قول الشيعة: قال عمر بن الخطاب: " لولا علي لهلك عمر"!

الشبهة الرابعة والأربعون

قول الشيعة: قال عمر بن الخطاب: " لولا علي لهلك عمر".

 

محتوى الشبهة:

قال علي بن يونس العاملي: "وكذا أمر برجم مجنونة شُهد عليها بالزنا، فأخرج البخاري أن عليًّا قال له: أما علمت أن النبي صلى الله عليه وآله قال: رفع القلم عن المجنون حتى يفيق؟ فقال: لولا عليٌّ لهلك عمر" ([1]) .

يقول الأميني معلقًا على ذلك: "إن الخليفة لم يك متحليًّا بما أوجبته أعلام الأمة في الإمامة من الاجتهاد، قال إمام الحرمين الجويني في "الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد"([2]): من شرائط الإمام أن يكون من أهل الاجتهاد بحيث لا يحتاج إلى استفتاء غيره في الحوادث، وهذا متفق عليه.

فأين يقع من هذا الشرط بعد إتفاق الأمة عليه، رجل لم يعط بسطة من العلم، ولم يك ما كان يعلمه يغنيه عن الناس، وإنما الأمة كانت في غنى عن ثرى علمه"([3]).

الرد التفصيلي على الشبهة:

أولاً: هذا اللفظ الذي ذكره العاملي، ونسبه للبخاري غير موجود فيه، وهذا من كذبهم على كتب المسلمين، إنما الذي في البخاري قال الإمام البخاري: "وَقَالَ عَلِيٌّ، لِعُمَرَ: " أَمَا عَلِمْتَ: أَنَّ القَلَمَ رُفِعَ عَنِ المَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يُدْرِكَ، وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظ"([4]).

فأين نجد في صحيح البخاري لفظ "لولا علي لهلك عمر "!؟

ثانيًا: لم تصح هذه اللفظة في رواية واحدة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. قال الشيخ إبراهيم بن عامر بن عليّ الرّحيلي: "وهذه الزيادة وهي قوله: (لولا علي لهلك عمر) ليست معروفة في الحديث، ولم يذكرها المحدثون الذي رووا هذا الحديث، فإن هذا الحديث أخرجه جمع من المحدثين من عدة طرق عن علي رضي الله عنه كأبي داود، والترمذي، وابن ماجه، والإمام أحمد، ولم ترد هذه الزيادة في شيء من طرق الحديث، هذا وقد جمع ابن حجر طرق  الحديث، وكذا الشيخ الألباني فذكرا طرقاً أخرى منقولة عن بعض كتب السنة الأخرى، فلم أعثر فيها لهذه الزيادة على ذكر"([5]).

قلت: واللفظة ذكرها ابن عبد البر قال: قال أحمد ابن زُهَيْر: حَدَّثَنَا عُبَيْد الله بْن عُمَر القواريري، حَدَّثَنَا مؤمل بْن إِسْمَاعِيل، حَدَّثَنَا سُفْيَان الثوري، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيّب، قال: كان عمر...."([6]).

وجاء في (فضائل الصحابة): "حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ الْقَوَارِيرِيُّ قَالَ: نا مُؤَمَّلٌ ثنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: كَانَ عُمَرُ يَتَعَوَّذُ بِاللَّهِ مِنْ مُعْضِلَةٍ لَيْسَ لَهَا أَبُو حَسَنٍ"([7]).

قلت: وكلا الروايتين من طريق مؤمل بن كثير، قال محقق الفضائل:" اسناده ضعيف. مؤمل هو ابن اسماعيل ابو عبد الرحمن العدوي صدوق سيء الحفظ وهو في معجم البغوي([8]). وذكره ابن عبد البر في الاستيعاب([9]) من طريق القواريري "([10]).

وبالجملة فقد قال شيخ الاسلام بن تيمية: "وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لَيْسَتْ مَعْرُوفَةً فِي هَذَا الْحَدِيثِ"([11]).

ثالثًاً: قال الشيخ البغدادي: "ولو تنزلنا وقلنا بصحته فإن فيه فضائل لعمر وعلي رضي الله عنهما، ومنها:

مشاورة عمر رضي الله عنه للصحابة، والأخذ بأقوالهم الموافقة للشريعة، ولقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [سورة آل عمران:159]، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم المؤيد بالوحي مأمور بالمشاورة فخلفاؤه صلى الله عليه وسلم بالمشاورة أولى.

المحبة والتعاون على البر والتقوى بين عليّ وعمر رضي الله عنهما.

عدم مكابرة عمر رضي الله عنه وانصياعه للحق، وفي هذا دليل على التقوى والتواضع، والامتثال للحق.

أن علياً كان وزيرا أمينا لعمر رضي الله عنهما.

نجاة عمر رضي الله عنه من المهلكة؛ وذلك؛ لأن عليًّا رضي الله عنه كان ملازمًا له، وحريصًا على نجاته، وعدم وقوعه في التهلكة.

أفعال عمر رضي الله عنه التي كان يفعلها موافقة للحق، فكل فعل صدر من عمر، ولم يعترض عليه علي رضي الله عنه فهو حق؛ وذلك لأن عليًّا رضي الله عنه لا يسكت على الباطل، فلو كانت أفعال عمر رضي الله عنه مخالفة للحق، لبين له علي رضي الله عنه ذلك، وفي هذا دليل واضح على صحة خلافة عمر، وأنه لم يغتصب أي شي، ولو كان مغتصبا لبين له عليّ ذلك حتى لا يهلك "([12]).

رابعًا: جاء عند الرافضة روايات تفيد وجوب إقامة الحد على المجنون إذا زنى، وبها أخذ كثير من علماء الشيعة.

قال المفيد: "والمجنون إذا زنى أقيم عليه الحد، فجلد إن كان بكرًا، وجلد ورجم إن كان محصنًا"([13]).

وقال الطوسي: "فإن زنا مجنون بامرأة كان عليه الحد تامًا جلد مائة أو الرجم"([14]).

وقال الصدوق: "وإذا زنت المجنونة لم تحدّ، وإذا زنى المجنون حدّ؛ لأنّ المجنون يأتي وهي تؤتى"([15]).

والقاضي ابن البراج في (المهذب) قال: "فإن لاط المجنون بغيره كان عليه الحد كاملا"([16]).

وقال يحيى بن سعيد الحلي: "ويحد المجنون والمعتوه إذا زنى أو لاط أو ساحق - إن كان امرأة - على المنصوص والمفعول بها مجنونة تعزر"([17]).

قال الحلي مبينًا ما استند عليه هؤلاء: "احتج الشيخ بما رواه أبان بن تغلب، عن الصادق عليه السلام قال: قال: إذا زنى المجنون أو المعتوه جلد الحد، فإن كان محصنًا رجم، قلت: وما الفرق بين المجنون والمجنونة والمعتوه والمعتوهة؟ فقال: المرأة إنما تؤتى والرجل يأتي، وإنما يأتي إذا عقل كيف يأتي اللذة، وإن المرأة تستكره ويفعل بها وهي لا تعقل ما يفعل بها"([18]).

فهذه رواية عن الصادق في وجوب إقامة الحد على المجنون وأخذ بها علماء الشيعة، فأين علم المعصومين؟! وأين علم علماء الشيعة بأن المجنون مرفوع عنه القلم؟!

خامسًا: لو فرضنا جدلاً أن عمر لم يعلم بأن المرأة مجنونة فهذا لا يقدح في علمه رضي الله عنه.

قال ابن تيمية: "وَرَجْمُ الْمَجْنُونَةِ لَا يَخْلُو: إِمَّا أَنْ يَكُونَ لَمْ يَعْلَمْ بِجُنُونِهَا فَلَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي عِلْمِهِ بِالْأَحْكَامِ، أَوْ كَانَ ذَاهِلًا عَنْ ذَلِكَ فَذُكِّرَ بِذَلِكَ، أَوْ يَظُنُّ الظَّانُّ أَنَّ الْعُقُوبَاتِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ فِي الدُّنْيَا، وَالْمَجْنُونُ قَدْ يُعَاقَبُ لِدَفْعِ عُدْوَانِهِ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْعُقَلَاءِ وَالْمَجَانِينِ، وَالزِّنَا هُوَ مِنَ الْعُدْوَانِ، فَيُعَاقَبُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ حُدُودِ اللَّهِ - تَعَالَى - الَّتِي لَا تُقَامُ إِلَّا عَلَى الْمُكَلَّفِ.

وَالشَّرِيعَةُ قَدْ جَاءَتْ بِعُقُوبَةِ الصِّبْيَانِ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ، كَمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم: "مُرُوهُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعٍ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ"، وَالْمَجْنُونُ إِذَا صَالَ وَلَمْ يَنْدَفِعْ صِيَالُهُ إِلَّا بِقَتْلِهِ قُتِلَ، بَلِ الْبَهِيمَةُ إِذَا صَالَتْ وَلَمْ يَنْدَفِعْ صِيَالُهَا إِلَّا بِقَتْلِهَا قُتِلَتْ، وَإِنْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً لَمْ يَكُنْ عَلَى قَاتِلِهَا ضَمَانٌ لِلْمَالِكِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، كَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ"([19]).

قلت: وقد جاء في كتب الشيعة أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قطع يد رجل لم يسرق، ولم يعلم بأن الشاهدين أخطئا واشتبه عليهما.

روى الكليني بسنده عن أبي جعفر ’ قال: "قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل شهد عليه رجلان بأنه سرق فقطع يده حتى إذا كان بعد ذلك جاء الشاهدان برجل آخر فقالا: هذا السارق وليس الذي قطعت يده إنما شبهنا ذلك بهذا فقضى عليهما أن غرمهما نصف الدية ولم يجز شهادتهما على الآخر"([20]).

 وقال المجلسي عنه: "الحديث الثامن: حسن"([21]).

فهل نقول هنا إن عدم علم عليّ رضي الله عنه بخطأ الشهود يقدح في إمامته؟!

والحمد الله رب العالمين

وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

([1]) الصراط المستقيم، علي بن يونس العاملي (3/ 15)، قال المحقق في الهامش: "رواه البخاري في كتاب المحاربين، باب لا يرجم المجنونة (4/176) ط دار إحياء الكتب العربية، وترى القصة في مستدرك الحاكم (4/389)، (2/59)، شرح النهج، لابن أبي الحديد (3/150)، سنن أبي داود (2/227) وسنن ابن ماجة (2/227)، سنن البيهقي (8/264)، تذكرة سبط ابن الجوزي (ص57)، وغير ذلك من الكتب".

([2]) "الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد" (ص 426).

([3]) نوادر الأثر في علم عمر، الأميني (ص246).

([4]) صحيح البخاري (8/165).       

([5]) الانتصار للصحب والآل من افتراءات السماوي الضال (ص: 370).

([6]) الاستيعاب في معرفة الأصحاب (3/ 1102-1103).

([7]) فضائل الصحابة، لأحمد بن حنبل (2/647).

([8]) معجم البغوي (ص 418).

([9]) الاستيعاب (3/39).

([10]) فضائل الصحابة، للإمام أحمد – تحقيق وصي الله بن محمد عباس (2/646 – 647 ).

([11]) منهاج السنة النبوية (6/ 45).

([12]) الجواهر البغدادية في حوار الشيعة الإمامية، أبو عبد الرحمن أحمد بن عبد الله بن عباس البغدادي (5/398)

([13]) المقنعة، المفيد (ص779).

([14]) النهاية، الطوسي(ص696).                                                              

([15]) المقنع، الصدوق (ص436).

([16]) المهذب، القاضي ابن البراج (2/530).

([17]) الجامع للشرائع، يحيى بن سعيد الحلي (ص 552).

([18]) مختلف الشيع، الحلي (9/146).

([19]) منهاج السنة النبوية (6/ 45-46).

([20]) الكافي، الكليني (7/ 384).

([21]) مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، المجلسي (24/228).


لتحميل الملف pdf

تعليقات