في الحلقة الرابعة من برنامج "السيرة النبوية"، تناول الدكتور رامي عيسى الباحث في الشأن الشيعي، بدايات الدعوة الإسلامية، وذلك تحت عنوان: "بداية دعوة النبي ﷺ.. الدعوة السرية وإسلام خديجة وعلي والصديق"، حيث قدّم قراءة تفصيلية لمسار الدعوة منذ نزول الوحي وحتى بدء مرحلة الإعلان الجهري.
واستعرض في بداية حديثه ما تطرقت إليه الحلقة السابقة حول نزول الوحي على النبي ﷺ وما تعرض له من رهبة عند لقائه الأول بجبريل عليه السلام، قبل الحديث عن فتور الوحي ورجوعه مرة أخرى، كاشفًا عن الحكمة في فترة الانقطاع الأولى التي حملت في طياتها تهيئة للنبي ﷺ ليشتاق للوحي ويتهيأ لحمل الرسالة.
وسرد عيسى رواية الإمام أحمد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، التي تصف مشهد التقاء النبي ﷺ بجبريل للمرة الثانية وهو على كرسي بين السماء والأرض، وكيف عاد مسرعًا إلى أهله وهو يقول: "دثّروني دثّروني" قبل نزول آيات سورة المدثّر: "يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، قُمْ فَأَنذِرْ".
وأوضح أن نزول هذه الآيات كان إيذانًا ببدء مرحلة التكليف بالدعوة، حيث يقول ابن كثير كما نقل عنه: إن الله أمر نبيه ﷺ أن ينذر قومه ويدعوهم إلى الله، فقام صلى الله عليه وسلم بأمر الله يدعو الصغير والكبير، الحر والعبد، الرجال والنساء، ليؤكد عالمية الرسالة.
ثم تناول عيسى تقسيم مراحل الدعوة إلى مكية ومدنية، مبينًا أن الدعوة المكية انقسمت بدورها إلى سرية استمرت ثلاث سنوات، وجهرية استمرت حتى الهجرة.
وخلال المرحلة السرية دعا النبي ﷺ من يثق بهم، فكانت السيدة خديجة رضي الله عنها وبناته وعلي بن أبي طالب وزيد بن حارثة من أوائل من أسلم، فيما كان أبو بكر الصديق أول من آمن من خارج بيت النبي ﷺ.
وأشار إلى أن واجه المسلمون الأوائل كثيرًا من التحديات، منها اضطرارهم للصلاة سرًا في الشعاب، لأنها لم تكن مفروضة بعد، بل كانت على سبيل الاستحباب حتى ليلة الإسراء والمعراج.
وروى قصة سعد بن أبي وقاص الذي أصاب أحد المشركين خلال مواجهات اندلعت عندما فوجئ بهم المشركون يصلون، وهو ما وصفه بأنه أول دم أريق في الإسلام.
وسلط الضوء على موقف قريش من الدعوة، موضحًا أن القوم لم يعيروا الأمر اهتمامًا كبيرًا في بدايته، إذ ظنّوا أن النبي ﷺ كسائر الحنفاء الذين ظهروا قبله، مثل أمية بن أبي الصلت وقس بن ساعدة وزيد بن عمرو بن نفيل. إلا أنهم بدأوا يتوجسون من انتشار دعوته وتأثيرها، فصاروا يترقبون ما سيؤول إليه أمره.
ثم انتقل عيسى إلى الحديث عن أمر الله تعالى لنبيه ﷺ بإعلان الدعوة من خلال قوله تعالى: "وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ" وقوله تعالى: "فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ".
وبعد نزول هذه الآيات صعد النبي ﷺ على الصفا، ونادى بطون قريش ليبلغهم رسالة التحذير، كما جاء في الأحاديث التي أوردها الشيخان في صحيحيهما. وأوضح عيسى ما ورد عن النبي ﷺ حين قال: "يا معشر قريش، اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئًا"، مخاطبًا بني عبد مناف، وعمه العباس، وعمته صفية، وابنته فاطمة رضي الله عنهم جميعًا.
وتوقف عند الرسالة التي تحملها هذه الأحاديث، مؤكدًا أن النبي ﷺ نفسه ـوهو سيد الخلق لا يملك نفعًا ولا ضرًا لنفسه، فضلًا عن أقرب الناس إليه، مستشهدًا بقول الله تعالى: "قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا".
ومن هذا المنطلق قدّم عيسى رسالة نقدية موجّهة إلى دعاة التوسّل بغير الله، متسائلًا: كيف يُطلَب المدد من النبي ﷺ أو من الأولياء أو الأئمة، والنبي ذاته لا يملك لنفسه نفعًا ولا لأقرب الناس إليه؟ وكيف يُترك الحي القيوم، ويُطلب من ميت لا يضر ولا ينفع؟
واختتمت الحلقة بتأكيد أهمية فهم هذه المراحل الكبرى في مسيرة الدعوة الإسلامية، وأنها الأساس الذي قامت عليه العقيدة الصحيحة المبنية على إخلاص التوحيد لله تعالى وحده لا شريك له، مع عرض تفصيلي للروايات الصحيحة التي أسهمت في توثيق هذه المرحلة المفصلية من تاريخ الإسلام.
لتحميل الملف pdf