طعن الشيعة في أم المؤمنين لقول حذيفة: «أَتَتْكُمُ الْحُمَيْرَاءُ فِي كَتِيبَةٍ يَسُوقُهَا أَعْلَاجُهَا»

الشبهة الثالثة والثلاثون

طعن الشيعة في أم المؤمنين لقول حذيفة: «أَتَتْكُمُ الْحُمَيْرَاءُ فِي كَتِيبَةٍ يَسُوقُهَا أَعْلَاجُهَا».

 

محتوى الشبهة:

دائمًا ما يسوق الشيعة رواية -أوردها الحاكم والطبراني- للطعن في أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.

 وإليك نص الرواية من لفظ الحاكم، قال في (المستدرك): "أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَمْدَانَ الْجَلَّابُ بِهَمْدَانَ، ثَنَا هِلَالُ بْنُ الْعَلَاءِ الرَّقِّيُّ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ خَيْثَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: بَعْضُنَا: حَدِّثْنَا يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: لَوْ فَعَلْتُ لَرَجَمْتُمُونِي، قَالَ: قُلْنَا سُبْحَانَ اللَّهِ أَنَحْنُ نَفْعَلُ ذَلِكَ؟ قَالَ: «أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ حَدَّثْتُكُمْ أَنَّ بَعْضَ أُمَّهَاتِكُمْ تَأْتِيكُمْ فِي كَتِيبَةٍ كَثِيرٍ عَدَدُهَا، شَدِيدٍ بَأْسُهَا صَدَقْتُمْ بِهِ؟» قَالُوا: سُبْحَانَ اللَّهِ وَمَنْ يُصَدِّقُ بِهَذَا؟ ثُمَّ قَالَ حُذَيْفَةُ: «أَتَتْكُمُ الْحُمَيْرَاءُ فِي كَتِيبَةٍ يَسُوقُهَا أَعْلَاجُهَا حَيْثُ تَسُوءُ وُجُوهَكُمْ» ثُمَّ قَامَ فَدَخَلَ مَخْدَعًا"([1]).

قال محمد الخرسان: "وهذا الحديث يؤكد مذهب أصحابنا في فسق أصحاب الجمل إلاّ من ثبتت توبته منهم وهم الثلاثة"([2]).

وقال ياسر الحبيب: "أن حذيفة بن اليمان رضوان الله تعالى عليه – الذي هو صاحب سر رسول الله- يصرح بأن عائشة ستخرج في كتيبة سوء"([3]).

الرد التفصيلي على الشبهة:

أولاً: جميع الروايات التي وردت في ذلك معلولة الإسناد.

1- رواية المستدرك:

قال في (المستدرك): "أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَمْدَانَ الْجَلَّابُ بِهَمْدَانَ، ثَنَا هِلَالُ بْنُ الْعَلَاءِ الرَّقِّيُّ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ خَيْثَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه"([4]).

هذا الإسناد منقطع بين خيثمة بن عبد الرحمن وحذيفة رضي الله عنه، فإن كل من ترجم لخيثمة بن عبد الرحمن لم يذكر في شيوخه حذيفة رضي الله عنه، بل المعلوم عند أهل العلم أن خيثمة يروي عن حذيفة بن اليمان بواسطة، كما في (صحيح مسلم)، قال: "حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ أَبِي حُذَيْفَةَ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: وساق الحديث"([5]). 

فهذا من القرائن الدالة على عدم سماع خيثمة من حذيفة، حتى على مذهب الإمام مسلم في السماع، فقد قال الشيخ خالد الدريس: "وموقف الإمام مسلم من رواية المحدث عمن عاصره -ولم يثبت لقيهما- إذا جاء في بعض الطرق زيادة رجل أو أكثر بينهما أن ذلك يعد دلالة بينة على عدم السماع واللقاء كما هو موقف كبار أئمة النقد" ([6]).

بل ومن القرائن على أن خيثمة لم يسمع هذا الحديث من حذيفة بن اليمان أنه قد رواه عنه بواسطة فتأمل: "حَدَّثَنَا هِلالُ بْنُ الْعَلاءِ، ثنا أَبِي، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالا: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ خَيْثَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ فُلْفُلَةَ الْجُعْفِيِّ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ حُذَيْفَةَ..."([7]).

فلاحظ أن إسناد المستدرك هو هو إسناد جزء الرقي من أول هلال بن العلاء، ولكن الفارق أن هلال بن العلاء رواه عن أبيه وعن عبيد الله بن جعفر.

وقد قال الإمام النسائي عن هلال بن العلاء أنه يروي المناكير عن أبيه. قال النسائي: "روى أحاديث منكرة عَن أبيه، فلا أدري الريب منه أو من أبيه"([8]). 

وعلى كلٍ، فالمقصود أن نفس الإسناد جاءت فيه الواسطة بين خيثمة بن عبد الرحمن وحذيفة، ومعلوم أن خيثمة روى عن فلفلة كما قال الحافظ المزي: "فلفلة بن عَبد اللَّهِ الجعفي الكوفي. رَوَى عَن: حذيفة بْن اليمان، والحسن بْن علي بْن أَبي طالب، وعبد اللَّه بْن مسعود (س). رَوَى عَنه: خيثمة بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الجعفي([9]). 

وهذه من الأدلة القاطعة على أن رواية الحاكم منقطعة، وبمثل هذا لا تقوم حجة.

2- رواية الطبراني: "حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: نا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ فُلْفُلَةَ الْجُعْفِيِّ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ حُذَيْفَةَ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُنَا: حَدِّثْنَا يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَوْ فَعَلْتُ لَرَجَمْتُمُونِي، فَقُلْنَا: سُبْحَانَ اللَّهِ، نَحْنُ نَفْعَلُ ذَلِكَ بِكَ؟ قَالَ: أَرَأَيْتُمْ لَوْ حَدَّثْتُكُمْ أَنَّ بَعْضَ أُمَّهَاتِكُمْ تَأْتِيكُمْ فِي كَتِيبَةٍ كَثِيرٍ عَدَدُهَا، شَدِيدٍ بَأْسُهَا تُقَاتِلُكُمْ. أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟ قَالُوا: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَمَنْ يُصَدِّقُ بِهَا؟ فَقَالَ حُذَيْفَةُ: «أَتَتْكُمُ الْحُمَيْرَاءُ فِي كَتِيبَةٍ تَسُوقُهَا أَعْلَاجُهَا مِنْ حَيْثُ تَسُوقُ وُجُوهَهُمْ» ثُمَّ قَامَ، فَدَخَلَ مَخْدَعًا لَهُ" ([10]).

هذه الرواية معلولة بـ "فلفلة ابن عبد الله الجعفي الكوفي" وقد قال الحافظ عنه: "مقبول من الثانية"([11]).

وهذه المرتبة حديثها ضعيف عند جمهور أهل العلم، فحكم حديث الراوي المقبول هو الضعف؛ لأنه يمثل حكم حديث الراوي المجهول والجمهور على رده وتضعيفه ([12]).

وهنا تفرد فلفلة بهذه الرواية ولا متابع، فسقطت الرواية.

  ثانيًا: الرواية معلولة متنًا، وذلك من عدة أوجه:

الوجه الأول: إن نص الرواية: "أَتَتْكُمُ الْحُمَيْرَاءُ فِي كَتِيبَةٍ يَسُوقُهَا أَعْلَاجُهَا..."، وحذيفة رضي الله عنه مات قبل مسير أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.

قال ابن عبد البر: "ومات حذيفة سنة ست وثلاثين بعد قتل عثمان في أول خلافة علي، وقيل: توفي سنة خمس وثلاثين، والأول أصح، وكان موته بعد أن أتى نعثى عثمان إلى الكوفة ولم يدرك الجمل"([13]).

وقال ابن أبي الحديد: "وحذيفة أجمع أهل السيرة على أنّه مات في الأيام الّتي قتل عثمان فيها، أتاه نعيه وهو مريض فمات وعليّ (عليه السلام) لم يتكامل بيعة الناس ولم يدرك الجمل"([14]).

فكيف يقول حذيفة أتتكم فلانة وهي لم تخرج بعد؟! كان الأولى أن يقول: تأتيكم أو ستأتيكم، أما أن يعبر بما يشعر بكونها خرجت فعلا فهذا ما لا يُقبل.

الوجه الثاني: كلمة (الحميراء).

قال عنها الدكتور محمود ميرة في كتابه (الحاكم وكتابه المستدرك) تعليقا على الرواية: "جاءت (الحميراء) في المطبوعة فقط، واغترت دار التأصيل فأخذت بها، وخالفت ما في جميع المخطوطات وفي الدرعية الحمراء ودار الكتب المصرية، والمغربية، والمراوعة، والهندية، والناصرية، وعندما أورده السيوطي في (الخصائص الكبرى): "أتتكم الحمراء في..."، وكذلك الصالحي في (سبل الهدى والرشاد): "أتتكم الحمراء"([15]).

قلت: فإذا كان اللفظ الصحيح "أتتكم الحمراء"، فإن المقصود إنما هم الروم، وقد احتج ياسر الحبيب في كتابه (الفاحشة)([16]) برواية فيها قول أصحاب علي له: "غلبتنا عليك هذه الحمراء"،([17]) "وقال ابن الأثير في مادة " حمر " من كتاب النهاية: في حديث علي رضي الله عنه قيل له: غلبتنا عليك هذه الحمراء يعنون العجم والروم، والعرب تسمى الموالي الحمراء".

وعليه فتكون الرواية المقصود بها هم الروم.

  ثالثًا: حتى لو تنزلنا وقلنا الرواية مقصود بها مسير أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها، فليس فيها طعن البتة حيث إنه إخبار عن فتنة وحرب ستقع، وسيكون اسم أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها على رأس تلك الحرب التي ما قصدتها قط، والكل متفق على أن الحرب وقعت، وهذا غاية ما في هذا الحديث.

أما لفظة "حيث تسوء وجوهكم" ففي جميع النسخ المخطوطة للمستدرك (تسوق) إلا الدرعية فقط كتب فوق القاف من تسوق (ء) في صلب النص. فهذا السوق للناس لا مطعن فيه، بل فيه الطاعة الكاملة من المؤمنين لأمهم أم المؤمنين. ولو قلنا بصحة لفظ "تسوء وجوهكم" لما كان فيه طعن أيضًا.

قال في (المحيط في اللغة): "وساءَ الشيْءُ: إذا قَبُحَ. والسُوْءُ: الاسْمُ الجامِعُ للآفاتِ والداءِ، سُؤْتُ وَجْهَ فُلانٍ أَسُوْؤُهُ مَسَاءةً ومَسَائيَةً ومَسَايَةً وسَوَاءةً وسَوَائيَةً. وأسَأْتُ إليه في الصُّنْعِ. واسْتَائ فلان: من السُوْءِ. وسُؤْتُ فلاناً، وسُؤْتُ له وَجْهَه. ولَسَاءَ ما صَنَعَ فلانٌ: في مَوْضِعِ الفِعْلِ. وأخْطَأْتَ فَأَسْوَأْتَ: بمعنى أسَأْتَ"([18]).

ومعلوم أن الحرب تسوء وجه كل غيور على دينه وعلى المسلمين، وليس فيه وصف لفريق أم المؤمنين بأنها كتيبة سوء كما زعم ياسر، بل هو وصف لما يكون من السوء بسبب وقوع الحرب والفتنة بين طائفتين عظيمتين من المسلمين، وعليه فليس في ذلك أي طعن في أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها.

وأما كلمة: "أعلاجها" فقد أجاب عنها الشيخ البغدادي في (الجواهر البغدادية) -وأنا أنقل كلامه بتصرف ([19])-: "هناك ألفاظ لها معانٍ مشتركة، فيجب تحديد المعنى على حسب السياق، والقرينة، وجمع الأدلة الواردة في المسألة، وسوف أضرب مثالاً على ذلك من القران الكريم لأبين من خلاله وجوب الانقياد لذلك، قال الله تعالى في القران الكريم عن الكليم موسى عليه السلام: {قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ} [الشعراء:20]، ومن المعلوم أن الضلال لفظ مشترك بين عدة معاني، وأحد معانيه طريق الكفار المخالف لطريق الانبياء وهو الهدى , ولهذا قال تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ } [الفاتحة:6-7].

 فمن حمل اللفظ الوارد عن الكليم موسى عليه السلام على هذا المعنى وأطلق لفظ الضلال على موسى عليه السلام فقد كفر، وهلك، فإذا تبين ذلك فلابد من الرجوع إلى سياق كلام حذيفة رضي الله عنه حيث يدل وبكل وضوح على أن المراد بكلامه هذا هو القوة، والشدة، والغلظة فيمن كان مع أم المؤمنين رضي الله عنها في معركة الجمل، حيث قال (تَسُوءُ وُجُوهَكُمْ) وسوف ابين معنى كلمة العلج في اللغة، واستخدام علي رضي الله عنه لها من غير تكفير للمسمى، او الموصوف لها.

يستشكل الرافضة في هذا الاثر على كلمة (أعلاجها)، وإشكالهم هذا باطل حيث أن لفظ العلج لفظ مشترك يحتمل عدة معاني، ويطلق على المسلم، والكافر، وذلك لان معناه القوة، والشدة، والغلظة.

قال ابن منظور: "(علج) العِلْج الرجل الشديد الغليظ. وقيل: هو كلُّ ذي لِحْية، والجمع أَعْلاج وعُلُوج ومَعْلُوجَى مقصور ومَعْلُوجاء ممدود اسم للجمع يُجري مَجْرَى الصفة عند سيبويه، واسْتَعْلَج الرجل خرجت لحيته وغَلُظ واشتدَّ وعَبُل بدنه، وإِذا خرج وجهُ الغلام. قيل: قد اسْتَعْلَج واسْتَعْلَج جلد فلان أَي غلُظ والعِلْج الرجل من كفَّار العجم والجمع كالجمع والأُنثى عِلْجة وزاد الجوهري في جمعه: عِلَجة والعِلْج الكافر ويقال للرجل القويّ الضخم من الكفار عِلْج ... "([20]).

فالوصف الجامع لهذا اللفظ على المسلم، والكافر هو الشدة، والغلظة، والقوة، وهذا اللفظ لا يدل على تكفير من أُطلق عليه، إلا إذا عرفنا عقيدة من أُطلق عليه اللفظ، فمجرد لفظ العلج لا يدل على التكفير، وقد أطلق علي رضي الله عنه هذا اللفظ على اثنين من أصحابه حينما وجههما لمكان.

ففي (مسند الإمام أحمد): "عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَا وَرَجُلانِ: رَجُلٌ مِنْ قَوْمِي، وَرَجُلٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ -أَحْسَبُ- فَبَعَثَهُمَا وَجْهًا، وَقَالَ: أَمَا إِنَّكُمَا عِلْجَانِ، فَعَالِجَا عَنْ دِينِكُمَا، ثُمَّ دَخَلَ الْمَخْرَجَ فَقَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ خَرَجَ فَأَخَذَ حَفْنَةً مِنْ مَاءٍ فَتَمَسَّحَ بِهَا، ثُمَّ جَعَلَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، قَالَ: فَكَأَنَّهُ رَآنَا أَنْكَرْنَا ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقْضِي حَاجَتَهُ، ثُمَّ يَخْرُجُ فَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَيَأْكُلُ مَعَنَا اللَّحْمَ، وَلَمْ يَكُنْ يَحْجُبُهُ عَنِ الْقُرْآنِ شَيْءٌ، لَيْسَ الْجَنَابَةَ"([21]).

فهذا علي رضي الله عنه يطلق كلمة العلج على اثنين من المسلمين عندما وجههما إلى مكان ما، والمعنى واضح من السياق أنه أراد منهما الحرص.

قال العلامة الازهري: "وفي حديث علي رضي الله عنه أنه بعث رجلين، وقال لهما: "إنكما عِلجان فعالجا". العِلج: الرجل القوي الضّخم. وقد استعلجَ الغلامُ، إذا خرج وجههُ وعَبُل بدنُه. وقوله "فعالجا"، أي: حارسا العَمل الذي ندبتكما له وزاولاه" ([22]).

قال ابن منظور في (اللسان): "وفي حديث عليّ رضي الله عنه أنه بعَث رجُلَين في وجه، وقال: "إِنَّكما عِلْجانِ فعالِجا عن دينِكُما"، العِلْج: الرَّجُل القويّ الضخم، وعالجا أَي: مارِسَا العمَل الذي نَدَبْتُكما إِليه واعْمَلا به وزاوِلاه"([23]).

رابعاً: إن حذيفة أثبت لعائشة رضي الله عنها أمومة المؤمنين، مع كونه يخبر عن خروجها رضي الله عنها، فإما أن تقولوا بقول حذيفة أنها أم للمؤمنين، أو تكذبوه فتردوا روايته جملة وتفصيلا.

خامساً: من القرائن الواضحة على أثر حذيفة لم يكن للطعن في أم المؤمنين ولم يفهم منه أحد ذلك؛ أن الثابت عند الأمة أن أهل الجمل مؤمنون، وقد ثبت ذلك بالتواتر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

قال الامام البيهقي: "عن عبد خير قال: سئل علي رضي الله عنه عن أهل الجمل، فقال: إخواننا بغوا علينا، فقاتلناهم وقد فاءوا، وقد قبلنا منهم"([24]).

وفي (المصنف): "عْن شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ، أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَسْبِ يَوْمَ الْجَمَلِ وَلَمْ يَقْتُلْ جَرِيحًا.

وعَنْ عَبْدِ خَيْرٍ أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَسْبِ يَوْمَ الْجَمَلِ وَلَمْ يُخَمِّسْ، قَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَلاَ تُخَمِّسُ أَمْوَالَهُمْ، قَالَ: فَقَالَ: هَذِهِ عَائِشَةُ تَسْتَأْمِرُهَا، قَالَ: قَالُوا: مَا هُوَ إِلاَّ هَذَا، مَا هُوَ إِلاَّ هَذَا" ([25]). 

وفي (المستدرك): "عَنْ أَبِي حَبِيبَةَ، مَوْلَى طَلْحَةَ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَلِيٍّ مَعَ عُمَرَ بْنِ طَلْحَةَ بَعْدَمَا فَرَغَ مِنْ أَصْحَابِ الْجَمَلِ، قَالَ: فَرَحَّبَ بِهِ وَأَدْنَاهُ، قَالَ: "إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَجْعَلَنِي اللَّهُ وَأَبَاكَ مِنَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [سورة الحجر:47]، فَقَالَ: «يَا ابْنَ أَخِي، كَيْفَ فُلَانَةُ كَيْفَ فُلَانَةُ؟» قَالَ: وَسَأَلَهُ عَنْ أُمَّهَاتِ أَوْلَادِ أَبِيهِ، قَالَ: ثُمَّ قَالَ: «لَمْ نَقْبِضْ أَرَاضِيَكُمْ هَذِهِ السَّنَةَ إِلَّا مَخَافَةَ أَنْ يَنْتَهِبَهَا النَّاسُ، يَا فُلَانُ انْطَلِقْ مَعَهُ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، فَمُرْهُ فَلْيُعْطِهِ غَلَّتَهُ هَذِهِ السَّنَةَ، وَيَدْفَعُ إِلَيْهِ أَرْضَهُ»، فَقَالَ رَجُلَانِ جَالِسَانِ إِلَى نَاحِيَةٍ، أَحَدُهُمَا الْحَارِثُ الْأَعْوَرُ: اللَّهُ أَعْدَلُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ نَقْتُلَهُمْ وَيَكُونُوا إِخْوَانَنَا فِي الْجَنَّةِ، قَالَ: «قَوْمًا أَبْعَدُ أَرْضِ اللَّهِ وَأَسْحَقُهَا فَمَنْ هُوَ إِذا لَمْ أَكُنْ أَنَا وَطَلْحَةُ يَا ابْنَ أَخِي إِذَا كَانَتْ لَكَ حَاجَةٌ فَأْتِنَا» هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ"([26])

ونقل الإمام ابن أبي شيبة قول الإمام أبو جعفر الباقر في إيمان أهل الجمل، فقال: "حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ: حدَّثَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ عُبَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ يَقُولُ: لَمْ يَكْفُرْ أَهْلُ الْجَمَلِ"([27])

وفي كتب الرافضة، بإسناد معتبر في كتاب (قرب الإسناد) للحميري: "جعفر، عن أبيه عليه السلام: أن عليًّا عليه السلام لم يكن ينسب أحدًا من أهل حربه إلى الشرك ولا إلى النفاق، ولكنه كان يقول: "هم إخواننا بغوا علينا "([28])

وفيه أيضًا: جعفر، عن أبيه: أن عليًّا عليه السلام كان يقول لأهل حربه: "إنا لم نقاتلهم على التكفير لهم، ولم نقاتلهم على التكفير لنا، ولكنا رأينا أنا على حق، ورأوا أنهم على حق" ([29])

وفي مسند زيد بن علي رحمه الله تبين عدم تكفير علي رضي الله عنه لمن قاتله: "حدثني زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي عليهم السلام أنه أتاه رجل، فقال: يا أمير المؤمنين أكفر أهل الجمل وصفين وأهل النهروان؟ قال(لا)، هم إخواننا بغوا علينا فقاتلناهم حتى يفيئوا إلى أمر الله عز وجل"([30]).
 

والخلاصة: أن الرواية ضعيفة، ولو صحت لما كان فيها مطعن لملحد.

والحمد الله رب العالمين

 

[1]-  المستدرك على الصحيحين، للحاكم، (4/517).

1- موسوعة عبد الله بن عبّاس، محمد مهدي الخرسان، (3/105).

2- الفاحشة (ص260).

1- المستدرك على الصحيحين للحاكم (4/517).

2- صحيح مسلم، (3/1597).

1- موقف الإمامين، (ص 351).

2- الخامس من حديث زيد بن أبي أنيسة، هلال الرقي (281 هـ)، مخطوط، (ص 12).

3- تهذيب الكمال في أسماء الرجال، المزي، (30/ 348).

1- تهذيب الكمال في أسماء الرجال، المزي، (23/316).

2- المعجم الأوسط، الطبراني، (360 هـ)، (2/ 35).

3- تقريب التهذيب، (ص448).

1- انظر: مصطلح "مقبول" عند ابن حجر وتطبيقاته على الرواة من الطبقتين الثانية والثالثة في كتب السنن الأربعة، لمحمد راغب راشد الجيطان، رسالة ماجستير2010م، (ص277).

2- الاستيعاب في معرفة الأصحاب، (1/335).

3- موسوعة عبد الله بن عبّاس، محمد مهدي الخرسان، (3/105).

-[15] السيوطي في الخصائص الكبرى، (2/ 233)، الصالحي في سبل الهدى والرشاد، (10/ 149).

[16]- الفاحشة (ص٢٣٥).

3 -ونقلها المجلسي عن ابن الأثير ،وفسرها بالروم في (بحار الأنوار) (32/523).

1- المحيط في اللغة، الصاحب بن عباد، (2/285).

1- الجواهر البغدادية في حوار الشيعة الإمامية، لأبي عبد الرحمن أحمد بن عبد الله بن عباس البغدادي، (4 /7-14).

1- لسان العرب، محمد بن مكرم بن منظور، (2/ 326).

2- مسند الإمام أحمد، تحقيق شعيب الارناؤوط، (2/204 (.

1- تهذيب اللغة، أبو منصور، محمد بن أحمد الازهري، (1/112).

2- لسان العرب، محمد بن مكرم بن منظور، (2/326).

3- السنن الكبرى، البيهقي، (8/182).

1- مصنف ابن ابي شيبة - أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة (15/ 256).

-1 المستدرك على الصحيحين مع تعليق الإمام الذهبي في التلخيص، محمد بن عبد الله الحاكم، (3/424) ، والسنن الكبرى، أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي (8/173.(

-2 مصنف ابن أبي شيبة (15 /257، برقم38923)، وتعظيم قدر الصلاة - محمد بن نصر المروزي (2 /547 .(

-3 قرب الاسناد، الحميري القمي (ص 94).

-4 قرب الاسناد، الحميري القمي (ص 93).

-1مسند زيد بن علي (ص 410(.


لتحميل الملف pdf

تعليقات