زعمهم أن هل السنة يثبتون الولاية التكوينية لعمر بن الخطاب رضي الله عنه

الشبهة الخامسة

زعمهم أن هل السنة يثبتون الولاية التكوينية لعمر بن الخطاب رضي الله عنه

 

محتوى الشبهة

لما كان من صميم عقيدة الرافضة، إثبات الولاية التكوينية للأئمة، وأنهم يتحكمون في جميع ذرات الكون، وأن لهم السلطة المطلقة على عالم الوجود، حاولوا أن يلصقوا هذا بغيرهم، وادعوا أن أهل السنة يثبتون مثل هذا المقام لعمر بن الخطاب رضي الله عنه.

ويستدلون بكلام الإمام شمس الدين السفيري حين قال في سياق حديثه عن مناقب عمر رضي الله عنه: "وله من الكرامات ما لا تحصى، فمن كرامته أن العناصر الأربع وافقته، عنصر الماء والهواء والتراب والنار"[1]

الرد التفصيلي على الشبهة:

أولاً: موافقة عنصر الماء لعمر بن الخطاب رضي الله عنه.

وقد ذكر صاحب الكتاب في هذه الموافقة، قصتين:

1- قصة النيل: قال شمس الدين السفيري: "وأما موافقة عنصر الماء له، ففي قصة النيل.... وذكرها بتمامها"([2]).

والرد من وجوه:

أولا: ضعف الرواية؛ لعلتين:

العلة الأولى: عبد الله بن لهيعة، وهو ضعيف. قال الإمام النسائي: "ضعيف"([3]).

العلة الثانية: عدم معرفة الواسطة بين قيس بن الحجاج والواسطة، قال الحافظ ابن حجر: "ولا يُقْبَلُ حديثُ المُبْهَمُ ما لم يُسَمَّ؛ لأنَّ شرطَ قَبولِ الخَبَرِ عدالَةُ راويهِ، ومَن أُبْهِمَ اسمُه لا تُعْرَفُ عَيْنُهُ، فكيفَ تُعْرَفُ عدالَتُهُ؟!([4]).

وقيس بن الحجاج من الطبقة السادسة كما قال الحافظ في (التقريب)([5]). وهذه الطبقة لم يثبت لهم لقاء أحد من الصحابة. قال الحافظ ابن حجر: "السادسة: طبقة عاصروا الخامسة لكن لم يثبت لهم لقاء أحد من الصحابة"([6]).

وعليه فقيس بن الحجاج لم ير عمرو بن العاص، ولم ير عمر بن الخطاب، وروى القصة عنهما عن طريق مبهم لم يسم، وبه تبطل القصة إسنادًا.

ثانيًا: لو ثبتت القصة فهي من باب دعاء الله بما هو مشروع، للتخلص من شرك وكفر كان يقع فيه هؤلاء، وتكون من باب استجابة الله لدعاء أولياه، وهذا حاصل كثيرا، ولا إشكال في ذلك.

ثالثًا: جاء عند الشيعة نسبة فعل ذلك إلى المعصوم لكن بالطلاسم، وقد ذكره ابن حمزة الطوسي في (الثاقب في المناقب): "عن أبي عبد الله عليه السلام، أنه قال: "مد الفرات عندكم على عهد أمير المؤمنين عليه السلام، فأقبل إليه الناس فقالوا: يا أمير المؤمنين، نحن نخاف الغرق؛ لأن الفرات قد جاء بشيء من الماء لم نر مثله قط، وقد امتلأت جنبتاه الله الله. فركب أمير المؤمنين عليه السلام، والناس حوله يمينًا وشمالاً، حتى انتهى إلى الفرات وهو يزجر بأمواجه، فوقف الناس ينظرون، فتكلم بكلام خفي عبراني ليس بعربي، ثم إنه قرع الفرات قرعة واحدة فنقص الفرات ذراعا، وأقبل الناس وفي رواية أخرى فقال لهم -: هل يكفيكم ذلك؟ " فقالوا: زدنا يا أمير المؤمنين. فقرع قرعة أخرى، فنقص ذراعا آخر، فقالوا: يكفينا، فقال ’: لو أردت لقرعته حتى لا يبقى فيه شيء من الماء"([7]).

فها هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه ينسبون له أنه يتكلم بطلاسم في كتب الشيعة لتحدث له نفس الكرامة، فهل من دعا الله بكلام مفهوم واضح موافق للكتاب والسنة أولى بالشبهة أم من يتكلم بكلام أشبه بكلام الكهان؟!

2- قصة شط دجلة: قال شمس الدين السفيري: "ووافقه عنصر الماء مرة أخرى، وذلك: أنه بعث جيشا إلى مدائن كسرى، وأمّر عليهم سعد بن أبي وقاص، وجعل قائد الجيش خالد بن الوليد، فلما بلغوا شط دجلة ولم يجدوا سفينة، تقدم سعد وخالد فقالا: يا بحر إنك تجري بأمر الله، فبحرمة محمد صلى الله عليه وسلم وبعدل عمر خليفة رسول الله إلا ما خليتنا والعبور، فعبر الجيش بخيله وحماله ورجاله إلى المدائن ولم تبتل حوافرها"([8]).

والرد من وجوه:

أولا: هذه الحكاية مرسلة لا سند لها، فلا يحتج بها.

ثانيًا: لو صحت، كانت من باب الكرامة لأولياء الله، وهذا أمر لا ننكره، ولا علاقة له بالولاية التكوينية التي يثبتها الشيعة للأئمة.

ثالثًا: ورد في كتب الشيعة ما هو أعظم من هذا، فقد سقط الإمام الباقر في بئر وهو صغير ولم يبتل بالماء، ولم يحدث له شيء.

قال هاشم البحراني: " (كتاب الأنوار) و(كتاب أبي جعفر محمّد بن جرير الطّبريّ) وغيرهما، واللّفظ للطّبريّ، قال: روى أنّه كان قائمًا في صلاته، حتّى زحف ابنه محمّد، وهو طفل إلى بئر، كانت في داره بعيدة القعر، فسقط فيها فنظرت إليه امّه فصرخت، فأقبلت تضرب بنفسها من حوالي البيت‌ وتستغيث به، وتقول له يا بن رسول اللّه، غرق واللّه ابنك محمّد، وهو يسمع‌ قولها، ولا ينثني عن صلاته، وهي تسمع اضطراب ابنها في قعر البئر في الماء فتشتدّ، فلمّا طال عليها ذلك قالت له: جزعًا على ابنها: ما أقسى قلوبكم يا أهل بيت النبوة؟! فأقبل على صلاته، ولم يخرج عنها إلّا بعد كمالها وتمامها، ثم أقبل عليها، فجلس على رأس البئر ومدّ يده إلى قعرها، وكانت لا تنال إلّا برشاء طويل، فأخرج ابنه محمّدا، وهو يناغيه‌ ويضحك ولم يبتلّ له ثوب ولا جسد بالماء"([9]).

ثانيًا: موافقة عنصر الهواء لعمر بن الخطاب  رضي الله عنه.

قال شمس الدين السفيري: "وأما موافقة عنصر الهواء، فذلك أنه أرسل جيشا وأمر عليهم شخصا يقال له: سارية، فلما قربوا من العدو كمنوا لهم وراء جبل وكانت نجاتهم في الصعود على الجبل، وكان نهار جمعة، فلما صعد المنبر للخطبة، أطلعه الله على جيشه الذي أرسله، وعلى الكمين، وكشف له الحجب من مسافة بعيدة، فبينما هو في الخطبة نادى: يا سارية الجبل مرتين أو ثلاثًا، فاحتمل الهواء صوته حتى بلغ سارية فصعد الجبل وسلموا من العدو..."([10]).

والرد من وجوه:

أولا: هذه القصة في ثبوتها خلاف بين المحدثين، بعضهم يرى ثبوتها، كما قال الحافظ ابن كثير: "وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ حَسَنٌ"([11]).

ويرى البعض عدم ثبوتها، لعدم صحة طرقها وأسانيدها.

ثانيًا: وهذا إلهام من الله سبحانه، وكرامة لعمر ﷺ، وهو المحدث الملهم، كما ثبت عن النبي ﷺ، وليس في الأثر أنه ﷺ كشف له عن الجيش، وأنه رآه رأي العين إلى غير ذلك من الروايات الضعيفة التي يتعلق بها غلاة المتصوفة في الكشف، واطلاع المخلوقين على الغيب، وهذا باطل؛ لأن الاطلاع على الغيب من صفات الله سبحانه وتعالى.

ثالثًا: الرافضة كعادتهم، حرفوا القصة، وجعلوها من كرامات علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

قال هاشم البحراني: "الثامن والثلاثون ومائتان: أنّه ’ أرى عمر بن الخطّاب الجيوش التي في نهاوند مع سارية، وأن يبلغ صوته إليهم‌:

الحضيني في (هدايته): بإسناده عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري، قال: كنّا بين يدي أمير المؤمنين ’ في مسجد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله، إذ دخل عمر بن الخطّاب، فلمّا جلس قال للجماعة: إنّ لنا سرّا فخفّفوا رحمكم اللّه، فتهيزت‌ وجوهنا وقلنا له: ما هكذا كان يفعل بنا رسول اللّه- صلى اللّه عليه وآله- ولقد كان يأتمننا على سرّه، فما بالك أنت لمّا وليت أمور المسلمين تستّرت بنقاب رسول اللّه -صلى اللّه عليه وآله-؟! فقال للناس أسرار لا يمكن إعلانها بين الناس، فقمنا مغضبين وخلا بأمير المؤمنين -عليه السلام- مليًّا، ثمّ قاما من مجلسهما حتى رقيا منبر رسول اللّه جميعًا.

فقلنا: اللّه أكبر أترى ابن حنتمة رجع عن طغيانه وغيّه ورقى المنبر مع أمير المؤمنين ’ ليخلع نفسه ويثبته، له‌ فرأينا أمير المؤمنين ’ وقد مسح بيده على وجهه، ورأينا عمر يرتعد ويقول: لا حول ولا قوّة إلّا باللّه العليّ العظيم، ثمّ صاح مل‌ء صوته: يا سارية الجبل‌ الجبل، ثمّ لم يلبث إلى أن قبّل صدر أمير المؤمنين ونزلا وهو ضاحك، وأمير المؤمنين ’ يقول له: يا عمر: افعل ما زعمت أنّك فاعله، وإن كان لا عهد لك ولا وفاء، فقال له‌: امهلني يا أبا الحسن حتى أنظر ما يرد من خبر سارية وهل‌ ما رأيته صحيحًا أم لا؟

فقال له أمير المؤمنين ’: ويحك إذا صحّ ووردت أخباره عليك بتصديق ما عاينت ورأيت وأنّهم قد سمعوا صوتك ولجئوا إلى الجبل كما رأيت هل أنت مسلم ما ضمنت؟ قال: لا يا أبا الحسن ولكنّي‌ أضيف هذا إلى ما رأيت منك ومن رسول اللّه -صلى اللّه عليه وآله- واللّه يفعل ما يشاء ويختار.

 فقال أمير المؤمنين ’: يا عمر انّ الذي تقول أنت وحزبك الظالمون‌ انّه سحر وكهانة انّه ليس منهما، فقال له عمر: يا أبا الحسن ذلك قول من مضى والأمر فينا في هذا الوقت ونحن أولى‌ بتصديقكم في أعمالكم وما نراه إلّا من عجائبكم إلّا إنّ الملك عقيم.

فخرج أمير المؤمنين ’ فلقيناه، فقلنا له: يا أمير المؤمنين ما هذه الآية العظيمة وهذا الخطاب الذي قد سمعناه؟ فقال أمير المؤمنين: هل علمتم أوّله؟ فقلنا: ما علمناه يا أمير المؤمنين، ولا نعلمه إلّا منك. فقال: إنّ هذا ابن الخطّاب قال لي: إنّه حزين القلب، باكي العين على جيوشه التي في فتح‌ الجبل في نواحي نهاوند، فإنّه يحبّ أن يعلم صحّة أخبارهم وكيف هم مع ما دفعوا إليه‌ من كثرة جيوش الجبل، وأنّ عمرو بن معد يكرب‌ قتل ودفن بنهاوند، وقد ضعف جيشه وانحلّ‌ بقتل عمرو.

 فقلت له: ويحك يا عمر تزعم أنّك الخليفة في الأرض والقائم مقام رسول اللّه -صلى اللّه عليه وآله- وأنت لا تعلم ما وراء اذنك، وتحت قدمك، والإمام يرى الأرض ومن‌ فيها ولا يخفى عليه من أعمالهم شي‌ء، فقال: يا أبا الحسن فأنت بهذه الصورة فأيّ شي‌ء خبر سارية الساعة وأين هو ومن معه وكيف صورتهم؟

فقلت له: يا بن الخطّاب إن قلت لك لم تصدّقني، ولكنّي اريك جيشك وأصحابك وسارية وقد كمن لهم جيوش الجبل‌ في واد قفر، بعيد الأقطار، كثير الأشجار، فإن سار جيشك إليهم يسيرا أحاطوا به فقتل أوّل جيشك وآخره، فقال لي: يا أبا الحسن، فما لهم من‌ ملجأ منهم ولا مخرج من ذلك الوادي، فقلت: بلى، لو لحقوا إلى الجبل الذي إلى الوادي لسلموا وملكوا جيش‌ الجبل، فقلق وأخذ بيدي وقال: اللّه اللّه يا أبا الحسن في جيوش المسلمين إمّا أن ترينهم كما ذكرت أو تحذّرهم إن قدرت، و لك ما تشاء، و لو خلع نفسي من (الخلافة) هذا الأمر و أردّه إليك‌ .

فأخذت عليه عهد اللّه وميثاقه إن رقيت به المنبر وكشفت له عن بصره وأريته‌ جيشه في الوادي، وأنّه يصيح عليهم‌ فيسمعون منه ويلجئون إلى الجبل فيسلمون ويظفرون فيه‌ أن يخلع نفسه من الخلافة ويسلّم حقّي إليّ، فقلت له: قم يا شقيّ فو اللّه لا وفيت بهذا العهد والميثاق (كما لم تف للّه‌ ولرسوله ولي بما أخذناه عليك من العهد والميثاق والبيعة في جميع المواطن.

فقال لي: بلى واللّه، فقلت له: ستعلم أنّك من الكاذبين، ورقوت المنبر ودعوت‌ بدعوات وسألت اللّه أن يريه ما قلت له، ومسحت بيدي على عينيه، وقلت له وكشف عنه غطاؤه ونظر إلى سارية وسائر الجيش وجيش الجبل وما بقي إلّا الهزيمة لجيشه. وقلت: صح يا عمر إن شئت، قال: وأسمع؟ قلت له: وتسمع وتنادي بصوتك إليهم، فصاح الصيحة التي سمعتموها يا سارية الجبل الجبل، فسمعوا صوته ولجئوا إلى الجبل، فسلموا وظفروا ونزل ضاحكًا كما رأيتموه وخاطبته وخاطبني بما قد سمعتم.

قال جابر: فآمنّا وصدّقنا وشكّ آخرون إلى أن ورد البريد بحكاية ما حكاه أمير المؤمنين ’ ورآه عمر، ونادى بأعلى‌ صوته فكان أكثر العوام المتمرّدين، وابن الخطّاب جعلوا هذا الحديث له منقبة، واللّه ما كان إلّا مثلبًا"([12]).

وعليه أي تشنيع في المسألة على عمر بن الخطاب يرجع علي بن أبي طالب.

ثالثاً: موافقة عنصر التراب لعمر بن الخطاب رضي الله عنه.

قال: "وأما موافقة عنصر التراب له فذلك أن الأرض زلزلت في أيامه واضطربت، فضربها برجله، وقيل: بدرّته، وقال: أتزلزلين وأنا أعدل عليك، فما زلزلت في حياته بعد تلك المرة قط"([13]).

الرد من وجوه:

أولا: القصة لا سند لها، فلا يحتج بها.

 ثانيًا: أين هذا، مما رواه الرافضة في كتبهم من أن الإمام هو رب الأرض.

قال علي النمازي: "قوله تعالى: {ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ} [سورة الزمر:69]. تفسير علي بن إبراهيم: عن الصادق ’ في هذه الآية قال: رب الأرض إمام الأرض"([14]).

وورد في رواياتهم، أنه لا يكون شيء في الأرض إلا بإذن الإمام، حتى الرعد والبرق.

روى المفيد بسنده عن سماعة ابن مهران قال: " كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فأرعدت السماء وأبرقت فقال أبو عبد الله ’: أما إنه ما كان من هذا الرعد، ومن هذا البرق فإنه من أمر صاحبكم قلت: من صاحبنا؟ قال: أمير المؤمنين"([15]).

 

رابعاً: موافقة عنصر النار لعمر بن الخطاب رضي الله عنه.

وقد أورد صاحب الكتاب قصتين:

(الأولى): قال: "وأما موافقة عنصر النار، فقد قال السبكي: إن نارًا كانت تخرج من كهف في جبل فتحرق ما أصابت، فخرجت في زمن عمر، فأمر أبو موسى الأشعري أو تميمًا الداري أن يدخلها الكهف، فجعل يحبسها بردائه، حتى أدخلها الكهف فلم تخرج بعد ([16]).

والرد على هذا:

أولاً: الأثر لا سند له، قال محمد رشيد رضا:" لا أعرف لهذا الأثر سندًا قويًّا ولا ضعيفًا، ولا يخلو خروج هذه النار من أن يكون بسبب أو بغير سبب، فإن كان الثاني فهو خارقة من الخوارق فكيف وقعت تلك الخارقة؟ وهل كانت كرامة لصحابي أو ولي آخر غير معروف، ثم زالت بكرامة آخر، أم تقع الخوارق بنفسها؟ وإن كانت بسبب، فما هو ذلك السبب؟ وأين ذلك الكهف، وهل لتلك النار من أثر فيه؟ إذا وقفنا على أجوبة صحيحة لهذه الأسئلة نتكلم عنها، ومن الحماقة إضاعة الوقت في إيراد الاحتمالات الخيالية والخوض فيها مع الخائضين"([17]).

ثانيًا: الذي يتحكم في النار، ولا تصيبه بأي شيء هو الإمام عند الرافضة.

قال هاشم البحراني: "وفي (ثاقب المناقب): أنّه لمّا أمر الدوانيقي الحسن بن زيد- وهو واليه على المدينة- بإحراق دار أبي عبد اللّه ’ بأهلها فأضرم فيها النار وقويت، خرج ’ من البيت ودخل النار ووقف ساعة في معظمها، ثمّ خرج منها وقال: «أنا ابن أعراق الثرى» وعرق الثرى لقب إبراهيم"([18]).

(الثانية) وقال أيضًا: "وورد في الموطأ عن مالك بن أنس أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب d سأل رجلا عن اسمه، فقال: جمرة، فقال عمر: ابن من؟ قال: ابن شهاب. فقال: ممن؟ قال: من الحرقة، فقال: وأين مسكنك؟ فقال: بحرة النار، فقال: بأيها؟ قال: بذات لظى، فقال: أدرك أهلك فقد احترقوا فكان الأمر كما قال عمر d. فقد وافقه عنصر النار في هذه أيضا"([19]).

الرد من وجوه:

أولا: أن هذا من باب الإلهام، وقد ثبت وصح عندنا أن عمر ¢ كان محدثًا وملهمًا.

قال الحافظ ابن عبد البر: "لا أدري ما أقول في هذا، إلا أنه قد ثبت عن النبيs أنه قال: "سَيَكُونُ بَعْدِي مُحَدَّثُونَ، فَإِنْ يَكُنْ فَعُمَرُ"([20]). وقد يوجد هذا في مَنْ دون عمر من الذكاء وحسن الظن حتى لا يكاد يخطئه ظنه، والله عز وجل أعلم، في احتراق أهل المخبر، وكأنه من نحو ما روي من قوله جل وعلى: "البَلَاءُ مُوَكَّلٌ بِالْمَنْطِقِ"([21]). فصادف قوله قدرًا سبق في علم الله عز وجل"([22]).

والإلهام يثبته الشيعة لغير الأئمة، كسلمان الفارسي.

ثانيًا: قيل أنَّ هذا من باب الفراسة، وهي أمر ثابت في الشريعة لا ينكره إلا جاهل.

قال ابن العربي: "اختلف في هذا الحديث، فمنهم من قال: إن عمر أدركه إلهام من الله تعالى ألقاهُ في روعهِ، كما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ في كل أمة محدثين، وإن عمرَ منهم"، وقيل: إنما ذلك فراسة واستدلال بظاهرٍ على باطنٍ وإنفاذ قضاء سابق بسبب حاصلٍ، والحكمة التي استدل بها عمر وتفرَّسها اجتماع النار عليه من كل وجهٍ فيه، وفي أبيه، وفي جهته، ومحله، ومسكنه فأخرجها عُمر له في الدنيا رجاء أن يعصمَهُ الله تعالى منها في الآخرةِ، وكانَ ذلك تعليمًا لتحسين الأسماء"([23]).

ثالثًا: هذا الأمر ليس من باب الولاية التكوينية في شيء، بخلاف ما يثبته الرافضة للأئمة.

قال المفيد: "إن الأئمة من آل محمد (ص) قد كانوا يعرفون ضمائر بعض العباد ويعرفون ما يكون قبل كونه"([24]).

 

([1]) المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية- شمس الدين السفيري الشافعي (1/97).

([2]) المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية، شمس الدين السفيري الشافعي(1/97).

([3]) الضعفاء والمتروكين، النسائي (1/203).

([4]) نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر، ابن حجر (ص101).

([5]) تقريب التهذيب، ابن حجر (٢/٣٢).

([6]) طبقات المدلسين، تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس، ابن حجر (ص9).

([7]) الثاقب في المناقب، ابن حمزة الطوسي (ص155 – 156).

([8]) المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية، شمس الدين السفيري الشافعي (1/97).

([9]) مدينة معاجز الأئمة الاثني عشر ودلائل الحجج على البشر، هاشم البحراني (4/254).

([10]) المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية، شمس الدين السفيري الشافعي (1/97-98).

([11]) البداية والنهاية، ابن كثير (7/131).

([12]) مدينة معاجز الأئمة الإثني عشر ودلائل الحجج على البشر، هاشم البحراني (2/14-18).

([13]) المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية، شمس الدين السفيري الشافعي (1/98).

([14]) مستدرك سفينة البحار، علي النمازي (4/47).

([15]) الاختصاص، المفيد (ص 327).

([16]) المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية، شمس الدين السفيري الشافعي (1/99).

([17]) مجلة المنار، محمد رشيد رضا (2/658).

([18]) مدينة معاجز الأئمة الإثني عشر ودلائل الحجج على البشر، هاشم البحراني، السيد هاشم (5/296).

([19]) المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية، شمس الدين السفيري الشافعي (1/99).

([20]) انظر صحيح البخاري (3689).

([21]) أخرجه القضاعي (227).

([22]) الاستذكار لابن عبد البر (8/514).

([23]) القبس في شرح موطأ مالك بن أنس، ابن العربي (ص1149).

([24]) أوائل المقالات في المذاهب والمختارات، المفيد (ص67).


لتحميل الملف pdf

تعليقات