زعم الرافضة أن عائشة كانت تبغض عليَّا رضي الله عنهما

الشبهة الخامسة

زعم الرافضة أن عائشة كانت تبغض عليَّا رضي الله عنهما.

 

محتوى الشبهة:

قال صلاح الدين الحسيني: "وهناك روايات عديدة في البخاري ومسلم تؤكّد أن العديد من الصحابة كانوا لا يطيقون ذكر اسم عليّ.

نذكر منها هذه الرواية:

روى البخاري في (صحيحه) وقال: حدّثنا إبراهيم بن موسى قال: أخبرنا هشام بن يوسف، عن معمّر، عن الزهري قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله قال: قالت عائشة: لمّا ثقل النبيّ صلى الله عليه وسلم واشتدّ وجعه، استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي، فأذنّ له، فخرج بين رَجُلين تخطّ رجلاه الأرض، وكان بين العبّاس ورجل آخر. قال عبيد الله: فذكرت ذلك لابن عبّاس ما قالت عائشة: فقال لي: وهل تدري من الرجل الذي لم تسمّ عائشة؟ قلت: لا، قال: هو عليّ بن أبي طالب "([1]).

وقال علي آل محسن: " ثم إن عائشة كان بينها وبين أمير المؤمنين عليه ‌السلام جفوة، وربما صدر منها ما يصدر من النساء في عداواتهن مع غيرهن، ولذا أعرضتْ عن ذِكر اسم علي عليه‌ السلام لَمَّا خرج النبي صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله ‌وسلم في مرضه معتمداً عليه وعلى العباس فيما أخرجه البخاري ومسلم وابن ماجة وغيرهم"([2]).

الرد التفصيلي على الشبهة:

أولاً: الصحيح من الأخبار يدل على عظيم التقدير والاحترام الذي كانت تكنّه لعليّ وأبنائه رضي الله عنهم أجمعين.

فقد أخرج ابن أبي شيبة، أن عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي سأل عائشة من يبايع؟ فقالت له: "الزم عليّاً"([3]).

فهل يعقل بعد هذا أن تعمد إلى إنكار فضله وفضائله كما زعم المغرضون؟!

 

 ثانيًا: علاقتها بعلي بن أبي طالب -كما سنرى- مبنية على المودة والاحترام والتقدير المتبادل، فعليّ أعرف الناس بمقام أم المؤمنين عائشة، ومنزلتها في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقلوب المسلمين، كما كانت هي الأخرى تعرف لعليّ سابقته في الإسلام، وفضله وجهاده، وتضحياته، ومصاهرته للنبي صلى الله عليه وسلم.

وقد روت عدداً من الأحاديث في فضائل عليّ وأهل البيت رضي الله عنهم، ذكرها أئمة الحديث بأسانيدها، وهي تدل دلالة واضحة على عظيم احترامها وتقديرها لأمير المؤمنين عليّ وأهل البيت رضي الله عنهم أجمعين. وقد روت أم المؤمنين عائشة مناقب أهل البيت التي تعتبر شامة في مناقب الإمام عليّ رضي الله عنه.

من ذلك:

 ما أخرجه مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: "خرج النبي صلى الله عليه وسلم غداة وعليه مرطٌ مرحّل من شعر أسود، فجاء الحسن بن عليّ فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء عليّ فأدخله، ثم قال: قال تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ ۖ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب:33]([4]).

فكيف يدعي من كان له أدنى ذرة عقل أو دين أن يتهمها بنصب العداء لعلي رضي الله عنه.

ولما بويع عليّ رضي الله عنه خليفة للمسلمين، لم يتغير موقفها منه، ولا حملت في قلبها عليه، وهي التي كانت تدعو إلى بيعته كما رأينا، وكانت تعرف مكانته العلمية والفقهيـة؛ لذلك عندما سألها شريح بن هانئ عن المسح على الخفّين، قالت له:" عليك بابن أبي طالب فسله؛ فإنه كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم"([5]).

 

ثالثاً: ورد في بعض طرق الحديث أنها" كانت لا تطيب له نفسا"، وهذه الزيادة شاذة لا تصح: "فإعراض الشيخين عن هذه الزيادة، وعدم اتفاق أصحاب الزهري عليها يجعل في القلب منها شيء.

فسفيان وعقيل وشعيب لم يذكروها في الحديث، وذكرها معمر ورواها ابن المبارك عن معمر ويونس جمعهما في حديث واحد. وقد أعرض الشيخان عن الزيادة مع روايتهما للحديث من طريق ابن المبارك عن معمر، وأيضًا موسى بن أبي عَائِشَة لم يتابع الزهري على هذه الزيادة.

كذلك ممن حدث به عن الزهري بغير الزيادة: إبراهيم بن سعد وهو في الطبقات([6]) قبل الحديث محل السؤال مباشرة، وقد روى البيهقي في الدلائل([7]) الحديث من مغازي ابن إسحاق برواية يونس بن بكير (وهو طريق ابن حجر للمغازي) فرواه ابن إسحاق عن يعقوب بن عتبة عن الزهري وليس فيه هذه اللفظة، وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث.

ورواه بن إسحاق عن الزهري بغير واسطة بدون تلك اللفظة أيضًا، وهذا عند أبي يعلى ([8]) وإسناده جيد، وصرح ابن إسحاق بالتحديث، فصار من روى الحديث بغير الزيادة سفيان بن عيينة، وشعيب، وعقيل، وإبراهيم بن سعد، ويعقوب بن عتبة، وابن إسحاق، وتفرد بالزيادة معمر.

وقد أخرج الشيخان الحديث واتفقا على الإعراض عن تلك الزيادة مع أنهما يروياها من طريق معمر، فلعل هذه اللفظة لا تصح في الحديث".

ولذلك فقد مال بعض طلبة العلم المعاصرين إلى شذوذ هذه الرواية ([9]).

رابعاً: عدم تسمية أم المؤمنين لعليّ بن أبي طالب رضي الله عنهما لم يكن تحقيرًا ولا عداوة، وإنما لأمر آخر ذكره أهل العلم.

قال الكرماني: "فإن قلت لم ما سمته، قلت: عدم تسميتها له لم يكن تحقيرًا، أو عداوة حاشاها من ذلك، قال النووي ثبت أيضا أنه صلى الله عليه وسلم جاء بين رجلين أحدهما أسامة وأيضا أن الفضل بن عباس كان آخذًا بيده الكريمة فوجهه أن يقال إن الثلاثة كانوا يتناوبون في الأخذ بيد، وكان العباس يلازم الأخذ باليد الأخرى وأكرموا العباس باختصاصه بيد واستمرارها له لما له من السن والعمومة وغيرهما، فلذلك ذكرته عائشة مسمى صريحا وأبهمت الرجل الآخر إذ لم يكن أحدهم ملازمًا في جميع الطريق، ولا معظمه بخلاف العباس"([10]).

خامساً: لو فرضنا أن عدم تسميتها له بسبب شيء في قلبها، فهذا ليس فيه قدح فيها؛ لأن مثل هذه الأمور تحصل بين البشر، والصحابة رضي الله عنهم ليسوا معصومين.

قال العيني: "مَا الْحِكْمَة فِي أَن عَائِشَة رضي الله عنها، قَالَت: (وَرجل آخر) وَلم تعينه، مَعَ أَنه كَانَ هُوَ عَليّ بن أبي طَالب، رضي الله عنه؟ أُجِيب: بِأَنَّهُ كَانَ فِي قَلبهَا مِنْهُ مَا يحصل فِي قُلُوب الْبشر مِمَّا يكون سَببًا فِي الْإِعْرَاض عَن ذكر اسْمه. وَجَاء فِي رِوَايَة: (بَين الْفضل ابْن عَبَّاس)، وَفِي أُخْرَى: (بَين رجلَيْنِ أَحدهمَا أُسَامَة)، وَطَرِيق الْجمع أَنهم كَانُوا يتناوبون الْأَخْذ بِيَدِهِ الْكَرِيمَة، تَارَة هَذَا وَتارَة هَذَا، وَكَانَ الْعَبَّاس أَكْثَرهم أخذا بِيَدِهِ الْكَرِيمَة؛ لِأَنَّهُ كَانَ أدومهم لَهَا إِكْرَامًا لَهُ واختصاصاً بِهِ، وَعلي وَأُسَامَة وَالْفضل يتناوبون الْيَد الْأُخْرَى، فعلى هَذَا يُجَاب بِأَنَّهَا صرحت بِالْعَبَّاسِ وأبهمت الآخر لكَوْنهم ثَلَاثَة، وَهَذَا الْجَواب أحسن من الاول"([11]).

وقال القسطلاني: "فكان أي العباس أدومهم لأخذ يده الكريمة إكرامًا له واختصاصًا به، والثلاثة يتناوبون الآخذ بيده الأخرى، ومن ثم صرّحت عائشة بالعباس وأبهمت الآخر، أو المراد به علي بن أبي طالب ولم تسمه لما كان عندها منه مما يحصل للبشر مما يكون سببًا في الإعراض عن ذكر اسمه"([12]).

فإن هذه مسألة تعتري البشر جميعًا حتى بين أفراد الأسرة الواحدة كغضبة أخ من أخيه، أو أخته، أو أمه فيفارق اسمه فقط، وهذه أيضًا عادة عند العرب، فكانت أمنا عَائِشَة تقسم: "ورب محمد"، حال رضاها مع النَّبِيّ، فإن كان هناك شيء قالت: "ورب إبراهيم" فلما أخبرها النَّبِيّ بمعرفته ذلك قالت: "لا أفارق إلا اسمك"([13]).

قال الزرقاني في تعليقه على هذه الرواية: "وذلك لما جبل عليه الطبع البشري، فلا إزراء في ذلك عليها ولا على عليّ رضي الله عنهما"([14]).

فربّما وجدتْ عائشة رضي الله عنها في نفسها شيئاً عن علي رضي الله عنه في أمرٍ من الأمور، كطبيعة البَّشر، وتوافق مع ذلك الموقف، ولكن من المحال أن يكون حقداً مستمراً، وعداءً لا يزول، بل ذلك من أبعد الأشياء عن عائشة رضي الله عنها، فإنها لم تحمل على الذين خاضوا في الإفك، مع أن ذلك كان من أشدِّ المصائب عليها، فكان نصيب الخائضين من عَائِشَة رضي الله عنها العفو والصفح، حتى إنّها كانت تُنافح عنهم إذا ذكرهم أحدٌ أمامها بسوء.

فهذا حسّان بن ثابت رضي الله عنه كان من الخائضين في الإفك، وكان ممّن أكثر في رمي عَائِشَة رضي الله عنها، ومع ذلك لم تحقد عليه الصدّيقة رضي الله عنها، بل كانت تنهى عن سبِّه أو الإساءة إليه، ففي الصحيحين أنّها قالت لعروة بن الزبير لمّا أخذ يسبهّ: «لاَ تَسُبَّهُ، فَإِنَّهُ كَانَ يُنَافِحُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم»([15]).

سادساً: ورد في كتب الرافضة أن فاطمة وعليا رضي الله عنهما -وهما معصومان عند القوم- كان يحصل بينهما نزاع وخلاف.

قال محمد آصف محسني: "وفي بعض الروايات أنه وقع بين علي وفاطمة كلام فأصلح بينهما رسول الله، ولم يرض به الصدوق، ولا المؤلف العلامة، فإنهما مقتديان برسول الله في حسن الخلق، فلا يقع بينهما كلام حتى يحتاج رسول الله إلى الإصلاح بينهما وللمؤلف توجيه آخر.

أقول: كأنهما تغافلا عن أن الأنبياء والأولياء مع كمالهم بشر، وأنه لا يوجد بشران متفقان فكرًا وتمايلاً وعملاً؛ ولذا تنازع موسى وهارون وأخذ موسى بلحية هارون، وإنما المنافي لمقامهما كثرة النزاع أو الدوام عليه بعد وقوعه أو بعد إصلاح النبي صلى الله عليه واله بينهما، ولم يكن كذلك كما يظهر من الروايات"([16]).

فإذا كان لا يوجد بشران متفقان فكرًا وتمايلاً وعملاً، وإذا كان مثل هذا النزاع والخلاف قد يقع بين المعصومين، فأي شناعة أن يقع مثل هذا بين عائشة وعليّ رضي الله عنهما؟

والحمد الله رب العالمين

 

-[1] سبيل المستبصرين إلى الصراط المستقيم، صلاح الدين الحسيني (ص350).

-[2] مسائل خلافية حار فيها أهل السنة، علي آل محسن (ص67).

-[3] مصنف ابن أبي شيبة (7/545).

-[4] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، بَابُ فَضَائِلِ أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، 4/1883، رقم (2424).

-[5] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الطهارة، باب التوقيت في المسح على الخفين (1/232)، رقم (276).

-[6]الطبقات الكبرى (2/ 179(.

-[7] دلائل النبوة (7/ 169(.

-[8]  مسند أبي يعلى (8/ 57(.

-[9] انظر : إجلاء الحقيقة في سيرة عائشة الصديقة، ياسين الخليفة الطيب المحجوب (ص164).

-[10] الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري، الكرماني (5/52).

-[11] عمدة القاري شرح صحيح البخاري، بدر الدين العيني (3/92).

-[12] إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري، القسطلاني (1/275).

-[13] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، باب غيرة النساء ووجدهن (7/36)، رقم (5228)، ومسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة -رضي الله عنهم-، باب في فضل عَائِشَة رضي الله تعالى عنها (4/1890)، رقم (2439).

[14] -شرح الزرقاني على المواهب اللدنية (12/ 84).

-[15] صحيح البخاري، كتاب المناقب، باب من أحب أن لا يسب نسبه (4/185)، رقم (3531)، وصحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة -رضي الله عنهم-، باب فضائل حسان بن ثابت رضي الله عنه (4/1933)، رقم (2487).

[16] -مشرعة بحار الأنوار، محمد آصف محسني، (2/138-139).


لتحميل الملف pdf

تعليقات