زعم الشيعة مخالفة عمر بن الخطاب لشرطه مع النصارى وإدخال اليهود الى فلسطين!

الشبهة السابعة والأربعون

زعم الشيعة: مخالفة عمر بن الخطاب لشرطه مع النصارى وإدخال اليهود الى فلسطين.

 

محتوى الشبهة:

يقول نجاح الطائي: "وقد خالف عمر شرطه للنصارى، وأدخل اليهود إلى فلسطين بناء على رغبة حبر اليهود كعب الأحبار، وليتخلص عمر من شرطه للنصارى، وليهرب من معارضة الصحابة له فقد اختلق حديثاً مفاده طلب النبي صلى الله عليه وسلم من المسلمين إخراج اليهود الى الشام"([1]).

الرد التفصيلي على الشبهة:

أولاً: الخير الذي أجراه الله على يدي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو الذي أقض مضاجع الشيعة، وجعلهم يفترون الكذب عليه رضي الله عنه بعد أن فتح الله على يديه الشَّام ومصر وَجَمِيع مملكة الْفرس إِلَى خُرَاسَان([2]). 

وهذا الذي سطره الشيعة من الكذب الصراح على أمير المؤمنين عمر، والذي اشتهر بمعاداته لأي شيء ينتسب لليهود، ولولا ذلك لما حدَّث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب.

فقد روى مسلم: "عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، يَقُولُ: أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ، وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ حَتَّى لَا أَدَعَ إِلَّا مُسْلِمًا"([3]).

وروى البيهقي: "عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه: أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه أَمَرَهُ أَنْ يَرْفَعَ إِلَيْهِ مَا أَخَذَ وَمَا أَعْطَى فِي أَدِيمٍ وَاحِدٍ، وَكَانَ لِأَبِي مُوسَى كَاتِبٌ نَصْرَانِيٌّ، يَرْفَعُ إِلَيْهِ ذَلِكَ، فَعَجِبَ عُمَرُ رضي الله عنه ،  وَقَالَ: "إِنَّ هَذَا لَحَافِظٌ" وَقَالَ: "إِنَّ لَنَا كِتَابًا فِي الْمَسْجِدِ، وَكَانَ جَاءَ مِنَ الشَّامِ فَادْعُهُ فَلْيَقْرَأْ", قَالَ: أَبُو مُوسَى: إِنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ، فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: " أَجُنُبٌ هُوَ؟ "، قَالَ: لَا، بَلْ نَصْرَانِيٌّ قَالَ: فَانْتَهَرَنِي، وَضَرَبَ فَخِذِي، وَقَالَ: " أَخْرِجْهُ "، وَقَرَأَ {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [سورة المائدة:51]، " قَالَ أَبُو مُوسَى: وَاللهِ مَا تَوَلِّيتُهُ، إِنَّمَا كَانَ يَكْتُبُ قَالَ: أَمَا وَجَدْتَ فِي أَهْلِ الْإِسْلَامِ مَنْ يَكْتُبُ لَكَ؟ لَا تُدْنِهِمْ إِذْ أَقْصَاهُمُ اللهُ، وَلَا تَأْمَنْهُمْ إِذْ خَوَّنَهُمُ اللهُ، وَلَا تُعِزَّهُمْ بَعْدَ إِذْ أَذَلَّهُمُ اللهُ، فَأَخْرِجْهُ "([4])، وقال الألباني: "صحيح"([5]).

فهذا عداء عمر لليهود والنصارى امتثالا؛ لقول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [سورة المائدة:51].

ثانيًا: قوله إن عمر رضي الله عنه خالف شرطه مع النصارى بأن لا يدخل اليهود لفلسطين، فهذا الشرط لم يصح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولم يأت إلا في رواية الطبري: قال الإمام الطبري: "وعن خالد وعبادة، قالا: صالح عمر أهل إيلياء بالجابية، وكتب لهم ...ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود"([6]).

وهذه الرواية لا تصح لا إسنادًا ولا متنًا، وقد قال البرزنجي: إسناده ضعيف جدًّا"([7])، وهو عند الطبري من غير إسناد، بل قال: وعن خالد وعبادة قالا: ولم أعرف خالداً وعبادة، ومتنه مختصر، وفيه أن عمر رضي الله عنه شرط عليهم أن لا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود. وفي إسناده مقال عند ابن الأعرابي، وابن حزم، والبيهقي، وابن كثير، يحيى بن عقبة بن العيزار. قال ابن معين: كذاب خبيث، عدو الله، وقال أبو حاتم: يفتعل الحديث، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال النسائي وغيره: ليس بثقة([8]).

وعليه فهذا النص المزعوم ليس له إسناد.

وكذلك فإن متنه ساقط، وقد أوضح ذلك الدكتور شفيق جاسر رئيس قسم التاريخ بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية في بحث نُشر في العدد 62 من مجلة الجامعة، بعنوان: العهدة العمرية.

فقال معلقا على رواية الطبري: "أما النص الذي أورده الطبري عن سيف، والنص الذي أورده مجير الدين عن سيف أيضاً وعن آخرين، فبالرغم من ورود بعض الاختلافات بينهما، إلا أنه من المرجح أنهما أخذا عن مصـدر واحـد، وإن مجير الـدين قد أخـذ عن الطبري، مع بعض التصرف في النص، هذه واحـدة.

أمـا الثانيـة فهي أن ما ورد فيهـما من تحفظات وشـروط قصد بها مصلحـة النصارى، كالتعهد بعدم هدم الكنائس، وعدم إكراههم على دينهم، وعدم مساكنة اليهود لهم بالقدس، وغـيرهـا، يدعو للشـك فيهـما، ومما يقوي هذا الشك أنهما وردا مفصلين ومطولين، مع أن عهود المدن الأخرى جاءت مختصرة وبسيطة، بالغة البساطة كعهد حمص، ومما يؤكده أيضاً أن الطبري ومجير الدين الذي نقل عنه، أشارا إلى أنه أعطى لأهل القدس في الجـابيـة، مع أن المشهـور أنه أعطى لهم في القدس نفسها، كـما أن التحفظات المذكورة تنافي الـواقـع ولم تذكر الروايات الأولى ما يؤيدها.

ومن المحتمل أن هذا العهد قد وضع في فترة لاحقـة حيث يذكـر الـدكتور عبـد العـزيز الـدوري: "أن الأمر لم يخل من ادعاءات يهوديـة". كـما تدعي روايـة يهوديـة بأن اليهـود طلبوا من عمر بن الخطاب السـماح لهم باستقدام مائتي عائلة يهوديـة من مصـر للسكن في القـدس، ولكن البطـريق صفرونيـوس عارض ذلك، فسمح عمر بن الخطاب لسبعين عائلة بالحضور من مصر وأسكنهم جنوب الحرم القـدسي. ويسهـل كشف كذب هذا الادعاء ببساطة، فمصر قد فتحت بعد فتح القدس بأربع سنوات.

ومن المحتمل أن عبارة " ألا يساكنهم فيها اليهود" المذكورة في النصين إنما تدل على أن القدس كـما هو معلوم تاريخياً كانت خالية من اليهود، ولم يشأ النصارى أن يسكنها اليهود من جديـد تحت حكم المسلمين. وليس كما فسـرهـا اليهـود من أن اليهـود كانوا يسكنـون في القدس، واشترط النصارى على المسلمين إخراجهم منها".

وأما أصل العهدة العمرية فمتفق على صحتها.

قال ابن القيم: "وَشُهْرَةُ هَذِهِ الشُّرُوطِ تُغْنِي عَنْ إِسْنَادِهَا، فَإِنَّ الْأَئِمَّةَ تَلَقَّوْهَا بِالْقَبُول،ِ وَذَكَرُوهَا فِي كُتُبِهِمْ وَاحْتَجُّوا بِهَا، وَلَمْ يَزَلْ ذِكْرُ الشُّرُوطِ الْعُمَرِيَّةِ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ وَفِي كُتُبِهِمْ، وَقَدْ أَنْفَذَهَا بَعْدَهُ الْخُلَفَاءُ وَعَمِلُوا بِمُوجَبِهَا"([9]).

وقال: "ذَكَرَ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرِيُّ - مِنْ حَدِيثِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى الْحُلْوَانِيِّ - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ جَنَّادٍ: حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ مُسْلِمٍ الْحَلَبِيُّ، عَنْ صَالِحٍ الْمُرَادِيِّ، عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيًّا صَلَّى الْعَصْرَ فَصَفَّ لَهُ أَهْلُ نَجْرَانَ صَفَّيْنِ، فَنَاوَلَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ كِتَابًا، فَلَمَّا رَآهُ دَمَعَتْ عَيْنُهُ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ: "يَا أَهْلَ نَجْرَانَ، هَذَا وَاللَّهِ خَطِّي بِيَدِي وَإِمْلَاءُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ". فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَعْطِنَا مَا فِيهِ. قَالَ: وَدَنَوْتُ مِنْهُ فَقُلْتُ: إِنْ كَانَ رَادًّا عَلَى عُمَرَ يَوْمًا فَالْيَوْمَ يَرُدُّ عَلَيْهِ! فَقَالَ: لَسْتُ بَرَّادٍ عَلَى عُمَرَ شَيْئًا صَنَعَهُ، إِنَّ عُمَرَ كَانَ رَشِيدَ الْأَمْرِ، وَإِنَّ عُمَرَ أَخَذَ مِنْكُمْ خَيْرًا مِمَّا أَعْطَاكُمْ، وَلَمْ يَجُرَّ عُمَرُ مَا أَخَذَ مِنْكُمْ إِلَى نَفْسِهِ إِنَّمَا جَرَّهُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ"([10]).

ثالثًاً: حديث إخراج اليهود من جزيرة العرب متفق عليه، وقد جاء عند ابن عباس كما عند مسلم عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَوْمُ الْخَمِيسِ، وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ ثُمَّ بَكَى حَتَّى بَلَّ دَمْعُهُ الْحَصَى، فَقُلْتُ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ؟ قَالَ: اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَجَعُهُ، فَقَالَ: "ائْتُونِي أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَا تَضِلُّوا بَعْدِي»، فَتَنَازَعُوا وَمَا يَنْبَغِي عِنْدَ نَبِيٍّ تَنَازُعٌ، وَقَالُوا: مَا شَأْنُهُ أَهَجَرَ؟ اسْتَفْهِمُوهُ، قَالَ: "دَعُونِي فَالَّذِي أَنَا فِيهِ خَيْرٌ، أُوصِيكُمْ بِثَلَاثٍ: أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ"([11]). 

وروى الإمام أحمد بسنده عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، قَالَ: "آخِرُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "أَخْرِجُوا يَهُودَ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَأَهْلِ نَجْرَانَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ شِرَارَ النَّاسِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ"([12]). 

هذا فضلاً عن الآثار التي رويت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد سبق ذكر رواية مسلم.

وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه، قَالَ: لَمَّا فَدَعَ أَهْلُ خَيْبَرَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، قَامَ عُمَرُ خَطِيبًا، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ عَامَلَ يَهُودَ خَيْبَرَ عَلَى أَمْوَالِهِمْ، وَقَالَ: "نُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمُ اللَّهُ" وَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ خَرَجَ إِلَى مَالِهِ هُنَاكَ، فَعُدِيَ عَلَيْهِ مِنَ اللَّيْلِ، فَفُدِعَتْ يَدَاهُ وَرِجْلاَهُ، وَلَيْسَ لَنَا هُنَاكَ عَدُوٌّ غَيْرَهُمْ، هُمْ عَدُوُّنَا وَتُهْمَتُنَا وَقَدْ رَأَيْتُ إِجْلاَءَهُمْ، فَلَمَّا أَجْمَعَ عُمَرُ عَلَى ذَلِكَ أَتَاهُ أَحَدُ بَنِي أَبِي الحُقَيْقِ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، أَتُخْرِجُنَا وَقَدْ أَقَرَّنَا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم ، وَعَامَلَنَا عَلَى الأَمْوَالِ وَشَرَطَ ذَلِكَ لَنَا، فَقَالَ عُمَرُ: أَظَنَنْتَ أَنِّي نَسِيتُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "كَيْفَ بِكَ إِذَا أُخْرِجْتَ مِنْ خَيْبَرَ تَعْدُو بِكَ قَلُوصُكَ لَيْلَةً بَعْدَ لَيْلَةٍ" فَقَالَ:  كَانَتْ هَذِهِ هُزَيْلَةً مِنْ أَبِي القَاسِمِ، قَالَ: كَذَبْتَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ، فَأَجْلاَهُمْ عُمَرُ، وَأَعْطَاهُمْ قِيمَةَ مَا كَانَ لَهُمْ مِنَ الثَّمَرِ، مَالًا وَإِبِلًا، وَعُرُوضًا مِنْ أَقْتَابٍ وَحِبَالٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ"([13]).

إذًا الحديث ثابت، ولا يُطعن فيه بمجرد ادعاء بلا برهان.

رابعًا: قوله أن عمر رضي الله عنه أدخل اليهود إلى فلسطين! هذا محض كذب، وليس مع قائل ذلك دليلاً واحداً، بل إن الشرط  الذي أشار إليه فيه دليل على أن النصارى قد طردوا كل اليهود من فلسطين، ولذلك أحبوا ألا يساكنهم فيها اليهود - هذا احتجاج عليه بما أورد- ومع ذلك فإن التاريخ لم يسجل رواية صحيحة تقول بأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أجلى اليهود إلى فلسطين، بل كل ما في الأمر أنه طردهم من الحجاز كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم وأقرهم على أي أرض يسكنونها، وهذا حكم الإسلام فيهم.

ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي مَرَضِ مَوْتِهِ: أَنْ تَخْرُجَ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ - وَهِيَ الْحِجَازُ - فَأَخْرَجَهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْمَدِينَةِ وَخَيْبَرَ وَيَنْبُعَ وَالْيَمَامَةِ وَمَخَالِيفِ هَذِهِ الْبِلَادِ؛ وَلَمْ يُخْرِجْهُمْ مِنْ الشَّامِ؛ بَلْ لَمَّا فَتَحَ الشَّامَ أَقَرَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى بِالْأُرْدُنِّ وَفِلَسْطِينَ وَغَيْرِهِمَا كَمَا أَقَرَّهُمْ بِدِمَشْقَ وَغَيْرِهَا"([14]).

والثابت أن اليهود تفرقوا في أطراف الشام والكوفة، قال العلامة صارم الدين الكوكباني: "صرح العلامة محمد بن إبراهيم الوزير رحمه الله بأن أبا بكر إنما تراخى عن تنفيذ وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم بإخراجهم لهيجان فتنة الردة التي شغلتهم عن ذلك عقيب موت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأما عمر فقد أجلى جميع من قدر على إجلائه، حتى لحق أكثرهم بأطراف الشام، وبعضهم بسواد الكوفة، قيل وكان الذي أجلاهم أربعين ألفا من اليهود"([15]).

وليس معنى أن عمر رضي الله عنه أجلاهم من الحجاز وذهبوا إلى الشام أن يكون هو الذي أسكنهم في فلسطين فإن الشام أكبر من أن تحصر في فلسطين، وإلا لقلنا أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أسكنهم؛ لأن يهود بني النضير ذهبوا إلى أذرعات بالشام.

فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَدْ حَاصَرَهُمْ حَتَّى بَلَغَ مِنْهُمْ كُلَّ مَبْلَغٍ، فَأَعْطَوْهُ مَا أَرَادَ مِنْهُمْ فَصَالَحَهُمْ عَلَى أَنْ يحقن لهم دماؤهم وأن يخرجهم من أرضيهم وَأَوْطَانِهِمْ وَأَنْ يُسَيِّرَهُمْ إِلَى أَذْرِعَاتِ الشَّامِ، وَجَعَلَ لِكُلِّ ثَلَاثَةٍ مِنْهُمْ بَعِيرًا وَسِقَاءً، والجلاء: إخراجهم من أرضيهم إِلَى أَرْضٍ أُخْرَى"([16]).

ولما أجلاهم عمر رضي الله عنه ذهبوا إلى نفس المدينة ، قال ابن كثير: "أَجْلَى عُمَرُ يَهُودَ خَيْبَرَ عَنْهَا إِلَى أَذْرِعَاتٍ وَغَيْرِهَا، وَفِيهَا أَجْلَى عُمَرُ يَهُودَ نَجْرَانَ مِنْهَا أَيْضًا إِلَى الْكُوفَةِ"([17]).

خامسًا: لا شك أن هذا الذي قاله نجاح الطائي وغيره إنما هو من باب "رمتني بدائها وانسلت"؛ لأن أقرب الناس لليهود ديانة وسياسة هم الرافضة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وَقَدْ عَرَفَ الْعَارِفُونَ بِالْإِسْلَامِ: أَنَّ الرَّافِضَةَ تَمِيلُ مَعَ أَعْدَاءِ الدِّينِ. وَلَمَّا كَانُوا مُلُوكَ الْقَاهِرَةِ كَانَ وَزِيرُهُمْ مَرَّةً يَهُودِيًّا، وَمَرَّةً نَصْرَانِيًّا أَرْمِينِيًّا، وَقَوِيَتْ النَّصَارَى بِسَبَبِ ذَلِكَ النَّصْرَانِيِّ الْأَرْمِينِيِّ، وَبَنَوْا كَنَائِسَ كَثِيرَةً بِأَرْضِ مِصْرَ فِي دَوْلَةِ أُولَئِكَ الرَّافِضَةِ الْمُنَافِقِينَ، وَكَانُوا يُنَادُونَ بَيْنَ الْقَصْرَيْنِ: مَنْ لَعَنَ وَسَبَّ فَلَهُ دِينَارٌ وَإِرْدَبٌّ. وَفِي أَيَّامِهِمْ أَخَذَتْ النَّصَارَى سَاحِلَ الشَّامِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى فَتَحَهُ نُورُ الدِّينِ وَصَلَاحُ الدِّينِ. وَفِي أَيَّامِهِمْ جَاءَتْ الفرنج إلَى بلبيس وَغَلَبُوا مِنْ الفرن"([18]).

وتجد في رواياتهم النفس اليهودي واضح، وكذلك في عقائدهم بداية من عقيدة الوصي بعد النبي مرورا بالرجعة، والبداء، مرورا بالفقهيات المأخوذة من اليهود وانتهاء باعتقاد أن الراد على الوصي كالراد على الله، وأن الوصي أفضل من الأنبياء، كل هذا وغيره من عقائد اليهود التي ورثها الشيعة منهم.

وأما موالاتهم لليهود فأشهر من أن يذكر، وخير مثال على ذلك وضع اليهود الممتاز في إيران، ففي موسوعة مجلة الراصد المتخصصة في الفرق: "يقول أحد الكتاب الإيرانيين أن أرض إيران بالنسبة لليهود هي أرض كورش مخلصهم، وفيها ضريح إستر ومردخاي، وفيها توفى النبي دانيال ودفن النبي حبقوق، وهي وطن شوشندخت الزوجة اليهودية للملك يزدجر الأول، وتحوي أرضها جثمان بنيامين شقيق النبي يوسف.

 ويذكر كاتب أخر أن أحد أنبياء بني إسرائيل كان حارساً لمعبد الملك سليمان في القدس، وقد وقع مع النبي دانيال وآخرون في أسر ملك بابل نبوخذ نصر، وأمضى سنوات طويلة في السجن، وعندما فتح كورش بابل، أطلق الأسرى، وقدم النبي "حبقوق" إلى إيران واستقر في همدان، ودفن حين توفى في تويسركان([19]).

وحسب المصادر الإيرانية، فإن نظام الملالي يعتمد على هذه الخلفية الدينية، للانطلاق في حملته لتهدئة مخاوف إسرائيل وأميركا.

خاصة أن موريس معتمد ممثل اليهود في البرلمان الإيراني يصف علاقة الأقلية اليهودية، وهي أكبر تجمع لليهود في الشرق الأوسط خارج إسرائيل بنظام الملالي بأنها جيدة جداً، موضحاً أن اليهود موجودين في هذه الدولة منذ 2100 عام.

ويقدر عدد اليهود في إيران بـ 25 ألف يهودي موزعين على ثلاث مدن رئيسية هي طهران وأصفهان وشيراز.

ويقول موريس معتمد: إن لدى اليهود 80 كنيسا في إيران وأبرز مقدساتهم مقبرة النبي دانيال والنبي حبقوق ومعابد أخرى أيضاً في همدان ... نقلت الصحيفة عن أحد الثلاثة قوله "إن الشعب الإيراني شعب طيب واليهود يعيشون هناك بشكل جيد أكثر من إسرائيل ومن بينهم من يعيشون كالملوك".

بل إن مهدي الشيعة يتكلم العبرانية وهي لغة اليهود، في كتاب (الغيبة) للنعماني: "عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (ع) إِذَا أُذِنَ الْإِمَامُ دَعَا اللَّهَ بِاسْمِهِ الْعِبْرَانِيِّ، فَأُتِيحَتْ لَهُ صَحَابَتُهُ‌ الثَّلَاثُمِائَةِ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ"([20]). ولذلك فقد رووا أن أتباع مهديهم هم اليهود.

في (الإرشاد): "ورَوى المفضَّلُ بن عمر، عن أَبي عبد الله قالَ: "يُخْرِجً القائمُ من ظَهْرِ الكوفةِ سبعةً وعشرينَ رَجلاً، خمسةَ عشرَ من قومِ موسى الذينَ كانوا يَهْدونَ بالحقِّ وبه يَعْدِلُونَ، وسَبْعةً من أَهلِ الكهفِ، ويوشعَ بن نون، وسلمانَ، وأَبا دجانة الأنصاري، والمقدادَ، ومالكاً الأشتر، فيكونونَ بين يَديه أَنصاراً وحكاماً"([21]). 

وفي (الكافي)، وقال المجلسي في (مرآة العقول): حسن موثق: عن أبي عبد الله قال: إذا قام قائم آل محمد عليه السلام حكم بحكم داود وسليمان لا يسأل بينة"([22]).

وأما كعب الأحبار فمن أفاضل التابعين.

 قال الإمام الذهبي:" كَعْبُ بنُ مَاتِعٍ الحِمْيَرِيُّ، اليَمَانِيُّ، العَلاَّمَةُ، الحَبْرُ، الَّذِي كَانَ يَهُودِيّاً، فَأَسْلَمَ بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَدِمَ المَدِيْنَةَ مِنَ اليَمَنِ فِي أَيَّامِ عُمَرَ رضي الله عنه فَجَالَسَ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فَكَانَ يُحَدِّثُهُم عَنِ الكُتُبِ الإِسْرَائِيْليَّةِ، وَيَحْفَظُ عَجَائِبَ، وَيَأْخُذُ السُّنَنَ عَنِ الصَّحَابَةِ. وَكَانَ حَسَنَ الإِسْلاَمِ، مَتِيْنَ الدّيَانَةِ، مِنْ نُبَلاَءِ العُلَمَاءِ"([23]).  

ومع ذلك فقد كان الصحابة يتحفظون من روايته.

وإذا كان الرافضة يعيبون علينا أننا روينا عن كعب الأحبار، فما باله لا يعيب على علي بن أبي طالب صلى الله عليه وسلم الذي جعل كعب الأحبار من خواصه، ومن المقربين له، قال ابن طاووس: "أنّ عبد اللّه بن سلام وكعب الأحبار كانا من خواصّ مولانا علي عليه أفضل السلام"([24]). 

وجاء كعب الأحبار في روايات الشيعة كما في عيون أخبار الرضا(ع) للصدوق([25]).

بل وحدّث عنه الصادق كما في كتاب مصباح الشريعة المنسوب للإمام الصادق (ع)([26]).

والحمد الله رب العالمين

وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

([1]) ليالٍ يهودية، لنجاح الطائي (ص 44).

([2]) الفصل في الملل والأهواء والنحل (4/111).

([3]) صحيح مسلم  (3/1388).

([4]) السنن الكبرى للبيهقي (10/216).

([5]) إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل (8/255).

([6]) تاريخ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري (3/608-609).

([7]) صحيح وضعيف تاريخ الطبري (8/266)، وقال عبد السلام بن محسن آل عيسى: "رواه الطبري  في (التاريخ) (2/449)، ابن الأعرابي (المعجم) (1/382،384)، ابن حزم في (المحلى) (5/414-415)، البيهقي في (السنن الكبرى) (9/202)، ابن عساكر في (تاريخ دمشق) (2/178)، ابن كثير في (مسند الفاروق) (2/488-489).

([8]) ميزان الاعتدال (4/397). دراسة نقدية في المرويات الواردة في شخصية عمر بن الخطاب وسياسته الإدارية رضي الله عنه (2/1060).

([9]) أحكام أهل الذمة (3/1164-1165).

([10]) أحكام أهل الذمة (3/1165).

([11]) صحيح مسلم (3/1257).

([12]) مسند أحمد (3/221) وأخرجه الدارمي (2498)، والبخاري في "التاريخ الكبير" (4/)57، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (235) و(236)، والبزار (439- كشف الأستار)، وأبو يعلى (872)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (4/12)، والبيهقي (9/208) من طريق يحيى بن سعيد، بهذا الإسناد، وبعضهم يرويه مختصراً، وأخرجه الطيالسي (229)، والحميدي (85)، والبخاري في "التاريخ الكبير" (4/57)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (4/12 و13)، والشاشي (264)، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" (596) من طرق عن إبراهيم بن ميمون، به. وإسناده صحيحٌ، وصححه الإمام ابن عبد البر في (التمهيد) (1 / 169)، والعلامة الألباني في (الصحيحة) (رقم 1132).

([13]) صحيح البخاري (3/192).

([14]) مجموع الفتاوى (28/360-361).

([15]) التنبيه على ما وجب من إخراج اليهود من جزيرة العرب (ص25).

([16]) دلائل النبوة للبيهقي (3/359).

([17]) البداية والنهاية (10/ 100).

([18]) مجموع الفتاوى (28/637).

([19]) الفرق (1/ 68-70)

([20]) الغيبة للنعماني- 1/313.

([21]) الإرشاد، المفيد (2/386).

([22]) الكافي (1/ 397)، مرآة العقول، المجلسي (4/298).

([23]) سير أعلام النبلاء، ط الرسالة (3/ 489).

([24]) التشريف بالمنن في التعريف بالفتن، السيد بن طاووس ( ص80).

([25]) عيون أخبار الرضا (ع) للصدوق (2/ص55).

([26]) مصباح الشريعة المنسوب للإمام الصادق (ع) (ص105).


لتحميل الملف pdf

تعليقات