قياس الشيعة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم على زوجتي نوح ولوط!

الشبهة الرابعة والعشرون

قياس الشيعة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم
على زوجتي نوح ولوط

 

محتوى الشبهة:

دائما ما يحاول الرافضة الاستدلال على النيل من عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم والطعن في حبيبة قلبه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ويبررون ذلك بالقياس على زواج نوح ولوط بامرأتين كافرتين.

الرد التفصيلي على الشبهة:

الأول: أن أي امرأة تتزوج نوحاً أو لوطاً، أو أي نبي من الأنبياء، فلن تصير أما للمؤمنين، بخلاف من تتزوج بنبينا صلى الله عليه وسلم، فإنها تصير أما للمؤمنين، مقرونة محبتها وولايتها وتوقيرها وتشريفها وإكبارها بمقام نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، حيث قال تعالى {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [سورة الأحزاب:6]. ولا شك عند كل عاقل أن هذا وصف تكريم لا توبيخ، بل هو غاية التكريم وسيأتي تفصيل الرد على من ينكر ذلك إن شاء الله تعالى.

الثاني: أن الزواج من الشرائع التي تختلف باختلاف الأنبياء والله تعالى يقول {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [سورة المائدة:48].

قال الطبطبائي في تفسيره: "فمعنى الآية - والله أعلم - لكل أمة جعلنا منكم (جعلاً تشريعياً) شرعةً ومنهاجاً ولو شاء الله لأخذكم أمة واحدة وشرع لكم شريعة واحدة، ولكن جعل لكم شرائع مختلفة ليمتحنكم فيما آتاكم من النعم المختلفة، واختلاف النعم كان يستدعى اختلاف الامتحان الذي هو عنوان التكاليف والأحكام المجعولة فلا محالة ألقى الاختلاف بين الشرائع"([1]).  

ومعلوم من الدين بالضرورة أنه لا يجوز نكاح الكفار غير الذميين، ولا يجوز الإمساك بعصمة الكافرة، قال تعالى {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [سورة الممتحنة:10]. ومعلوم أن نبينا أمسك بعصمة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وكذلك حفصة، وهما باتفاق من أمهات المؤمنين، فلم يطلقهن، وضرب عليهن الحجاب، ومات وهن في عصمته، وبالتالي فقد أمسك نبي الرافضة بعصم الكوافر مخالفة للآية.

 فإن قالوا: بل كانتا منافقتين!

قلنا: النفاق نوعان: إما نفاق إسلام، وإما نفاق كفر، فإن كان الأول بطل قياسكم وكلامكم كله، وإن كان الثاني قلنا قد ذكر الخبيث أن الله يعلم حال هؤلاء قبل زواجهن، فنقول له: وكذلك هو يعلم بنفاقهن نفاق الكفر، ولا شك أن نفاق الكفر أعظم من الكفر، ولذلك كان أصحابه في الدرك الأسفل من النار، فلماذا رضي الله لنبيه أن يخالف الآية؛ ومعلوم أن الله لا يقر نبيه على مخالفة أبدا، سواء علمها النبي صلى الله عليه وسلم أو لم يعلمها.

ففي سنن أبي داوود "عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ إِذْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْقَوْمُ أَلْقَوْا نِعَالَهُمْ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاتَهُ، قَالَ: «مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إِلْقَاءِ نِعَالِكُمْ»، قَالُوا: رَأَيْنَاكَ أَلْقَيْتَ نَعْلَيْكَ فَأَلْقَيْنَا نِعَالَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ جِبْرِيلَ  صلى الله عليه وسلم أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا، أَوْ قَالَ: أَذًى"([2]).

قلت: أفيخبر الله نبينا عن قذارة في نعل ولا يخبره عن زوجة نجسة يعاشرها، بل ويحبها؟! قبح الله الرفض وأهله.

الثالث: القياس في دين الرافضة باطل حتى وإن كان صحيحًا، فقد روى الكليني في (الكافي)([3]) عن عيسى بن عبد الله القرشي قال: دخل أبو حنيفة على أبي عبد الله عليه ‌السلام، فقال له: يا أبا حنيفة، بلغني أنك تقيس، قال: نعم، قال: لا تقس، فإن أول من قاس إبليس حين قال { قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [سورة الأعراف:12].

  فقاس ما بين النار والطين ولو قاس نورية آدم بنورية النار عرف فضل ما بين النورين وصفاء أحدهما على الآخر"، والحديث صححه المجلسي([4]).

وفي (وسائل الشيعة) ([5]): "قال الصدوق: عن جعفر بن محمد قال: "...يا نعمان! إياك والقياس فان أبي حدثني عن آبائه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قاس شيئا من الدين برأيه قرنه الله مع إبليس في النار، فإن أول من قاس إبليس حين قال: خلقتني من نار وخلقته من طين، فدع الرأي والقياس، وما قال قوم ليس له في دين الله برهان، فان دين الله لم يوضع بالآراء والمقاييس".

وعليه فقد ارتكب الخبيث محرما يوجب اقترانه مع ابليس في جهنم حسب دين الرافضة الذي ينتسب إليه الخبيث.

الرابع: اتفق كل من قال بالقياس على أنه لا يجوز قياس الأفضل على المفضول، والأحسن بالحسن، والأعلى بالأدنى، ونبينا بلا شك أعلى رتبة من نوح ولوط عليهما السلام، وعليه يسقط هذا القياس على رأس صاحبه.

الخامس: لم يذهب نوح ولا لوط إلى زوجتيهما عند موتهما ليمرضا عندهما كما فعل نبينا، وجمع الله بين آخر ريق لنبيه في الدنيا وريق من تزعمون كفرها وخبثها -قبحكم الله-؟!

السادس: أن سنة الله في كتابه أن يذكر مآل الكفار والمعاندين للرسل؛ ولذلك ذكر الله لنا مآل زوجتي نوح ولوط، وأنه أهلكهما في الدنيا وجعلهما من أصحاب النار في الآخرة، وهذا بين جلي لكل أحد، بخلاف عائشة وحفصة، فقد مات النبي صلى الله عليه وسلم، وهما في عصمته، ولم يبين لأمته من مآلهما إلا كل خير، وعاشتا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم زمانا وماتتا على فرشهما بسلام، ودفنتا بالبقيع، ولو صح قياسكم لبين الله حالهما للأمة في كتابه بياناً جلياً، وهذا أولى من بيان حال امرأة نوح وامرأة لوط، فلما لم يذكر ربنا شيئا من ذلك، بل على العكس، فقد بين لنا أنهما من أمهات المؤمنين، شرفهن بذلك وميزهن على سائر النساء، حتى فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم تنل ما نال نساء النبي صلى الله عليه وسلم، كما سنبين ذلك لاحقًا إن شاء الله تعالى.

السابع: لم يقل الله في كتابه لقد كان لكم في نوح أو لوط أسوة حسنة، وإنما قال {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [سورة الأحزاب:21]. فزواج النبي صلى الله عليه وسلم موضع أسوة لأمته، إلا ما دل الدليل على تخصيصه به عن أمته، كجواز الزيادة عن أربع، أما من ناحية الاختيار، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم كما عند مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: « تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ»([6]).  

وفي كتب الرافضة: عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من تزوج امرأة لا يتزوجها إلا لجمالها لم ير فيها ما يحب، ومن تزوجها لمالها لا يتزوجها إلا له وكله الله إليه، فعليكم بذات الدين"([7]).

وفي (الكافي): "عن أبى جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله عز وجل: إذا أردت أن أجمع للمسلم خير الدنيا وخير الآخرة جعلت له قلبًا خاشعًا، ولسانًا ذاكرًا، وجسدًا على البلاء صابرًا، وزوجة مؤمنة تسره إذا نظر إليها، وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله"([8]).

فإذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم أمته بتلك الفضيلة، أليس الأولى به والأجدر أن يكون هو الأسبق إليها؟!

الثامن: أن الله تعالى أمر نبيه في نفس سورة التحريم أن يجاهد الكفار والمنافقين، وما نعلم عن نوح ولوط أنهما أمرا بالجهاد كما أمر نبينا فمتى جاهد النبي صلى الله عليه وسلم زوجتيه عائشة وحفصة؟! ومعلوم أن الجهاد من مقتضياته العظمى، المباعدة القلبية والجسدية ما أمكن.

وأن جهاد المنافق يكون بفضحه كما فعل الله في كتابه، وبإقامة الحدود عليه، وبيان حاله وصفاته للناس، وبالغلظة والشدة عليه دائما، لا تدليله والرفق به والسعي في إرضائه (تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ)!

 فمتى فعل النبي صلى الله عليه وسلم ما أمره الله بفعله في المنافقين بخصوص عائشة وخاصة على قولكم؟!

بل لقد فعل النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة وحفصة ما يوجب توليهما ومحبتهما أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك أن مودة الكافر محرمة في شريعتنا بنص قوله تعالى {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [سورة المجادلة:22].

والزواج مظنة المودة قال تعالى {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [سورة الروم:21].

فلما أبقاهما النبي صلى الله عليه وسلم في عصمته، ولم يطلقهما، ولم يدمرهما الله كما فعل بامرأتي نوح ولوط، بل وسماهما أمهات للمؤمنين، علمنا أنه يجب على كل مسلم محبتهما، وتعظيمهما، وتوقيرهما، أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم.

التاسع: لم يوجه الله نداءً خاصاً بامرأة نوح ولا امرأة لوط يؤدبهما فيه بآداب عالية، ومعلوم أن المؤدِّب كلما علت رتبته كلما كان الأثر في المؤدَّب أعلى، ولذلك في كتاب الله كثيراً ما يوجه ربنا لنبينا توجيهات، وتحذيرات كثيرة من باب التأديب لنبيه، وهذا غاية الشرف لنببنا أن يؤدبه ربه تبارك اسمه، فكذلك زوجات نبينا قال لهن ربنا {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29) يَانِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا(30) وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (31) يَانِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33) وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} [سورة الأحزاب:28-34].

 وسورة التحريم في جملتها تأديب لنساء نبينا، وهذا كما قلنا غاية الشرف لهن رضوان الله عليهن أجمعين، وهذا ما لم يحصل مع زوجتي نوح ولوط، بل العكس هو الصحيح.

العاشر: أن الله تعالى عندما ذكر زوجتي نوح ولوط ذكرهما بلفظ "امرأة" بخلاف أزواج نبينا فلم يخاطبهم إلا بأزواج أو نساء النبي فتأمل البيان القرآني كما قالت عائشة بنت الشاطئ: "وترى البيان القرآني يستعمل لفظ "زوج" حيثما تحدث عن آدم وزوجه: (آيات البقرة 35 والأعراف 19 وطه 117) على حين يستعمل لفظ "امرأة" في مثل: امرأة العزيز، وامرأة نوح وامرأة لوط، وامرأة فرعون.

قد يبدو من القريب أن يترادفا فيقوم أحد اللفظين مقام الآخر -وكلاهما من الألفاظ القرآنية -فنقول في "زوج آدم" مثلاً: امرأة آدم، وفي "امرأة العزيز": زوج العزيز، وذلك ما يأباه البيان المعجز.

وهو الذي يعطينا سرَّ الدلالة في الزوجية مناط العلاقة بين آدم وزوجه في قصة أول زوجين من البشر. ولم تكن زوج آدم امرأة من أخريات. بل كانت وحدها الزوج، وكانت الزوجية، ولا شيء غيرها، مناط علاقتها بآدم، وسر وجودها.

ونتدبر سياق استعمال القرآن للكلمتين:

كلمة (زوج) تأتي حيث تكون الزوجية هي مناط الموقف: حكمة وآية، أو تشريعاً وحُكماً: في آية الزوجية قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } [سورة الروم:21]. وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [سورة الفرقان:74].

وكذلك الأمر في "أزواج" بالحياة، في مثل آيات: [الواقعة 7، والبقرة 25، وآل عمران 15، والنساء 56، والزخرف 70، ويس 56. . .]

فإذا تعطلت آيتها من السكن والمودة والرحمة، بخيانة أو تباين في العقيدة، فامرأة لا زوج: {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [سورة يوسف:30].

{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ} [سورة التحريم:10].

 ومعها في امرأة لوط، آيات : العنكبوت 33، النمل 57، الحجر 60، الذاريات 81، الأعراف 83.

"امرأة فرعون" وقد تعطلت آية الزوجية بينهما، بإيمانها وكفره: التحريم 11 ، وحكمة الزوجية في الإنسان وسائر الكائنات الحية من حيوان ونبات، هي اتصال الحياة بالتوالد. وفي هذا السياق يكون المقام لكلمة زوج، وزوجين وأزواج، من ذكر وأنثى، كآيات: النساء 1، هود 40، الشورى 11، يس 36، الذاريات 49، النجم 45، النبأ 8.

ومعها: المؤمنون 17، الأنعام 103، الزمر 6، الرعد 3، لقمان 10، الحج 5، الشعراء 7، طه 53، ق 7.

فإذا تعطلت حكمة الزوجية في البشر بعقم أو ترمل، فامرأة لا زوج، كالآيات في امرأة إبراهيم وامرأة عمران (هود 71، والذاريات 29، آل عمران 35)

ويضرع زكريا إلى الله سبحانه: {وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا} [سورة مريم:5]، وقال تعالى { قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ }     [سورةآل عمران:40].

ثم لما استجاب له ربه وحققت الزوجية حكمتها، كانت الآية: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ } [سورة الأنبياء:90]. وبملحظ دقيق من تقرير التكامل بين الزوجين، لم يستعمل القرآن الكريم كلمة "زوجة" -وإن صحت عربيةً -في الإفراد ولا في التثنية والجمع، بل هي زوجه وهو زوجها، وهما زوجان، وهن أزواجهم وهم أزواجهن، يطرد ذلك حيثما وردت الكلمة في البيان القرآني([9]).

قلت: وهذا يدلنا على أن عدول الله تعالى في كتابه عن استعمال أي لفظ غير "أزواج أو نساء" يدل على كمال المحبة والود والقرب بين نبينا وأزواجه، وهذا مما يبطل قياس الخبيث ومقارنته بين أم المؤمنين عائشة وحفصة رضي الله عنهما، وبين امرأة نوح وامرأة لوط.

الحادي عشر: لم ينزل الله آيات عن زوجتي نوح ولوط تكرمهما، وتشرفهما كما أنزل آيات في أم المؤمنين عائشة وحفصة رضي الله عنهما، فقد قال تعالي { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [سورة الأحزاب:59].

فبدأ الله بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم تشريفاً لهن وتكريماً، ولو أراد الله منا أن نعتقد ما يعتقده الروافض؛ لاستثنى الله وقال إلا فلانة وفلانة، لئلا يلبس على الأمة، وهذا كما استثني لنوح ولوط، فقال: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} [سورة هود:40]. واستثنى امرأة لوط، فقال: {وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ} [سورة العنكبوت:33].

فكان من الواجب إذا شرف الله نساء النبي صلى الله عليه وسلم، أن يستثني منهن من يعلم بانحرافها وجوباً، وإلا كان القرآن كتاب ضلالة لا هداية؛ وإيهام لا بيان؛ وألغاز وأحاجي وتدليس على الأمة لا كما قال الله {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [سورة النحل:89]، وهذا مبطل لقياس الخبيث بالكلية.

الثاني عشر: لم يدافع الله يوماً عن زوجتي نوح ولوط، كما دافع عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها في كتابه؛ فقال في سياق الآيات التي نزلت في تبرئتها {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[سورة النور:23].

وقال بلهجة الغضب لعرض نبيه {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [سورة النور:26].

فما ذكر الله كل ذلك إلا ليبين أن خير النساء على الإطلاق هن نساء النبي-صلى الله عليه وسلم-.

الثالث عشر: قال الله تعالى لنبيه {وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [سورة الأنفال:71].

 فأين أمكن الله من عائشة وحفصة؛ فجعلهما عبرة، كما هي عادته تعالى فيمن خان الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؟!

قال الطبرسي: "{ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ } أي: فأمكنك منهم يوم بدر، بأن غلبوا، وأسروا، وسيمكنك منهم ثانيا إن خانوك { وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } معناه: عليم بما يقولونه، وبما في نفوسهم، وبجميع الأشياء، حكيم فيما يفعله"([10]).

وقال الطبطبائي في تفسيره: "قوله تعالى: { وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ} الخ أمكنه منه أي أقدره عليه، وإنما قال أولا: (خيانتك) ثم قال: (خانوا الله)؛ لأنهم أرادوا بالفدية ان يجمعوا الشمل ثانيا ويعودوا إلى محاربته صلى الله عليه وسلم، وأما خيانتهم لله من قبل فهي كفرهم وإصرارهم على أن يطفؤوا نور الله وكيدهم ومكرهم.

معنى الآية: إن آمنوا بالله وثبت الايمان في قلوبهم آتاهم الله خيرا مما أخذ منهم وغفر لهم، وإن أرادوا خيانتك والعود إلى ما كانوا عليه من العناد والفساد فإنهم خانوا الله من قبل فأمكنك منهم وأقدرك عليهم وهو قادر على أن يفعل بهم ذلك ثانيًا، والله عليم بخيانتهم لو خانوا حكيم في إمكانك منهم"([11]).

وقد بين الله في كتابه أنه أمكن من امرأة نوح وامرأة لوط، فأين أمكن الله ممن تزعمون يا رافضة؟!

بل العكس هو الصحيح؛ فقد كرمهما الله وشرفهما ودافع عنهما، فرضي الله عن حبيبتي رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة وحفصة رضي الله عن أزواج نبينا جميعًا، ولعن الله من يؤذي نبينا في أزواجه.

أفبعد هذا يصح في عقل عاقل أن يقارن هذه المقارنة النوكاء؟!

وبعد أن بينا أنه يستحيل شرعًا وعقلاً أن يتزوج المسلم من خبيثة؛ فضلاً عن أشرف خلق الله الأنبياء، فضلاً عن سيدهم وإمامهم رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم.

كما نقول أيضاً إن الزواج من كافرة في ديننا محرم، وهذا مقرر حتى في دين الرافضة.

 قال القمي في تفسيره (سورة الممتحنة) عند قوله تعالى {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [سورة الممتحنة:10] عن أبي جعفر قال: من كانت عنده امرأة كافرة، يعني على غير ملة الإسلام وهو على ملة الإسلام، فليعرض عليها الإسلام، فإن قبلت فهي امرأته، وإلا فهي بريئة منه، فنهى الله أن يمسك بعصمتها) ([12]).

ومن كلام اللجنة الدائمة: زواج المؤمن بالكافرة كان مباحًا في الشرائع السابقة وكذا زواج الكافر بالمؤمنة، وأن الله حمى امرأة فرعون من كيده وحفظ عليها دينها ونجاها من الظالمين"([13]).

وكما بينَّا أنه لا عار على الرجل أن يتزوج من كافرة إلا إذا حرم الشرع عليه ذلك، ومعلوم أن شرعنا حرم الزواج من كافرة، وقال: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } [سورة البقرة:221].

قال الجصاص: "حُكْمُ التَّحْرِيمِ مَقْصُورًا فِيمَا وَصَفْنَا عَلَى الْمُشْرِكَات مِنْهُنَّ دُونَ غَيْرهنَّ، وَيَكُونَ ذِكْرُ دُعَائِهِمْ إيَّانَا إلَى النَّارِ تَأْكِيدًا لِلْحَظْرِ فِي الْمُشْرِكَات غَيْرَ مُتَعَدٍّ بِهِ إلَى سِوَاهُنَّ؛ لِأَنَّ الشِّرْكَ وَالدُّعَاءَ إلَى النَّار هُمَا عَلَمًا تَحْرِيمِ النِّكَاح وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْكِتَابِيَّاتِ. وَقَدْ قِيلَ إنَّ ذَلِكَ فِي مُشْرِكِي الْعَرَبِ الْمُحَارِبِينَ كَانُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلِلْمُؤْمِنِينَ، فَنُهُوا عَنْ نِكَاحِهِنَّ؛ لِئَلَّا يُمَكَّنَ بِهِمْ إلَى مَوَدَّةِ أَهَالِيهِنَّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَيُؤَدِّيَ ذَلِكَ إلَى التَّقْصِيرِ مِنْهُمْ فِي قِتَالِهِمْ دُونَ أَهْلِ الذِّمَّةِ الموادّين الَّذِينَ أُمِرْنَا بِتَرْكِ قِتَالهمْ. إلَّا أَنَّهُ إنْ كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ يُوجِبُ تَحْرِيمَ نِكَاحِ الْكِتَابِيَّاتِ الْحَرْبِيَّاتِ لِوُجُودِ هَذَا الْمَعْنَى، وَلَا نَجِدُ بُدًّا مِنْ الرُّجُوعِ إلَى حُكْمِ مَعْلُولِ هَذِهِ الْعِلَّة بِمَا قَدَّمْنَا([14]).

وعند الرافضة هذه العلة التي من أجلها حرم نكاح الكفار كانت موجودة في عائشة؛ فلماذا خالف نبيهم منصوص القرآن، وتزوج منها؛ ومع ذلك أبقاها في عصمته! أرأيتم أن هؤلاء يبحثون عن كل قبيح في الشرع والعقل ثم ينسبونه لنبينا أشرف خلق الله على الإطلاق؟!

والحمد الله رب العالمين

وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

[1]-  تفسير الميزان- (5/353).

[2]-  سنن أبي داود- (1/175).

[3] - الكافي (1/58).

[4]-  مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول- (1/ 201).

[5] - وسائل الشيعة (27/47).

[6]-  صحيح مسلم- (2/ 1086).

[7]-  تهذيب الأحكام للطوسي- (7/  399).

[8]-  رواه الحر العاملي في وسائل الشيعة، باب استحباب اختيار الزوجة الصالحة المطيعة الحافظة لنفسها ومال زوجها- (20/ 40). الكافي (5/327).

[9]-  انظر: الإعجاز البياني للقرآن ومسائل ابن الأزرق عائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ- (ص 229-231).

[10]-  مجمع البيان- الطبرسي- (4/496).

[11]-  الميزان في تفسير القرآن- الطباطبائي- (9/ 137).

[12]- تفسير القمي-) 2/344).

[13]-  اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، فتاوى اللجنة الدائمة -1، (٢٧٦/٣).

[14]-  أحكام القرآن للجصاص- ط العلمية- (1/ 407).


لتحميل الملف pdf

تعليقات