اتهام الشيعة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يأتي أهله من الدبر!

الشبهة الخامسة والثلاثون

اتهام الشيعة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يأتي أهله من الدبر!

 

محتوى الشبهة:

من محاولات الرافضة لتبرير ما ذهب إليه أكثر علمائهم من جواز وطئ المرأة في الدبر، اتهموا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأنه فعل هذا الأمر حتى نهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك.

قال علي العاملي: "قد تظافرت الروايات عن إمامكم الثاني أنه فعله، ونزل فيه {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} ... فأسند الثعلبي إلى ابن عباس أن عمر أتى النبي صلى الله عليه وآله وقال: هلكت حولت رحلي البارحة، فنزلت {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} "([1]).

وقال علي الشهرستاني: "اتضح لك من خلال بحثنا إلى الآن وجودُ مفارقات كثيرة في حياة عمر ابن الخطّاب... أو وطء امرأته في دبرها وقوله لرسول الله: حوّلتُ رحليَ البارحة!، وأمثال ذلك، بل هناك مفارقات أكبر وأفحش ممّا سبق، وهي تخدش في دين «الخليفة» إن صحّت تلك الأخبار، ونسبتها إليه"([2]).

الرد التفصيلي على الشبهة:

أولاً: الحديث لا يدل بأي حال على أن عمر رضي الله عنه أتى أهله في دبرها، بل هذا فهم تفرد به علماء الرافضة؛ لجهلهم بلغة العرب ولسانهم؛ بل المراد والمقصود أنه كان يأتي أهله في قبلها، لكن من خلفها، ومن جهة ظهرها:

قال ابن الأثير: "وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ حوَّلْتُ رَحْلِي البَارحَة» كَنَى برَحْله عَنْ زَوجَته، أَرَادَ بِهِ غِشْيانهَا فِي قُبُلها مِنْ جِهَةِ ظَهْرِهَا؛ لِأَنَّ المُجَامِع يعلُو المرأةَ ويركبُها ممَّا يَلي وجهْها، فحيثُ رَكِبَهَا مِنْ جِهَةِ ظَهْرها كَنَى عَنْهُ بتَحْويل رَحْله"([3]).

وقال أبو موسى المديني:" في حَديثِ ابنِ عَبَّاس رَضِى اللهُ عنهما، قال: "جاء عُمَر رضي الله عنه، فقال: يا رَسولَ اللهِ: حَوَّلتُ رَحْلِي البارِحَةَ... وأَرادَ به غِشْيانَه امرأَتَه من دُبُرها في قُبُلِها؛ لأن المُجامِعَ يَعلُوها ويَركَبُها، فلَمّا أتاهَا من غَير مَأْتاها - فيما قِيلَ - سَمّاهّ تَحْوِيلَا، كَنَى بالرَّحْل عن الغِشْيان"([4]).

قال المباركفوري: "قَوْلُهُ (حَوَّلْتَ رَحْلِي اللَّيْلَةَ) كَنَّى بِرَحْلِهِ عَنْ زَوْجَتِهِ أَرَادَ بِهِ غَشَيَانَهَا فِي قُبُلِهَا مِنْ جِهَةِ ظَهْرِهَا؛ لِأَنَّ الْمُجَامِعَ يَعْلُو الْمَرْأَةَ وَيَرْكَبُهَا مِمَّا يَلِي وَجْهَهَا فَحَيْثُ رَكِبَهَا مِنْ جِهَةِ ظَهْرِهَا كَنَّى عَنْهُ بِتَحْوِيلِ رَحْلِهِ إِمَّا نَقْلًا مِنَ الرَّحْلِ بِمَعْنَى الْمَنْزِلِ، أَوْ مِنَ الرَّحْلِ بِمَعْنَى الْكُورِ، وَهُوَ لِلْبَعِيرِ كَالسَّرْجِ لِلْفَرَسِ كَذَا فِي الْمَجْمَعِ"([5]).

فهذا هو المقصود من الحديث: إتيان المرأة في المكان المشروع في محل الحرث والنسل، لكن من خلفها، من جهة ظهرها، لا أنه أتاها في دبرها فعلاً.

 

ثانيًا: ما يؤيد هذا، وأن عمر رضي الله عنه لم يأت أهله في دبرها؛ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يغضب من فعله، مع أنه كان يغضب عند انتهاك حرمات الله، بل قال له: (أقبل وأدبر) بشرط أن يكون في محل الولد، وفي غير وقت الحيض.

ثالثًا: قد يقول قائل: لماذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث: (واتق الدبر)؟

فالجواب: أن هذا من باب جواب الحكيم، وإضافة من رسول الله صلى الله عليه وسلم من باب الفائدة، بقرينة قوله: (واتق الدبر والحيضة)، ومعلوم أنه لم يأت امرأته وهي حائض، ومع ذلك نهاه عن هذا الفعل، فمثله الوطء في الدبر.

 وقد كان من عادة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يزيد السائل على سؤاله مما يحتاج إليه، كما ورد في حديث البحر المشهور: "هو الطهور ماؤه، الحل ميتته".

مع أن السائل سأل عن الطهارة بماء البحر فقط، فأضاف النبيّ صلى الله عليه وسلم حكم ميتته للحاجة إلى هذه المسألة، وتتميما للفائدة، وهذا من محاسن الفتوى.

 

رابعًا: لو فرضنا وسلمنا أن عمر رضي الله عنه فعل هذا الأمر، فيكون خطأ منه قبل أن يعلم الحكم الشرعي، وهذا ليس منقصة ولا مطعنا في عمر رضي الله عنه، بل بعض الصحابة وقع فيما هو أشدّ من هذا بسبب عدم العلم بالحكم الشرعي، ومع ذلك علمهم النبيّ صلى الله عليه وسلم وأرشدهم.

خامسًا: لجأ علماء الرافضة إلى هذا الأمر، وحملوا الحديث على هذا المعنى الفاسد الذي لا يدل عليه سياق النص، لتبرير قول علمائهم بجواز وطئ المرأة في الدبر، كما هو المشهور عندهم.

قال المجلسي: "قال السيد رحمه ‌الله: جواز الوطء في الدبر مذهب الأكثر كالشيخين والمرتضى وأتباعهم، ونقل عن ابن بابويه وابن حمزة القول بالتحريم، استنادًا إلى أخبار ضعيفة، ولو صح سندها وجب حملها على التقية؛ لأن أكثر العامة منعوا ذلك"([6]).

وهذا النص فيه تقرير أن القول بجواز وطئ المرأة في الدبر هو قول الأكثر من علماء الإمامية، والمخالف اعتمد على روايات ضعيفة، ولو صحت تحمل على التقية لموافقتها لأهل السنة القائلين بالتحريم.

بل ذهبوا إلى جواز هذا الفعل حتى حال حيض المرأة، فيجوز إتيانها من الدبر.

قال الهمداني: "لكن لا يخفى عليك ان استفادة جواز الوطئ في الدبر حال الحيض من هذه الروايات مبنية على القول بجوازه حال النقاء، كما هو الأشهر بل المشهور عند الخاصة نصًا وفتوى عكس العامة"([7]).

فلسان حال الرافضة كقول القائل: رمتني بدائها وانسلت

سبحانك هذا بهتان مبين.

والحمد الله رب العالمين

وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

( ([1]الصراط المستقيم، علي بن يونس العاملي (3/279).

(([2] زواج أم کلثوم الزواج اللغز، عليُ الشهرستاني (ص 237).

( ([3]النهاية في غريب الحديث والأثر، ابن الأثير (2/209).

([4]( المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث، أبو موسى المديني، (1/746).

([5])  تحفة الأحوذي، المباركفوري (8/258).

([6])  مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، المجلسي (20/384).

([7])  مصباح الفقيه، رضا الهمداني (1/287).


لتحميل الملف pdf

تعليقات