عمر بن الخطاب يمنع رسول الله من الصلاة على عبد الله بن أبي بن سلول!

الشبهة الثالثة والخمسون

عمر بن الخطاب يمنع رسول الله من الصلاة على عبد الله بن أبي بن سلول.

 

محتوى الشبهة:

من الشبهات التي تثار حول عمر رضي الله عنه، موقفه عندما أراد النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يصلي صلاة الجنازة على عبد الله بن أبي بن سلول، فحاول عمر رضي الله عنه منعه من ذلك مع أنه لم يكن هناك نهي قبلها.

قال عبد الصامد شاكر:" اعتراض عمر على النبي صلى‌ الله ‌عليه ‌وآله ‌وسلم. عن ابن عمر: أنّ عبد الله بن أُبي لمّا توفى جاء ابنه إلى النبي صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله ‌وسلم فقال: يا رسول الله أعطني قميصك أُكفّنه فيه، وصلّ عليه، واستغفر له فأعطاه النبي صلى‌ الله عليه وآله ‌وسلم قميصه فقال: «آذني أُصلّي عليه»، فآذنه.

فلّما أراد ان يصلّي عليه جذبه عمر رضي الله عنه فقال: أليس نهاك أن تصلّي على المنافقين؟ فقال: «أنا بين خيرتين» قال: استغفر لهم أو لا تستغفر لهم، إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم. فصلّى عليه، فنزلت: { وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة:84] "([1]).

ورأوا أن هذا الأمر مما يوجب القدح في عمر رضي الله عنه، لأنه خطّأ النبيّ صلى الله عليه وسلم بحسب زعمهم.

قال محمد مهدي الخرسان: "وهي وإن أوجبت جرحاً لعمر، حيث كان يتعجّب بعدُ من جرأته على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم! ولعلّها لا توجب حرجاً لمن يراه مسدّداً"([2]).

الرد التفصيلي على الشبهة:

أولاً: القول بأن هذا الموقف يدل على جرأة عمر رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو عدم احترامه، زعم باطل، بدليل أن النبيّ صلى الله عليه وسلم نفسه لم ينكر عليه فعله، وإنما أوضح له الأمر، حتى نزلت الآية بعد ذلك تحرم الصلاة على المنافقين.

قال الزرقاني: "هذا تقرير ما صدر من عمر مع شدة صلابته في الدين، وكثرة بغضه للمنافقين، فلذا أقدم على ما قال، ولم يلتفت إلى احتمال إجرائه على ظاهره لما غلب عليه من الصلابة المذكورة، قال ابن المنير: إنما قاله عمر عرضاً ومشورةً، لا إلزاماً وله بذلك عوائد، ولا يبعد أنه صلى الله عليه وسلم كان أذن له في مثل ذلك، فليس باجتهاد مع وجود النص، كما زعم، بل أشار بما ظهر له فقط، ولذا احتمل منه أخذه بثوبه، ومخاطبته له في مثل المقام حتى التفت إليه مبتسم"([3]).

ثانيًا: من إشكالات الرافضة، كيف لعمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يقول أن الله نهى نبيّه عن الصلاة على المنافقين، ومعلوم أن الآية نزلت بعد هذه الواقعة.

يقول جعفر مرتضى العاملي مستشكلاً:" لقد تحدثت الروايات أن عمر يواجه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بأمر ليس له واقع، وهو: أن اللّه تعالى قد نهاه عن الصلاة على المنافقين، وقد رد النبي صلى اللّه عليه وآله ذلك: بأن اللّه تعالى لم ينهه، وإنما خيّر بين أمرين"([4]).

وقد أجاب عن هذا الإشكال الحافظ ابن حجر، فقال:" وَقَدِ اسْتُشْكِلَ جِدًّا حَتَّى أَقْدَمَ بَعْضُهُمْ، فَقَالَ: هَذَا وَهَمٌ مِنْ بَعْضِ رُوَاتِهِ، وَعَاكَسَهُ غَيْرُهُ فَزَعَمَ أَنَّ عُمَرَ اطَّلَعَ عَلَى نَهْيٍ خَاصٍّ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لَعَلَّ ذَلِكَ وَقَعَ فِي خَاطِرِ عُمَرَ فَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الْإِلْهَامِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فَهِمَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} [التوبة:113].

 قُلْتُ: الثَّانِي -يَعْنِي مَا قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ- أَقْرَبُ مِنَ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمِ النَّهْيُ عَنِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَالَ فِي آخِرِ هَذَا الْحَدِيثِ، قَالَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: { وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ } [التوبة:84]، وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ فِي رِوَايَةِ الْبَابِ تَجَوُّزًا بَيَّنَتْهُ الرِّوَايَةُ الَّتِي فِي الْبَابِ بَعْدَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ، فَقَالَ: "تُصَلِّي عَلَيْهِ، وَقَدْ نَهَاكَ اللَّهُ أَنْ تَسْتَغْفِرَ لَهُمْ"، وَرَوَى عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَالطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ عَن ابن عُمَرَ عَنْ عُمَرَ، قَالَ: "أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ فَأَخَذْتُ بِثَوْبِهِ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ مَا أَمَرَكَ اللَّهُ بِهَذَا، لَقَدْ قَالَ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ الله لَهُم"، وَوَقع عِنْد ابن مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابن عَبَّاسٍ، فَقَالَ عُمَرُ: "أَتُصَلِّي عَلَيْهِ، وَقَدْ نَهَاكَ اللَّهُ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَيْهِ"، قَالَ: أَيْنَ قَالَ؟ قَالَ: (اسْتَغْفِرْ لَهُمُ) الْآيَةَ.

وَهَذَا مِثْلُ رِوَايَةِ الْبَابِ، فَكَأَنَّ عُمَرَ قَدْ فَهِمَ مِنَ الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ مَا هُوَ الْأَكْثَرُ الْأَغْلَبُ مِنْ لِسَانِ الْعَرَبِ مِنْ أَنَّ (أَوْ) لَيْسَتْ لِلتَّخْيِيرِ، بَلْ لِلتَّسْوِيَةِ فِي عَدَمِ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ، أَيْ: أَنَّ الِاسْتِغْفَارَ لَهُمْ وَعَدَمَ الِاسْتِغْفَارِ سَوَاءٌ"([5]).

ثالثًاً: إن كان الحديث دالا على جرأة عمر رضي الله عنه على النبيّ صلى الله عليه وسلم، ويكون هذا كاشفًا عن عدم احترامه له، وعدم التسليم لقوله.

كما قال محمد حسن النجفي:" لجهل عمر بذلك وبمرتبة النبي (ص)، وأنه مستغن عن تعليمه وغيره وشدة نفاقه وريائه أساء الأدب مع النبي صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله ‌وسلم لما تقدم للصلاة على ابن أبي، كما‌ عن كتاب سليم بن قيس"([6]).

فجعل هذا الأمر إساءة للأدب مع النبيّ صلى الله عليه وسلم، وبالتالي دليلا على النفاق والرياء، لكن إذا تعلق الأمر بأصحاب الأئمة فإن الموازين تختلف.

فقد ورد في كتبهم ما يدل على سوء أدب وجرأة الفضل بن عبد الملك أحد الثقات عندهم على الإمام جعفر الصادق.

قال الخواجوئي: "وأمّا أبو العبّاس الفضل بن عبد الملك، فالمشهور أنّه ثقة عين، كما نصّ عليه الشيخ الجليل النجاشي، قال: روى عن أبي عبد اللّه (عليه السلام)، له كتاب يرويه داود بن حصين.

لكنّه (رحمه اللّه) لمّا وقع نظره الدقيق على ما في ترجمة حذيفة بن منصور من سوء أدب البقباق في حضرة الإمام (عليه السلام) صار ذلك منشأ تأمّله فيه... والحقّ أنّ سوء أدبه غير مرّة في خدمة الإمام (عليه السلام) يورث التأمّل فيه، فتأمّل فيه"([7]).

فهذا الثقة العين كما يصفه النجاشي، يسيء الأدب غير مرة مع الإمام، ومع ذلك اعتذر له علماء الإمامية، ولم يروا فعله هذا منافيًا لوثاقته.

يقول الخوئي:" أقول: إن هذه الصحيحة وإن دلت على جرأة الفضل وسوء أدبه بالنسبة إلى الإمام (ع)، إلا أنها لا تنافي وثاقته، ولعلها كانت زلة منه فتذكر بعدها"([8]).

فسوء أدب أصحاب الأئمة مجرد زلات لا يؤاخذون بها، لكن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحكمهم التكفير والاتهام بالنفاق مباشرة.

    موقف آخر لأحد الثقات عندهم، وهو:

 شهاب بن عبد ربه، الذي قيل عنه وعن أخوته: "إنهم من موالي بني أسد، من صلحاء الموالي"([9]). وهذا الرجل مع جلالته عندهم، إلا أنهم رووا عنه أنه أساء الأدب مع الإمام جعفر الصادق.

روى الكليني بسنده عن الوليد بن صبيح قال: "قال لي شهاب بن عبد ربه: أقرأ أبا عبد الله (عليه السلام) عنى السلام، وأعلمه أنه يصيبني فزع منامي، قال: فقلت له: إن شهابًا يقرئك السلام، ويقول له: إنه يصبني فزع في منامي، قال: قل له فليزكِ ماله، قال: فأبلغت شهابا ذلك فقال لي: فتبلغه عني؟ فقلت: نعم، فقال: قل له: إن الصبيان فضلاً عن الرجال ليعلمون أني أزكي مالي، قال: فأبلغته، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): قل له: إنك تخرجها، ولا تضعها في مواضعها"([10]). قال عنه المجلسي:" الحديث الرابع: حسن"([11]).

    فشهاب رد على الإمام الذي أمره بزكاة ماله قائلا: "إن الصبيان فضلا عن الرجال ليعلمون أني أزكي مالي"، وهذا سوء أدب في الرد.

يقول المجلسي: "الحديث السابع: حسن. ويظهر منه سوء أدب من شهاب"([12]).

ولم نجد علمائهم قالوا عن هذا الثقة عندهم أنه منافق، أو كافر بسبب سوء أدبه مع الإمام.

رابعًا: فهم الرافضة من هذا الحديث أن عمر رضي الله عنه وحاشاه يرى نفسه أعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 كما زعم مروان خليفات بقوله: "وتطاول عليه بعضهم بالكلام، مثل عمر عندما قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم حين أراد صلى الله عليه وآله وسلم الصلاة على ابن أبي، أليس نهاك ربك أن تصلي على المنافقين؟ وكأنه أعلم من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالقرآن الذي نزل عليه"([13]).

وقد تقدم الرد على هذا الزعم الباطل.

لكن ما جواب الرافضة عمن يرى نفسه أعلم من الإمام المعصوم؟ خاصة إذا كان من أوثق الرواة عندهم؟

فقد ورد في كتبهم عن أبي بصير قال:" سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن امرأة تزوّجت، ولها زوج فظهر عليها، قال: «ترجم المرأة ويضرب الرجل مائة سوط؛ لأنّه لم يسأل» قال شعيب: فدخلت على أبي الحسن-عليه السّلام-فقلت له: امرأة تزوّجت، ولها زوج؟ قال: «ترجم المرأة، ولا شيء على الرجل». فلقيت أبا بصير فقلت له: إنّي سألت أبا الحسن -عليه السّلام-عن المرأة الّتي تزوّجت ولها زوج، قال: «ترجم المرأة، ولا شيء على الرجل». فمسح على صدره، وقال: ما أظنّ صاحبنا تناهى حكمه بعد!

وعن شعيب العقرقوفي قال:" سألت أبا الحسن-عليه السّلام-عن رجل تزوّج امرأة، ولها زوج ولم يعلم، قال: «ترجم المرأة، وليس على الرجل شيء إذا لم يعلم». فذكرت ذلك لأبي بصير المرادي، قال: قال لي واللّه جعفر: «ترجم المرأة، ويجلد الرجل الحدّ». فضرب بيده على صدره يحكّها، أظنّ صاحبنا ما تكامل علمه!"([14]).

فهذا أبو بصير المرادي الثقة الجليل عند الرافضة، يزعم أن الإمام أبا الحسن لم يتكامل علمه، فهل كان يرى نفسه أعلم منه؟ وهل هذا يعتبر قادحا في عدالة ووثاقة أبي بصير؟

والحمد الله رب العالمين

وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

([1])  نظرة عابرة الى الصحاح الستة، عبد الصمد شاكر (ص125).

([2])  موسوعة عبد الله بن عبّاس- محمد مهدي الخرسان- ج 7- ص76.

 ([3]) شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية، الزرقاني (4/126).

(([4]الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله، جعفر مرتضى العاملي (26/105).

 ([5]) فتح الباري، ابن حجر (8/334).

([6])  جواهر الكلام، محمد حسن النجفي (12/4).

 ([7]) الفوائد الرجالية، الخواجوئي (ص 252.(

  ([8]) معجم رجال الحديث، الخوئي (14/326).

(([9] التحرير الطاووسي، حسن بن زين الدين العاملي(ص 298).

(([10] الكافي- الكليني(3/546.(

([11]) مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، المجلسي (16/82.(

(([12] ملاذ الأخيار في فهم تهذيب الأخبار، المجلسي ( 6/141.(

([13])   وركبت السفينة، مروان خليفات (ص 270).

(([14]  قاموس الرجال، محمّد تقي التستري (8/626.(


لتحميل الملف pdf

تعليقات