زعم الشيعة: أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها كانت بيضاء من الجدري عياذاً بالله

الشبهة السابعة والعشرون

زعم الشيعة: أن أم المؤمنين كانت بيضاء من الجدري عياذاً بالله.

 

محتوى الشبهة:

قال الشيعة: "قد ذكرنا أن القوم لم يستشهدوا في زعمهم أن عائشة بيضاء جميلة بأحد ممن رآها ووصفها على هذه الصفة معاينة، وإنما بنوا زعمهم هذا على تفسيرهم المغلوط للفظة (الحميراء) غير أنا وجدنا في جملة رواياتهم رجلاً ادعى رؤيته لعائشة مع أنهم يحكمون على روايته هذه بالوضع، وهو المعمّر علي بن عثمان بن خطاب الذي يُقال أنه عاش ما يزيد على ثلاثمئة سنة لأنه قد شرب من عين الحياة! ومهما يكن فإن هذا المعمّر قال: أنه رأى عائشة وكانت بيضاء! فحري بالمخالفين أن يلتفتوا إلى هذه الرواية التي تفيدهم في إثبات مطلوبهم، فلعلهم يقوونها بنحو من المعالجات الروائية، فالرجل وحده يصرح برؤيته لعائشة البيضاء الجميلة!

غير أنهم لو فعلوا فعليهم أن لا يبتروا -كعادتهم-رواية الرجل، وأن يتحمّلوا الأوصاف الأخرى التي وصف بها عائشة وإن كانت لا تروق لهم! فقد قال: رأي عائشة طويلة بيضاء بوجهها أثر جدري! وسمعتها تقول لأخيها محمد يوم الجمل: "أحرقك الله بالنار في الدنيا والآخرة". ([1])

فليهنأ المخالفون بأمهم البيضاء الطويلة! وليبتدعوا مقاييس جديدة للحسن والجمال؛ لأن وجود أثر الجدري في وجه امرأة مهما بلغ بياضها فإنه يقبحها ويجعلها منفرّة بشعة كالحية الرقشاء المطرقة!

 وقد قالت أم سلمة عليها السلام لعائشة ضمن كتاب أرسلته إليها تحذرها فيه من مغبة تمرّدها على أمير المؤمنين عليه السلام: "ولو أني حدثتك بحديث سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم لنهشتني نهش الحية الرقشاء المطرقة! والسلام"([2])

الرد التفصيلي على الشبهة:

أولاً: أدلة أهل السنة في هذا للأمر على كون أم المؤمنين كانت بيضاء كثيرة، ومنها: قول أُمِّ رومان لها في حادثة الإفك: "يَا بُنَيَّة هَوِّنِي عَلَى نَفْسِكِ الشَّأْنَ، فَوَ اللَّهِ لَقَلَّمَا كَانَتِ امْرَأَةٌ قَطُّ وَضِيئَةٌ عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا وَلَهَا ضَرَائِرُ، إِلاَّ أَكْثَرْنَ عَلَيْهَا"([3]).

وفي رواية: "لَقَلَّمَا كَانَتِ امْرَأَةٌ حَسْنَاءُ عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا"([4])، ويدلل على ذلك أيضاً قول عمر رضي الله عنه لبنته حفصة رضي الله عنها: "لاَ يَغُرَّنَّكِ أَنْ كَانَتْ جَارَتُكِ هِيَ أَوْضَأَ مِنْكِ، وَأَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُرِيدُ عَائِشَةَ"([5])، وفي رواية: "لاَ يَغُرَّنَّكِ هَذِهِ الَّتِي أَعْجَبَهَا حُسْنُهَا"([6]).

ويحسن بنا هنا أن نذكر كلام الندوي رحمه الله: "كانت عائشة رضي الله عنها من أولئك السيدات التي تنمو وترعرع بسرعة هائلة من حيث النمو الجسمي، فكانت لما بلغت التاسعة أو العاشرة من عمرها سمنت كأحسن سمنة، أما في باكورة عمرها فكانت نحيفة الجسم، خفيفة لم يغشها اللحم، ثم مالت بعد سنوات إلى شيء من السمنة، ولما كبرت بدنت ورهقها اللحم.

وجملة ما يفهم من وصفها على التحقيق أن لونها كان أبيض يميل إلى الحمرة، وكانت وضيئة بهية المنظر رائعة الجمال"([7]). 

كم قلت لما رأيت صورته. . . تبارك الله خالق الصور ([8]).

  وبعد سوق عدة أدلة لأهل السنة اعتمدوا عليها في هذا الباب، يسقط كلام الخبيث الذي افترض كون لفظة "حميراء" هو الدليل الوحيد.

ثانيًا: ما نقله الخبيث من رواية "علي بن عثمان بن خطاب"، فالخبيث بنفسه قد نقل أننا نحكم عليها بالوضع، فما باله يبني كلامه على ما نقل هو بنفسه عدم اعتدادنا به؟! غير أن الهدف هو شحن كتابه بكل قول فيه زندقة وطعن بأم المؤمنين ليس إلا.

وأما الرجل صاحب الرواية فقد قال الحافظ في آخر ترجمته: "قال الهمداني: .. وقد كان يأتي بتخاليط وغير ذلك. قلت: .. فإذا تأملت هذه الروايات ظهرت على تخليط هذا الرجل في اسمه ونسبه ومولده وقدر عمره وأنه كان لا يستمر على نمط واحد في ذلك كله فلا يغتر بمن حسن الظن به، والله أعلم".([9])

فسقط بذلك كل ما أورده الخبيث من طعون.

ثالثًاً: رواية العقد الفريد جاءت بغير إسناد، وأصلها في كتب الرافضة وتحديدًا في كتاب (الاحتجاج) للطبرسي ([10])، وهي أيضاً بغير إسناد.!

ولو سلمنا بهذا الكذب، فإنما هو فقط لإلزام الخبيث بتخطئة أم سلمة بنص الرواية، فقد جاء الرد على رسالة أم سلمة من أم المؤمنين عائشة: "من عائشة أم المؤمنين إلى أم سلمة، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو؛ أما بعد:

فما أقبلني لوعظك، وأعرفني لحق نصيحتك، وما أنا بمعتمرة بعد تعريج، ولنعم المطلع مطلع فرقت فيه بين فئتين متشاجرتين من المسلمين؛ فإن أقعد ففي غير حرج، وإن أمض فإلى ما لا غنى بي عن الازدياد منه، والسلام".([11])

وهذا فيه تكذيب لظن أم سلمة؟!

وبالجملة: فالرواية لا يعتمد عليها البتة إذ لا زمام لها ولا خطام.

رابعاً: من باب الكيل للرافضي بنفس صاعه أقول: إن معصوميك وعلماءك قد نقلوا في أوصاف أهل البيت وأولهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه كان أسود اللون؛ وإليكم شيئاً من هذه النصوص.([12])

أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو سنام أهل البيت: "كان -عليه السلام -أسمر مربوعاً، وهو إلى القصر أقرب، عظيم البطن، دقيق الأصابع، غليظ الذراعين حَمِش الساقين في عينه لين عظيم اللحية أصلع، ناتئ الجبهة".([13])

قال: "كان علي شيخًا سمينًا أصلعَ كثيرَ الشعر ربعة إلى القصر عظيم البطن عظيم اللحية جدا قد ملأت ما بين منكبيه بيضاء كأنها قطن آدم شديد الأدمة".

 وقال: "واختلفوا في حليته: قال الواقدي كان آدم شديد الأدمة عظيم البطن عظيم العينين إلى القصر ما هو، وقد تسميه الشيعة الأنزع البطين، قال الحارث الأعور وكان علي أفطس الأنف دقيق الذراعين كأن على كاهله سنام ثور لم يصارع أحداً إلا صرعه".([14])

ولم أجد نصًا عن معصوم يفيد أن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه وأرضاه) كان أبيض اللون في كتب الشيعة.!

 وقال ابن عنبة الشيعي في كتابه (عمدة الطالب) ([15]) وهو يصف أحد أحفاد الحسن: "وكان أبو عبد الله شبيه الخلقة بأمير المؤمنين (ع)، كان أسمر رقيق اللون كبير العينين أكحلهما جعد اللحية وافرها واسع الجبهة ربعة من الرجال". وهؤلاء آل أبي طالب جميعًا كانوا سودًا، كما نقل الجاحظ قال: "قالوا: وكان ولد عبد المطلب العشرة السَّادة دُلْماً ضخما، نظر إليهم عامر بن الطُّفيل يطوفون كأنهم جمالٌ جونٌ، فقال: بهؤلاء تُمنع السَّدانة.

وكان عبد الله بن عباس أدلم ضخمًا. وآل أبي طالبٍ أشرف الخلق، وهم سودٌ وأدمٌ ودلْم"([16]) ، من "رسائل الجاحظ"، كلمة الأدلم تعني الأسود الطويل.

 وهذا أيضًا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، يقول عنه الرافضي ابن الصباغ في كتابه الفصول المهمة في معرفة الأئمة: "وصفته (عليه السلام): أسمر قصير"([17]).

وقال في الفصول المهمة: "صفة الباقر (عليه السلام): أسمر معتدل".([18])

وقال ابن عنبة الرافضي: "أما الإمام موسى بن جعفر الصادق عليه السلام ... وكان أسود اللون عظيم الفضل".([19])

وهذا علي (الهادي) بن محمد(الجواد) بن علي (الرضا) بن موسى (الكاظم) بن جعفر (الصادق) بن محمد (الباقر) بن علي (زين العابدين) بن الحسين بن علي بن أبي طالب: عاش بين 212-254 هـ.، وهو الإمام العاشر عند الشيعة الإثني عشرية كان أسود اللون.

وتقول إحدى الروايات في مقاتل الطالبيين: " أخبرني عمر، قال: حدثني أبو زيد، قال: حدثني محمد بن إسماعيل، قال: سمعت جدتي أم سلمة بنت محمد بن طلحة تقول: سمعت زينب بنت عبد الله تقول: كان أخي رجلاً آدم" ([20]).

وهذا أبو الحسن علي العسكري قال صاحب الفصول المهمة: "صفته: أسمر اللون".

فهنا طبقا لاستدلالات الرافضي نُلزمه بأن يقول إن فاطمة أيضا كانت سوداء إذ هي من عائلة سود كلها وتزوجت ابن عم أبيها وكان أسود -كما زعمت النصوص -وهو علي بن أبي طالب، وأنجبت أئمة سود...!

وهذا مجرد إلزام على طريقة الرافضي الذي يجمع كل شين من كذابين ووضاعين ليشغب به على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها، ولعن الله من آذاها.

والنتيجة من كل ما تقدم: أن الخبيث إنما بنى هذا التخليط على روايات لا تصح، وعلى فهم منكوس أنوك؛ وكذب على أهل السنة وجهل بمبانيهم، مع حقد دفين على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا كحال كل بحث في هذا الكتاب الموبوء كما هو ظاهر، والحمد لله على إسقاط قوله بالحجة والبرهان لا بالتخليط والهذيان.

والحمد الله رب العالمين

 

[1]-  لسان الميزان 4/136.

[2]- العقد الفريد (3/96(.

[3]-  أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الشهادات، باب تعديل النساء بعضهن بعضا (3/ 173)، رقم (2661)، ومسلم في صحيحه، كتاب التوبة، باب في حديث الإفك وقبول توبة القاذف 4/ 2129 رقم (2770) من حديث عائشة رضي الله عنها.

4- صحيح البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} 6/ 107 رقم (4757).

[5]-  أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المظالم، باب الغرفة والعلية المشرفة وغير المشرفة في السطوح وغيرها 3(/ 133 رقم (2468)، ومسلم في صحيحه، كتاب الطلاق، باب في الإيلاء، واعتزال النساء، وتخييرهن، (2/ 1111) رقم (1479) من حديث عمر رضي الله عنه.

[6]-  صحيح البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب {تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ}، (6/ 156)، رقم (4913)، وكتاب النكاح، باب حب الرجل بعض نسائه أفضل من بعض (7/ 34)، رقم (5218).

[7]- سيرة السيدة عائشة أم المؤمنين، (ص 207).

[8]- الثعالبي- (ص11).

[9]-  لسان الميزان، ت أبي غدة- ابن حجر العسقلاني- (5/380)، بتصرف يسير.

-[10] الاحتجاج للطبرسي (1/245).

[11]- العقد الفريد- (5/66).

[12]-  نقل الرافضي أبو الفرج الأصبهاني، مقاتل الطالبيين، (ص 16).

[13]-  هذه رواية في تاريخ الخلفاء للسيوطي، (1/130)

[14]-  كتاب البدء والتاريخ، (5/ 73).

-[15] عمدة الطالب ص15.

[16]-  فخر السودان، للجاحظ، تحقيق عبد السلام هارون، (1/ 207)، وما بعدها، والمفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام.

(([17] الفصول المهمة في معرفة الأئمة (2/856).

[18]-  الفصول المهمة، (2/882).

[19]-  ابن عنبة الرافضي، عمدة الطالب، (ص 196)

[20]-  "الثاقب في المناقب" لابن حمزة الطوسي، (ص 538)


لتحميل الملف pdf

تعليقات