي على الشبهة:

أولاً: الحديث رواه الشيخان من طريق أبي بكر بن حفص قال: سمعت أبا سلمة، يقول: «دَخَلْتُ أَنَا وَأَخُو عَائِشَة عَلَى عَائِشَة، فَسَأَلَهَا أَخُوهَا عَنْ غُسْلِ النَّبِيّ r، فَدَعَتْ بِإِنَاءٍ نَحْوًا مِنْ صَاعٍ، فَاغْتَسَلَتْ، وَأَفَاضَتْ عَلَى رَأْسِهَا، وَبَيْنَنَا وَبَيْنَهَا حِجَابٌ»([3]).

والحديث لا يدل على عدم احتجاب عَائِشَة رضي الله عنها عن الرجال، فأبو سلمة راوي الحديث هو: عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ابن أخت عَائِشَة من الرضاعة أرضعته أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنه فعَائِشَة خالته، والآخر هو أخو عَائِشَة من الرضاعة كما في الحديث، فكلا الرجلين من محارم عَائِشَة رضي الله عنها.

قال القاضي عياض: "ظاهر الحديث أنهما رأيا عملها في رأسها وأعلى جسدها مما يحل لذي المحرم النظر فيه إلى ذات المحرم، وأحدهما - كما قال - كان أخوها من الرضاعة، قيل: إن اسمه عبد الله بن يزيد، وكان أبو سلمة ابن أختها من الرضاعة أرضعته أم كلثوم بنت أبى بكر"([4]).

 

ثانيًا: إن الأثر صريح في كونها جعلت بينها وبينهما حجاباً؛ ففي لفظ البخاري: "وبيننا وبينها حجاب"، وفي لفظ مسلم: "وبيننا وبينها ستر".

ولا غرابة في اغتسالها في الغرفة نفسها، فالمعروف أنهم كانوا في ذلك الوقت يغتسلون داخل البيوت، ويتخذون لذلك آلة تسمى (المخضب) تكون من النحاس غالباً، يجلس الشخص فيها يرخي ستارة من حوله ويغتسل.

 وفي هذه الحالة لا حرج من وجود غيره معه في نفس الغرفة، ويشهد لهذا ما في الحديث المشهور من دخول أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها على النبي r وهو يغتسل وفاطمة بنته رضي الله عنها تستره بثوب. ([5])

ثالثاً: أرادت عائشة رضي الله عنها أن تعلم هذين الولدين الاغتسال خطوة خطوة بشكل أقرب ما يكون إلى المشاهدة، وإن كانا لا يريانها لأنها –طبعاً- بينها وبينهما حجاب.

قال النووي: "وَفِي هَذَا الَّذِي فَعَلَتْهُ عَائِشَةُ رضي الله عنها دَلَالَةٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّعْلِيمِ بِالْوَصْفِ بِالْفِعْلِ، فَإِنَّهُ أَوْقَعُ فِي النَّفْسِ مِنَ الْقَوْلِ، وَيَثْبُتُ فِي الْحِفْظِ مَا لا يثبت بِالْقَوْلِ"([6]).

وقال القسطلاني: "وبيننا وبينها حجاب: يستر أسافل بدنها مما لا يحل للمحرم بفتح الميم الأولى النظر إليه لا أعاليه الجائز له النظر إليها ليريا عملها في رأسها وأعالي بدنها"([7]).

رابعاً: أما قول المعترض: "مع فرض الحجاب بينها وبينهما يصبح غسلها لغواً لا فائدة فيه، وعائشة عاقلة لا تفعل ما يضحك منه العقلاء!"([8]).

فالجواب عنه أن أم المؤمنين رضي الله عنها كانت تريد أن تثبت لهما أنه من الممكن أن يغتسلوا بالصاع ونحوه وكيفية غسل النبيّ r بالطريقة العملية.

لذلك أخرج البخاري الحديث في (باب الغسل بالصاع ونحوه). ومسلم في (باب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة وغسل الرجل والمرأة في إناء واحد في حالة واحدة وغسل أحدهما بفضل الآخر).

وعليه فإن أم المؤمنين رضي الله عنها لم تغتسل أمام الرجال؛ إنما هم محارمها، وكان بينها وبينهم حجاب، وعلمتهم أم المؤمنين عمليا كيفية غسل النبي r امتثالا لقول الله تعالى: ﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا ﴾  [الأحزاب: 34].

خامساً: إذا كان هذا الأمر مستنكرًا عند الرافضة، مع أنها كانت من وراء ستر ومع أخويها من الرضاعة، فما نفعل بما ورد في كتبهم من أن الأجانب كانوا يرون من فاطمة رضي الله عنها ما لا يجوز رؤيته إلا للمحرم.

فعن أبي عبد الله، قال: "بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله إلى فاطمة (عليها السلام) بمكيال فيه تمر مع أبي ذر (رحمه الله). قال أبو ذر: فأتيت الباب، وقلت: السلام عليكم. فلم يجبني أحد، فظننت أنّ فاطمة (عليها السلام) بحال الرحى، فلم تسمع، ففتحت الباب، وإذا فاطمة (عليها السلام) نائمة والحسين (عليه السلام) يرتضع، والرّحى تدور"([9]).

فهذا أبو ذر رضي الله عنه حاشاه دخل بيت فاطمة رضي الله عنها دون إذن، بل وجدها نائمة وهي ترضع ولدها، وهذا اطلاع على عورة لا يجوز له رؤيتها والله المستعان. وري نحو هذا عن عمار بن ياسر رضي الله عنه أيضا.

عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: "بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله عمارًا ليدعو عليًّا عليه السلام. قال: فجاء إلى بابه فوجده مفتوحا، فجعل يقول: أين أبو الحسن؟ قال: فصوّت عمار أصواتا وليس يجيبه أحد، وسمع صوت رحى تدور. فظن عمار أن ما يمنعهم من إجابته هو صوت الرحى، فقال: إنما أنا رسول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وإنما هي ابنته. قال: ففتحت الباب فدخلت، فإذا رحى تدور وليس يديرها أحد، وإذا فاطمة (عليها السلام) نائمة والحسين (عليه السلام) على ثديها قد نام معها"([10]).

 

-[1] نظرة عابرة الى الصحاح الستة، عبد الصمد شاكر، (ص 97).

-[2] موسوعة الأسئلة العقائديّة، مركز الأبحاث العقائدية، (4/241).

-[3] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الغسل، باب الغسل بالصاع ونحوه، (1/59)، رقم (251)، ومسلم في صحيحه، كتاب الحيض، باب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة، (1/ 256)، رقم (320).

-[4] إكمال المعلم، القاضي عياض، (2/ 163.(

-[5] صحيح البخاري (280)، صحيح مسلم (336).

-[6] شرح النووي على مسلم، (4/4).

-[7] إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري، القسطلاني (1/317).

-[8] نظرة عابرة الى الصحاح الستة، عبد الصمد شاكر (ص97).

-[9] الكوثر في أحوال فاطمة بنت النبي الأعظم، محمد باقر الموسوي، (3/ 27).

-[10] الموسوعة الكبرى عن فاطمة الزهراء(ع)، إسماعيل الأنصاري الزنجاني، (9/367).


لتحميل الملف pdf

تعليقات