أكاديمية حفظني القرآن شبهات وردود

زعمهم ابتداع عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه لصلاة التراويح

من مطاعن الشيعة في عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه: قولهم بأنه ابتدع صلاة التراويح، قال السبزواري: «لنا اتفاق الأمّة أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله لم يصلّ نافلة رمضان -التي يسمّونها التّراويح- جماعة مدّة حياته ولا أصحابه مدّة خلافة أبي بكر رضي الله عنه، فلمَّا كانت خلافة عمر أمر بالجماعة فيها، والسُّنَّة ما سنّه رسول الله صلى الله عليه وسلم وما لا يسنّه يكون بدعة»[1].

 الرد التفصيلي على الشبهة:

أولًا:   لن أذكر الأدلة على جواز صلاة النوافل في رمضان، فهي مشروعة باتفاق، يقول السبحاني: «اتّفقت الشيعة الإمامية -تبعًا لأئمَّة أهل البيت رضي الله عنهم- على أنَّ نوافل شهر رمضان تقام فرادى، وأنَّ إقامتها جماعة بدعة حدثت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم»[2].

إذًا الكلام سيكون على ما اختلفنا فيه من سنّية صلاة التراويح جماعة في المسجد، وبقاء تلك السُّنَّة في زمان النبي صلى الله عليه وسلم.

أما الأدلة على مشروعية صلاة التراويح جماعة في المسجد من كتب السُّنَّة فكثيرة، منها:

حديث عروة: أنَّ عائشة رضي الله عنها أخبرته أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ليلةً من جوف اللَّيل فصلّى في المسجد، وصلَّى رجالٌ بصلاته، فأصبح النَّاس فتحدَّثوا، فاجتمع أكثر منهم فصلَّى فصلّوا معه، فأصبح النَّاس فتحدَّثوا، فكثر أهل المسجد من اللّيلة الثَّالثة، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلّى فصلَّوا بصلاته، فلمَّا كانت اللَّيلة الرَّابعة عجز المسجد عن أهله، حتَّى خرج لصلاة الصُّبح، فلمَّا قضى الفجر أقبل على النَّاس، فتشهَّد ثمَّ قال: «أمّا بعد، فإنَّه لم يخف عليَّ مكانكم، ولكنِّي خشيت أن تفترض عليكم فتعجزوا عنها». فتوفّي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك[3].

ففي الحديث دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم هو أول من سن صلاة التراويح جماعة في المسجد، لكنه ترك ذلك خوفًا من أن تفرض فتحصل المشقة للناس.

فاستمر الناس على صلاة التراويح جماعة في المسجد، لكن لا يجمعهم إمام واحد، وهذا يتضح من رواية عبد الرَّحمن بن عبدٍ القاريِّ أنَّه قال: «خرجت مع عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه ليلةً في رمضان إلى المسجد، فإذا النَّاس أوزاعٌ متفرّقون، يصلّي الرّجل لنفسه، ويصلّي الرَّجل فيصلّي بصلاته الرَّهط، فقال عمر: إنّي أرى لو جمعت هؤلاء على قارئٍ واحدٍ لكان أمثل، ثمَّ عزم فجمعهم على أُبيّ بن كعبٍ، ثمَّ خرجت معه ليلةً أخرى والنّاس يصلّون بصلاة قارئهم، قال عمر: نعم البدعة هذه، والَّتي ينامون عنها أفضل من الَّتي يقومون، يريد آخر اللَّيل، وكان النَّاس يقومون أوَّله»[4].

فهاتان الروايتان، الأولى: تبطل زعم الشيعة أن التراويح لا يجوز أن تصلى جماعة في المسجد، والثانية: تبطل زعمهم بأن صلاة التراويح لم تصلّ جماعة في زمان أبي بكر؛ ولذلك روى الحاكم في (المستدرك) رواية تصرّح بأن النبي صلى الله عليه وسلم قام في رمضان بالناس ثلاث ليال، ثم قال معلقًا: «وفيه الدّليل الواضح أنَّ صلاة التَّراويح في مساجد المسلمين سنّةٌ مسنونةٌ، وقد كان عليّ بن أبي طالبٍ يحثّ عمر رضي الله عنهما على إقامة هذه السُّنَّة إلى أن أقامها»[5].

ثانيًا:   الحكمة من ترك النبي صلى الله عليه وسلم لصلاة التراويح جماعة لخصها الشاطبي رضي الله عنه فقال: «في هذا الحديث ما يدلُّ على كونها سُنّةً؛ فإنَّ قيامه أولًا بهم دليلٌ على صحّة القيام في المسجد جماعةً في رمضان، وامتناعه بعد ذلك من الخروج خشية الافتراض لا يدلّ على امتناعه مطلقًا؛ لأنَّ زمانه كان زمان وحيٍ وتشريعٍ، فيمكن أن يوحى إليه إذا عمل به النَّاس بالإلزام، فلمَّا زالت علَّة التّشريع بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع الأمر إلى أصله، وقد ثبت الجواز فلا ناسخ له.

‌وَإِنَّمَا لَمْ يُقِمْ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه لِأَحَدِ أمرين:

1-  إما لأنه رأى من قيام الناس في آخر الليل، وقوتهم عليه ما كَانَ أَفْضَلَ عِنْدَهُ مِنْ جَمْعِهِمْ عَلَى إِمَامٍ أَوَّلَ اللَّيْلِ. ذَكَرَهُ الطَّرْطُوشِيُّ.

2-  وَإِمَّا لِضِيقِ زَمَانِهِ رضي الله عنه عَنِ النَّظَرِ فِي هَذِهِ الْفُرُوعِ، مَعَ شُغْلِهِ بِأَهْلِ الرِّدَّةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مما هو أوكد من صلاة التراويح.

فلما تمهد الإسلام في زمان عُمَرَ رضي الله عنه، وَرَأَى النَّاسَ فِي المَسْجِدِ أَوْزَاعًا كَمَا جَاءَ فِي الخَبَرِ، قَالَ: لَوْ جُمِعَتِ النَّاسُ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ، فَلَمَّا تَمَّ لَهُ ذَلِكَ نَبَّهَ عَلَى أَنَّ قِيَامَهُمْ آخِرَ اللَّيْلِ أَفْضَلُ، ثُمَّ اتَّفَقَ السَّلَفُ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ وَإِقْرَارِهِ، وَالْأُمَّةُ لَا تجتمع على ضلالة»[6].

وأما تسميتها بدعة فــ: «هذه تسمية لغوية، لا تسمية شرعية، وذلك أن البدعة في اللغة تعم كل ما فعل ابتداء من غير مثال سابق، وأما البدعة الشرعية: فما لم يدل عليه دليل شرعي»[7].

ثالثًا:   أما إنكار جعفر السبحاني لصلاة النافلة جماعة فهذا من جهله بكتب المسلمين.

روى الترمذي عن أبي ذرٍّ قال: «صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يصلّ بنا حتَّى بقي سبعٌ من الشّهر، فقام بنا حتَّى ذهب ثلث اللّيل، ثمَّ لم يقم بنا في السَّادسة، وقام بنا في الخامسة حتَّى ذهب شطر اللَّيل، فقلنا له: يا رسول الله، لو نفّلتنا بقيَّة ليلتنا هذه؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «إنَّه من قام مع الإمام حتَّى ينصرف كتب له قيام ليلةٍ»، ثمَّ لم يصلّ بنا حتَّى بقي ثلاثٌ من الشّهر، وصلّى بنا في الثّالثة، ودعا أهله ونساءه، فقام بنا حتَّى تخوّفنا الفلاح. قلت له: وما الفلاح؟ قال: السّحور. هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ»[8].

بل وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى النافلة جماعة مع بعض الصحابة حتى في غير المسجد[9].

ولذلك قال ابن حزم: «وصلاة التّطوّع في الجماعة أفضل منها منفردًا، وكلّ تطوّعٍ فهو في البيوت أفضل منه في المساجد إلَّا ما صلّى منه جماعةً في المسجد فهو أفضل»[10].

وعليه، فكل ما فعله عمر رضي الله عنه هو إعادة السُّنَّة وإحياؤها فقط، ورجع لما فعله النبي صلى الله عليه وسلم قبله.

رابعًا:  ما يذكر في كتب الشيعة أن علي بن أبي طالب نهى الناس عن صلاة التراويح فصاحوا واعمراه واعمراه[11]. فهذه رواية ضعيفة؛ ففي إسنادها مصدق ابن صدقة وعَمَّار وكلاهما من الفطحية، والفطحية كفار؛ قال المجلسي: «فمن لم يكن إماميًّا صحيح العقيدة فهو كافر»[12].

وقد ضعَّف الحلي روايةً لمجرد أن في إسنادها فطحية، فيقول: «يطعن في هذه الرواية بضعف سندها، فإن رواتها ابن فضال، عن عمرو بن سعيد، عن مصدق بن صدقة، عن عَمَّار، وكلهم فطحية»[13]، فقد اعتبر الحلي كونهم فطحية تضعيفًا لهم.

خامسًا:  ثبت عن علي بن أبي طالب أنه صلى التراويح جماعة في المسجد.

فعن أبي عبد الرَّحمن السّلميّ، أن عليًّا رضي الله عنه دعا القرَّاء في رمضان فأمر منهم رجلًا يصلّي بالنّاس عشرين ركعةً. قال: وكان عليٌّ رضي الله عنه يوتر بهم[14].

أما كتب الشيعة فمشحونة بالأدلة على مشروعية صلاة الليل جماعة، فضلًا عن مشروعية قيام ليل رمضان، وأكتفي هنا بذكر القليل من تلك الأدلة مختصرة:

قال محمد تقي المجلسي: «وفي القوي، عن محمد بن يحيى قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فسئل: هل يزاد في شهر رمضان في صلاة النوافل؟ فقال: نعم، قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بعد العتمة في مصلاه فيكبر، وكان الناس يجتمعون خلفه ليصلوا بصلاته، فإذا كثروا خلفه تركهم ودخل منزله، فإذا تفرق الناس عاد إلى مصلاه فصلى كما كان يصلي، فإذا كثر الناس خلفه تركهم ودخل، وكان يصنع ذلك مرارًا»[15].

فهذه الرواية صريحة في أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي قيام الليل، ويسمح للصحابة رضي الله عنهم بالصلاة خلفه، ولكن إذا كثروا تركهم ودخل إلى بيته ويفعل ذكر مرارًا، فمشروعية الصلاة جماعة ثابتة، وقد عرفنا عِلَّةَ تركه كما بيّنها الشاطبي رضي الله عنه.

وفي «الكافي»: «عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في صلاته في شهر رمضان، إذا صلّى العتمة صلّى بعدها فيقوم النَّاس خلفه فيدخل ويدعهم، ثمَّ يخرج أيضًا فيجيئون ويقومون خلفه فيدعهم ويدخل مرارًا، قال: وقال: لا تصلِّ بعد العتمة في غير شهر رمضان»[16].

فهنا خصَّ الصادق قيام الليل جماعة برمضان، وتلك الصلاة هي التي يعرفها أهل الإسلام بصلاة التراويح بلا شك.

وإذا كانت هذه الرواية فيها نهي عن الصلاة بعد صلاة العشاء في غير رمضان، فإن كتب الشيعة قد نقلت عن علي بن الحسين أنه صلى جماعة بعد صلاة العشاء في ليلة النصف من شعبان!

قال الطوسي: «وروى زيد بن علي عليهما السلام قال: كان علي بن الحسين عليهما السلام يجمعنا جميعًا ليلة النصف من شعبان، ثم يجزئ الليل أجزاءً ثلاثة فيصلي بنا جزءًا، ثم يدعو ونؤمن على دعائه، ثم يستغفر الله ونستغفره ونسأله الجنة حتى ينفجر الصبح»[17].

فهذه تشريعات الشيعة في صلاة النافلة جماعة في رمضان وغيره، وعندهم غير ما ذكرناه صلاة ليلة النصف من رمضان، وصلاة الغدير، وصلاة المبعث، وصلاة أمير المؤمنين، وصلاة جعفر بن أبي طالب، وصلاة الزهراء، وصلاة زيارة النبي صلى الله عليه وسلم، وصلاة زيارة أمير المؤمنين[18]، وغير ذلك من الصلوات المبتدعة.

 فهل صار الرافضة الآن يستنكرون البدعة؟!

اقرأ أيضا| زعمهم أن عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه كان يعبث بذكره وهو يؤم الناس في الصلاة

[1]   «جامع الخلاف والوفاق بين الإمامية وبين أئمة الحجاز والعراق»، علي بن محمد القمي السبزواري (ص١١٩).

[2]   «صلاة التراويح بين السُّنَّة والبدعة» (1/17).

[3]   «صحيح البخاري»، كتاب صلاة التراويح، باب: فضل من قام رمضان (3/45) برقم (2012).

[4]   «صحيح البخاري»، كتاب صلاة التراويح، باب: فضل من قام رمضان (3/45) برقم (2010).

[5]   «المستدرك على الصحيحين»، الحاكم، كتاب الصوم (1/607) برقم (1608).

[6]   «الاعتصام»، الشاطبي. تحقيق: الشقير والحميد والصيني (1/331-332).

[7]   «اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم»، ابن تيمية (2/95).

[8]   «سنن الترمذي»، تحقيق: بشار عواد معروف (2/158) برقم (806)، و«سنن ابن ماجة»، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرين (2/453) برقم (1327). وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وصححه الألباني في «صحيح الترمذي» (2/306)، و«صحيح ابن ماجه» (1327).

[9]   «صحيح البخاري»، باب: طول القيام في صلاة اللّيل (2/51)؛ «صحيح مسلم»، باب: استحباب: تطويل القراءة في صلاة اللّيل (1/536).

[10]  «المحلى بالآثار»، أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم (3/402).

[11]  «التهذيب» (3/70) (ح227)؛ «الوسائل» (2/192) أبواب نافلة شهر رمضان (ب 10، ح2).

[12]  «بحار الأنوار» (46/4).

[13]  «المعتبر» (ص59).

[14]  «السنن الكبرى»، البيهقي (2/699).

[15]  «روضة المتقين» (3/385)، و«تهذيب الأحكام»، الطوسي (3/60).

[16]  «الكافي»، الكليني (4/154)، وقال المجلسي عن الرواية في «مرآة العقول»: «صحيح» (16/378).

[17]  «مصباح المتهجد» (ص853)، و«وسائل الشيعة»، الحر العاملي (8/110).

[18]  انظر: «جامع الخلاف والوفاق»، السبزواري القمي (1/119).


لتحميل الملف pdf

تعليقات