زعم الشيعة: أن البخاري يكذب عائشة رضي الله عنها في بول النبي صلي الله عليه وسلم قائمًا.

الشبهة: قال محسن الخياط: "البخاري في صحيحه يُكذّب عائشة!! قال ابن ماجه حدثنا علي بن حُجر: أخبرنا شَريك، عن المقدام بن شُريح، عن أبيه، عن عائشة أنّها قالت: "مَنْ حَدَّثَكُمْ أنّ رسول الله صلي الله عليه وسلم بال قائماً فلا تُصدّقوهُ، ما كان يبول إلاّ جالساً". قال الترمذي: حديث عائشة أحسنُ شيء في الباب وأَصَحّ. هنا، لاحظ البخاري كيف يُكذّب عائشة! قال البخاري: حدثنا آدمُ قال: حدثنا شُعبةُ، عن الأعمشِ، عن أبي وائلٍ، عن حذيفةَ قال: أتى النبي صلي الله عليه وسلم سُباطةَ قومٍ، فبال قائماً، ثمّ دعا بماءٍ، فجئتُهُ بماءٍ، فتوضّأ. أورد البخاري هذا الحديث في (صحيحه!)، وفيه أنّ النبي صلي الله عليه وسلم كان يبول واقفاً، وهو على مَزْبَلَةِ قَومٍ!، مُكذّباً عائشة في حديثها الأوّل! تُرى نُصدق عائشة؟ أَمْ نُصَدّق البخاري؟!".

الرد علي الشبهة:

أولاً: لا أدري أين وجه التكذيب في الموضوع؟ فعائشة رضي الله عنها حكت على حسب ما تعلم من حال رسول الله صلي الله عليه وسلم في بيته، أما خارج البيت فليس لها أن تطلع على ذلك. فلا تعارض بين الحديثين؛ لأن النبي صلي الله عليه وسلم لم يبل قائما في منزله قط، فهي حدثت بما علمت وعهدت من النبي صلي الله عليه وسلم داخل بيته.

قال ابن حجر: "وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهُ مُسْتَنَدٌ إِلَى عِلْمِهَا، فَيُحْمَلُ عَلَى مَا وَقَعَ مِنْهُ فِي الْبُيُوتِ، وَأَمَّا فِي غَيْرِ الْبُيُوتِ فَلَمْ تَطَّلِعْ هِيَ عَلَيْهِ وَقَدْ حَفِظَهُ حُذَيْفَةُ وَهُوَ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ".([1])

فنفيها، قابله إثبات حذيفة رضي الله عنه، والقاعدة أن المثبت مقدم على النافي؛ لأن المثبت معه زيادة علم، وهذا لا يستلزم تكذيب النافي، لأنه تكلم حسب علمه.

قال عبد العزيز الراجحي: "لقد خفي على عائشة رضي الله عنها أنه بال قائماً، وحديث حذيفة مقدم على حديث عائشة؛ لأن المثبت معه علم خفي على النافي، فعائشة نفت؛ لأنه خفي عليها، وحذيفة أثبت أنه (أتى سباطة قوم فبال قائماً)، والمثبت مقدم على النافي؛ ولأن عائشة لا تعلم حاله خارج البيت، وإنما تعلم ما كان يفعله داخل البيت، فخفي عليها ذلك، وأثبت ذلك حذيفة... على أنه يمكن الجمع بينهما، وهو أن حديث عائشة محمول على أنه في البيت، ففي البيت ما كان يبول إلا جالساً، وأما في الصحراء فإن حذيفة أثبت أنه بال قائماً، وهذا فعله مرة ليدل على الجواز، ولحاجة دعت إلى ذلك؛ ولهذا خفي على عائشة".([2])

فالقضية لا تعدو كون هذا الأمر خفي على عائشة رضي الله عنها؛ لأنه كان خارج البيت، وليس لها الاطلاع على مثل هذا، فنفت الأمر، بناء على العادة المستمرة للنبي صلي الله عليه وسلم في البول قاعدًا، فلا يكون المثبت مكذبًا لها؛ لأنه اطلع على غير ما اطلعت عليه.

 قال علي الميلاني: "إنّ من القواعد المسلّمة لدى جميع أهل العلم، ولا سيما علماء الأصول ـ هي القاعدة المعروفة بـ «تقدم المثبت على النافي»".([3])

 

ثانيًا: اختلاف الصحابة رضي الله عنهم في مسألة، لا يدل أن أحدهم كاذب وحاشاهم، بل اختلافهم قد يكون لخفاء الدليل عن أحدهم، أو عدم بلوغه الناسخ له، ونحو ذلك.

وقد أشار إلى هذا المعنى جعفر الصادق كما رواه عنه الكليني في (الكافي)، عن منصور بن حازم قال: "قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما بالي أسألك عن المسألة فتجيبني فيها بالجواب، ثم يجيئك غيري فتجيبه فيها بجواب آخر؟ فقال: إنا نجيب الناس على الزيادة والنقصان، قال: قلت: فأخبرني عن أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم صدقوا على محمد صلي الله عليه وسلم أم كذبوا؟ قال: بل صدقوا، قال: قلت: فما بالهم اختلفوا؟ فقال: أما تعلم أن الرجل كان يأتي رسول الله صلي الله عليه وسلم فيسأله عن المسألة فيجيبه فيها بالجواب ثم يجيبه بعد ذلك ما ينسخ ذلك الجواب، فنسخت الأحاديث بعضها بعضًا".([4])

 

ثالثًا: إن كان هذا يعتبر تكذيبًا لعائشة رضي الله عنها في كلامها، وهي عند المسلمين غير معصومة تصيب وتخطئ، وتعلم وتجهل، فما حكم الرافضة على من يكذب المعصوم في كلامه، ويصفه بالتناقض في فتاويه؟

قال الطوسي: " عن النضر بن سويد عن شعيب العقرقوفي قال كنت عند أبى عبد الله عليه ‌السلام ومعنا أبو بصير وأناس من أهل الجبل يسألونه عن ذبائح أهل الكتاب فقال لهم أبو عبد الله عليه ‌السلام: قد سمعتم ما قال الله في كتابه فقالوا له: نحب أن تخبرنا فقال: لا تأكلوها، فلما خرجنا من عنده قال أبو بصير: كلها في عنقي ما فيها فقد سمعته وسمعت أباه جميعا يأمران بأكلها، فرجعنا إليه فقال لي أبو بصير: سله، فقلت له: جعلت فداك ما تقول في ذبائح أهل الكتاب؟ فقال: أليس قد شهدتنا بالغداة وسمعت!؟ قلت: بلى، فقال: لا تأكلها: فقال لي أبو بصير في عنقي كلها ثم قال لي: سله الثانية فقال لي مثل مقالته الاولى، وعاد أبو بصير فقال لي قوله الاول: في عنقي كلها ثم قال لي: سله فقلت: لا أسأله بعد مرتين".([5])

 والحديث قال عنه المجلسي:" الحديث السابع عشر: صحيح".([6])  

فما حكم أبي بصير الذي كذب المعصوم، حتى تسبب بحيرة لهؤلاء الذين جاؤوا يسألونه عن حكم هذه المسألة؟ وقد حاول علماء الرافضة الترقيع لما صدر عن أبي بصير وقلة أدبه مع المعصوم.

قال محمد هاشم چهار سوقي: "وما صدر منه من سوء الأدب إنّما كان لشرف من احتمل حضوره من المخالفين أو من حضر منهم عن توهّمهم اتباعه لأهل البيت عليهم السلام، وقد يخطر ببالي أنّ حرمة ذبيحة أهل الكتاب لم تتّضح في أزمنة ورود الأخبار الصريحة في الحلّية، ولذا وقع الاختلاف بين رؤساء أصحاب الأئمّة عليهم السلام في الحلّية والحرمة".([7])

ولا ندري كيف تخفى هذه المسألة على مثل أبي بصير وهو من هو عندهم، لدرجة أن يكذب المعصوم ويرد قوله، ويسيء الأدب في حضرته؟

 

والحمد الله رب العالمين

وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

[1]- فتح الباري- ابن حجر- (1/ 330).

[2]-  شرح سنن النسائي- عبد العزيز الراجحي- (2/ 25).

[3]-  نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار- علي الحسيني الميلاني- (6/131).

[4]-  الكافي- الكليني- (1/ 65).

[5]- تهذيب الأحكام- الطوسي- (9/ 66).  

[6]-  ملاذ الأخيار في فهم تهذيب الأخبار- المجلسي- (14/ 252).

[7]-  رسالة في أحوال أبي بصير- محمد هاشم چهار سوقي- (ص 500).