زعم الشيعة أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه رفض أن يسير بسيرة الشيخين

الشبهة السادسة والأربعون

زعم الشيعة أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه رفض أن يسير بسيرة الشيخين.

 

محتوى الشبهة:

احتجوا في ذلك: بما رواه الإمام أحمد بسنده عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: "قُلْتُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: كَيْفَ بَايَعْتُمْ عُثْمَانَ وَتَرَكْتُمْ عَلِيًّا؟ قَالَ: مَا ذَنْبِي؟ قَدْ بَدَأْتُ بِعَلِيٍّ، فَقُلْتُ: أُبَايِعُكَ عَلَى كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، وَسِيرَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. قَالَ: فَقَالَ: فِيمَا اسْتَطَعْتُ. قَالَ: ثُمَّ عَرَضْتُهَا عَلَى عُثْمَانَ، فَقَبِلَهَا"([1]).

قال العاملي: "واشتراطهم عليه أن يسير بسنة وسيرة أبي بكر وعمر، محاولة منهم لانتزاع الاعتراف بأنها جزء من الإسلام! وهذا تحريف للإسلام وإضرار (بنظريته) لا يمكن لعلي القبول به. بل من مصلحة الإسلام أن يسجل التاريخ أن علياً عليه السلام رفض أن يعطي الشرعية لسيرتهما، وأعلن أنها ليست جزءًا من الإسلام"([2]).

الرد التفصيلي على الشبهة:

أولاً: الرواية ضعيفة ولا تثبت؛ ففيها سُفْيَان بن وَكِيع بن الْجراح، قال النسائي: "لَيْسَ بِشَيْء( ([3].

وقال ابن الجوزي: "قَالَ البُخَارِيّ: يَتَكَلَّمُونَ فِيهِ لِأَشْيَاء لقنوه إِيَّاهَا، قَالَ أَبُو زرْعَة: لَا يشْتَغل بِهِ، قيل لَهُ: أَكَانَ مُتَّهم بِالْكَذِبِ؟ قَالَ: نعم.

 وَقَالَ ابْن عدي: كَانَ إِذا لقن تلقن، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِشَيْء، وَقَالَ ابْن حبَان: قيل لَهُ فِي أَشْيَاء لقنها فَلم يرجع عَنْهَا؛ فَاسْتحقَّ التّرْك لإصراره( ([4].

وقال الذهبي: "ضعيف، وَقَالَ أَبُو زرْعَة: كَانَ يتهم بِالْكَذِبِ"(([5].

وبه تسقط الرواية من ناحية الإسناد.

ثانيًا: حتى لو صحت الرواية، فليس فيها طعن في أحد من الصحابة، فقد يكون قصد عبد الرحمن تقليد الشيخين في السير بالعدل والإنصاف دون التقليد في الأحكام؛ لأن سيرة أبي بكر وعمر ترك التقليد، ومما يؤكد هذا أن أحكام أبي بكر وعمر في كثير من الفقهيات مختلفة، فقبل عثمان لما فهمه من هذا القصد.

ونقول أيضاً: إن عبد الرحمن لم يشك في أن عليًا سيسلك طريق الخليفتين في عدليهما وإنصافهما، وإنما قال ذلك ليقرره ويؤكده وليقع الرضا من الجماعة، ويستميل قلوب السامعين، وقدر عليّ أنه دعاه إلى التقليد في الأحكام، بينما يعلم أن عمرًا لم يقلد أبا بكر في مسائل الحرام والحلال، فلم يقبل أن يدعوه عبد الرحمن إلى التقليد وترك الاجتهاد، فامتنع عن قبول الشرط، والحكم بالتقليد جائز عند الفقهاء، فهي مسألة اجتهاد، فلعل عثمان وعبد الرحمن كانا يريان جواز التقليد، ولا يرى عليّ ذلك. وعلى هذا يكون عبد الرحمن مصيبًا في اشتراطه وتقريره وتأكيد الأمر، ويكون عليّ مصيبًا في الامتناع منه، ويكون عثمان مصيبًا أيضًا في قبول الاشتراط([6]).

ثالثًاً: الثابت عند أهل السنة أن عليًّا كان على سيرة أبي بكر وعمر، وكان كثير المدح لهما وذكر مآثرهما والقول بتفضيلهما على سائر الامة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

روى الإمام البخاري بسنده: "عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الحَنَفِيَّةِ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: «أَبُو بَكْرٍ»، قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ عُمَرُ»، وَخَشِيتُ أَنْ يَقُولَ عُثْمَانُ، قُلْتُ: ثُمَّ أَنْتَ؟ قَالَ: «مَا أَنَا إِلَّا رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِينَ"([7]).

وقد تمنى عليّ رضي الله عنه أن يلقى الله تعالى بعمل عمر رضي الله عنه ، ففي الصحيحين أن ابْنَ عَبَّاسٍ قال: "وُضِعَ عُمَرُ عَلَى سَرِيرِهِ فَتَكَنَّفَهُ النَّاسُ، يَدْعُونَ وَيُصَلُّونَ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ وَأَنَا فِيهِمْ، فَلَمْ يَرُعْنِي إِلَّا رَجُلٌ آخِذٌ مَنْكِبِي، فَإِذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَتَرَحَّمَ عَلَى عُمَرَ، وَقَالَ: مَا خَلَّفْتَ أَحَدًا أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ بِمِثْلِ عَمَلِهِ مِنْكَ، وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كُنْتُ لَأَظُنُّ أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مَعَ صَاحِبَيْكَ، وَحَسِبْتُ إِنِّي كُنْتُ كَثِيرًا أَسْمَعُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ذَهَبْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَدَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَخَرَجْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَر"([8]).

وقال أبو نعيم الأصبهاني:" مَعَ أَنَّ عَلِيًّا فِي خِلَافَتِهِ لَمْ يُغَيِّرْ شَيْئًا مِنْ سُنَنِ الْخُلَفَاءِ قَبْلَهُ، وَلَمْ يُخَالِفْهُمْ فِي شَيْءٍ، وَكَانَ أخذ النَّاسَ بِسُنَّةِ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ يَغْزُو فِي خِلَافَتِهِمَا وَيُصَلِّي خَلْفَهُمَا وَيَأْخُذُ الْعَطَاءَ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ عَجْزٌ وَلَا ضَعْفٌ عَنْ أَخْذِ الْخِلَافَةِ بَعْدَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم"([9]).

رابعًا: الشيعة يقرون أن عليًّا سار بسيرة الشيخين، ولم يغير شيئًا من أحكامها.

قال الشريف المرتضى:" وأما إقراره عليه السلام أحكام القوم لما صار الأمر إليه فالسبب فيه واضح، وهو استمرار التقية في الأيام المتقدمة باق وما زال ولا حال، وإنما أفضت الخلافة إليه بالاسم دون المعنى"([10]).

وقال مرتضى العسكري بعدما ساق عدة روايات قال: "تدلنا هذه الروايات أن الامام عليًّا لم يغير شيئاً مما فعلوه قبله في الخمس وتركة الرسول ولم يكن ليستطيع أن يغير شيئا"([11]).

وقال محمد إسحاق الفياض: " أمير المؤمنين (ع) لا يقدر على تغيير ما صنعه الخلفاء قبله([12]).

وقال محمد باقر الجلالي: "في خلافة أمير المؤمنين (صلوات اللّه وسلامه عليك): ولم يكن باستطاعة الإمام علي (عليه السلام) أن يغيّر شيئا ممّا سنّه الرجلان(([13].

ويقول محمد الشيرازي: "وأما قولك -أيها الحافظ-: بأن علياً عليه ‌السلام حيث لم يردّ فدكا إلى أولاد فاطمة، فقد أمضى حكم الخليفة، فهو خطأ، لأنه عليه السلام ما تمكّن أن يغيّر ما ابتدعه الخلفاء قبله، فكان عليه ‌السلام مغلوبًا على أمره من طرف المخالفين والمناوئين وهم الناكثين والقاسطين(([14].

 كل هذه النصوص تدلنا على أن عليًّا رضي الله عنه إنما سار بسيرة الشيخين ولم يغير شيئا منها.

وصدق ابن التركماني لما قال: "تقولون أن علياً رضي الله عنه، كان في زمن هؤلاء في تقية وخيفة، يمتثل أمرهم ولا يجسر يردّ عليهم ولا يظهر خلافهم، وكذا كان بعد موتهم، وفي سلطانه وخلافته ومعه مائة ألف سيف، يقولون: ما جسر أن يظهر مخالفتهم ولا عيبهم ولا الرد عليهم، لأن أعوانه ومن كانوا معه كانوا يتدينون بخلافة أبي بكر وعمر وعثمان، فلو عابهم أو اتهموه بعيبهم لقتلوه.

قلتم إنه خرج من الدنيا وما أظهر ما في نفسه، وإنه سار في أموال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في خلافته بسيرتهم، وقرأ هذا القرآن، وصلى التراويح، وحيا الأرض كما حيوها، ومدحهم على منابره بالمدح العظيم الذي قد امتلأت الكتب به، وإذا سألناكم قلتم: هذا كله صحيح قد فعله عليّ وقاله، إلاّ أن باطنه فيه خلاف ظاهره، وإنما قاله تقرباً إلى أنصاره وأعوانه؛ لأن ذلك كان يعجبهم، ويرون إمامة هؤلاء، فقاله خوفاً منهم وتقرباً إليهم، فكتب أسلافكم مملوءة بأنه قد فعله تقيةً وخيفةً، والآن تذكرون بأنه قد كاشف في البراءة منهم ومن أفعالهم في زمن عثمان وقبل أن تصير الخلافة إليه، فأنتم لا تعملون على تحصيل، ولقلة حيلتكم وأنه ليس معكم حجة في مذهبكم ما تأتون بالشيء تظنونه حجة لكم، فتنقضون به على أنفسكم من حيث لا تشعرون، ففي هذا كفاية.

وأيضاً فقد كان في الصحابة من يخالف أبا بكر وعمر في مسائل الاجتهاد. ولا يحتشم ذلك، ولا ينكر أبو بكر وعمر ذلك، وقد خالفهما ابن مسعود، وأبي، ومعاذ، وزيد بن ثابت، وابن عباس، وغيرهم. فتعلم أن ما يتعلق به هؤلاء باطل..([15]) ".

قلت: ومن هنا نعلم أن عليًّا رضي الله عنه سار بسيرة الشيخين على نهج الكتاب والسنة الذي يعرفه المسلمون، لا على نهج دين الشيعة الذي يعترفون أن عليا رضي الله عنه لم يعمل به قط.

خامسًا: لو فرضنا أن عليا رضي الله عنه رفض العمل بسيرة الشيخين -رضي الله عنهما-؛ لأنها مخالفة لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فما جوابهم عن اشترط الحسن على معاوية- رضي الله عنهما- أن يسير بسيرة الخلفاء الراشدين في بنود الصلح الذي كان بينهما.

يقول الأربلي: "هذا ما صالح عليه الحسن بن على بن أبي طالب معاوية بن أبي سفيان، صالحه على أن يسلم إليه ولاية أمر المسلمين على أن يعمل فيهم بكتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسيرة الخلفاء الراشدين"([16]).

قال سامي البدري: "المراد بسيرة الخلفاء الصالحين هم الثلاثة الأول، ولا يترقب من الحسن عليه‌ السلام أن يشترط على معاوية التزامها؛ لأن أباه عليًّا قد ترك الخلافة المشروطة بالعمل بسيرة الشيخين، مضافاً إلى أن نظام الحكم في العراق أيام عليٍ والحسن كان قائمًا على الكتاب والسنة دون سيرة الشيخين"([17]).

ويهمنا اعترافه أن المراد بسيرة الخلفاء الصالحين الراشدين الذين اشترط الحسن على معاوية أن يسير بسيرتهم هم الثلاثة الأول: أي أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم جميعا.

أما محاولة لفه الكلام بعد ذلك، فلا تسمن ولا تغني من جوع، فكيف لا يترقب من الحسن أن يشترط على معاوية التزام سيرتهم وهو اشترطها أصلاً في بنود الصلح، وكان مما اتفق عليه الطرفان؟

فإذا كانت سيرة الشيخين غير مرضية، ومخالفة للسنة النبوية، فهل الحسن اشترط على معاوية -رضي الله عنهما- مقابل التنازل له بالخلافة، أن يسير في المسلمين بالباطل؟

 سبحانك هذا بهتان عظيم

والحمد الله رب العالمين

وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

(1 (مسند الامام احمد (1/560 .(

(([2] الانتصار، العاملي (6 /385).

(([3] الضعفاء والمتروكون، النسائي (ص 55).

( ([4]الضعفاء والمتروكون، ابن الجوزي(2/4).

(([5] المغني في الضعفاء، الذهبي (1/269)، الكاشف، الذهبي(1/449).

(([6] انظر: خلافة عثمان بن عفا، د. مصطفى حلمي (ص4).

(1) البخاري، بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا" (5/7 .(

(([8] صحيح البخاري، بَابُ مَنَاقِبِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ أَبِي حَفْصٍ القُرَشِيِّ العَدَوِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (5/11)، وصحيح مسلم، بَابُ مِنْ فَضَائِلِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ (4/1858 .(

( ([9]فضائل الخلفاء الراشدين، أبو نعيم الأصفهاني (ص158).

([10] (الذخيرة في علم الكلام، الشريف المرتضى (ص 478).

([11]) معالم المدرستين، مرتضى العسكري (2/158).

([12]) الأراضي، محمد إسحاق الفياض (ص278).

([13]) فدك والعوالي أو الحوائط السبعة في الكتاب والسنة والتاريخ والأدب، محمد باقر الحسيني الجلالي(1/451).

(([14] ليالي بيشاور، محمد الشيرازي، (1/811).

(([15] الإمامة وأثرها في الحكم على الصحابة: ابن التركماني- ص 73.

(([16] كشف الغمة، الإربلي (2/193).

([17]) الإمام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي – سامي البدري- ص244


لتحميل الملف pdf

تعليقات