زعمهم أن جَوَاري عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه كنّ يخدمْنَ وهنّ كاشفات شعورهن، تضطرب ثُدِيُّهُن

الشبهة: قال علي الكوراني: «وكانت جواري عمر في دار الخلافة متبرجات! روى البيهقي في «سننه» (2/ 227) عن أنس قال: «كن إماء عمر رضي الله عنه يخدمننا كاشفات عن شعورهن، تضطرب ثديّهن»! وقال السرخسي في «المبسوط» (9/12): «حديث أنس رضي الله عنه: كن جواري عمر رضي الله عنه يخدمن الضيفان كاشفات الرؤوس، مضطربات الثدي»! وقال الألباني في «إرواء الغليل» (6/204): «كن إماء عمر رضي الله عنه يخدمننا كاشفات عن شعورهن، تضطرب ثديّهن. قلت: وإسناده جيد، رجاله كلهم ثقات غير شيخ البيهقي أبي القاسم عبد الرحمن بن عبيدالله الحربي، وهو صدوق، كما قال الخطيب (10 /303)، وقال البيهقي عقبه: والآثار عن عمر ابن الخطَّاب رضي الله عنه في ذلك «صحيحة»! انتهى.
وقد أعطى فقهاء السلطة حكم الشرعية لهذا التبرج؛ فقال السرخسي: (10/151): «وكان عمر إذا رأى أمة متقنعة علاها بالدرة، وقال: ألقي عنك الخمار يا دفار، وقال عمر: إن الأمة ألقت قرونها من وراء الجدار، أي: لا تتقنع. قال أنس: كن جواري عمر يخدمن الضيفان كاشفات الرؤوس، مضطربات البدن. ولأن الأمة تحتاج إلى الخروج لحوائج مولاها، وإنما تخرج في ثياب مهنتها، وحالها مع جميع الرجال في معنى البلوى بالنظر والمس كحال الرجل في ذوات محارمه! فيظهر أن معاوية أخذ هذا الفقه من عمر» .

الرد علي الشبهة:

 أولًا:   إن الرواية الصحيحة عند البيهقي V في «سننه»: «كنّ إماء عمر I يخدمننا كاشفاتٍ عن شعورهنّ، تضرب ثديّهنّ»[1].

وأما رواية «تضطرب ثديهن»: فهي عند يحيى بن سلام في «تفسيره»[2]، وفي إسنادها نصر بن طريف، وهو متهم بالكذب، قال يحيى: «من المعروفين بوضع الحديث».

وقال الفلاس: «وممن أجمع عليه من أهل الكذب أنه لا يروي عنهم قوم، منهم: أبو جزي القصاب نصر بن طريف»[3].

والفرق أن الرواية التي عند البيهقي فيها وصف للشعر فقط، ومعناه: أن الشعر يضرب الصدر من سرعة الحركة والدأب في الخدمة، أما الثانية ففيها وصف للصدر نفسه أنه يضطرب، وهذا لا يصح.

ثانيًا:   لا شك أن الشرع فرّق بين الأمة والحرة في أحكام الحجاب، وما فعله عمر ابن الخطَّاب I لا محذور فيه من ناحية الشريعة، لا عند السُّنَّة ولا عند الشيعة.

فأما عند أهل السُّنَّة، فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية V: «قوله تعالى: ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّأَزۡوَٰجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ يُدۡنِينَ عَلَيۡهِنَّ مِن جَلَٰبِيبِهِنَّۚ ذَٰلِكَ أَدۡنَىٰٓ أَن يُعۡرَفۡنَ فَلَا يُؤۡذَيۡنَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا ٥٩ ﴾ [الأَحۡزَاب: 59] الآية: دليلٌ على أنَّ الحجاب إنَّما أمر به الحرائر دون الإماء؛ لأنَّه خصّ أزواجه وبناته، ولم يقل: وما ملكت يمينك، وإمائك، وإماء أزواجك وبناتك، ثمَّ قال: ﴿ وَنِسَآءِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ﴾ [الأَحۡزَاب: 59] ، والإماء لم يدخلن في نساء المؤمنين، كما لم يدخل في قوله: ﴿ نِسَآئِهِنَّ ﴾ [النُّور: 31]  ما ملكت أيمانُهنّ، حتَّى عطف عليه في آيتي النّور والأحزاب»[4].

ومن اعترض على هذا الحكم فهو جاهل بالنكتة في ذلك، فإنه لما كانت الإماء تكثر الحاجة إليهن في الخدمة وأمور المهنة، وكنّ مبتذلاتٍ بكثرة الذهاب والمجيء، وكان فرض الحجاب عليهن مما يشق مشقةً بالغة؛ كان هذا الحكم تخفيفًا من الشرع، ثم إن الأمة مملوكة تباع وتشترى، فكيف ستباع وتشترى إن كانت متخفية ومحتجبة؟! ولذلك فرّق الشرع بين الأمة التي للتسري والتي للخدمة.

قال ابن القيم: «وأما إماء التسرّي اللاتي جرت العادة بصونهن وحجبهن، فأين أباح الله ورسوله لهن أن يكشفن وجوههنّ في الأسواق، والطّرقات، ومجامع الناس، وأذن للرجال في التمتع بالنظر إليهن؟! فهذا غلط محض»[5].

ثالثًا:   إنّ من يشغب بهذا من الشيعة فهو من أجهل الناس بفقه الشيعة، فإن عورة الأمة عند الشيعة ما بين السرة والركبة!

ورد في كتاب «قرب الإسناد»[6]: «عن جعفرٍ، عن أبيه S أنَّه قال: إذا زوّج الرّجل أمته فلا ينظرنَّ إلى عورتها، والعورة ما بين السُّرَّة والرُّكبة».

بل إنهم حكموا على تغطية الأمة لشعرها عن الأجانب بالتحريم تارة، وبالكراهة تارة أخرى.

قال البحراني: «وظاهر الصدوق في كتاب «العلل» القول بتحريم الستر على الأمة؛ حيث قال: باب العلة التي من أجلها لا يجوز للأمة أن تقنع رأسها»، ورجح البحراني كراهة أن تغطي الأمة شعرها[7].

 وأوردوا في ذلك روايات كثيرة، بل حتى في الصلاة لا تغطي الأمة رأسها؛ فعن أبي عبد الله S قال: «سألته عن الأمة تقنع رأسها في الصلاة؟ قال: اضربوها حتى تعرف الحرة من المملوكة»[8].

رابعًا:     قالت الشيعة بجواز أن يحل الرجل جاريته للرجل بدون زواج، ولا شراء، ولا هبة...!

ففي «الكافي»-وقال المجلسي في «مرآة العقول»: «حسن»- عن أبي عبدالله S قال: «إذا أحلَّ الرجل للرجل من جاريته قبلةً لم يحلَّ له غيرها؛ فإن أحلَّ له منها دون الفرج لم يحلَّ له غيره؛ وإن أحلَّ له الفرج حلَّ له جميعها»[9].

وفي «الاستبصار» للطوسي[10] -وقال المجلسي الأول في «روضة المتقين»[11] في القوي كالصحيح-: «قال لي أبو عبد الله S: يا محمد خذ هذه الجارية تخدمك وتصب منها، فإذا خرجت فارددها إلينا».

وهذا الخبر معتبر، كما يقول على الطباطبائي في «رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل»[12]، واحتج به البحراني في «الحدائق الناضرة»[13].

قلت: فإذا كان يجوز في دين الإمامية أن يحل الرجل جاريته للرجل، فإنه لن ير شعرها فقط، بل إنه سيرى ويفعل ما بدا له أن يرى ويفعل!

 

[1]   «السنن الكبرى»، البيهقي (2/320) برقم (3222).

[2]   «تفسير يحيى بن سلام» (1/441).

[3]   «لسان الميزان» (6/153).

[4]   «مجموع الفتاوى» (15/448).

[5]   «أعلام الموقعين عن رب العالمين»، ابن القيم الجوزية، تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي. الطبعة الثانية، الرياض: دار عطاءات العلم (2/354).

[6]   «قرب الإسناد» (1/103).

[7]   «الحدائق الناضرة في أحكام العترة»، يوسف البحراني (7/18).

[8]   «مسند الإمام الصادق»، العطاردي (10/271).

[9]   «الكافي» (11/69).

[10]  «الاستبصار»، الطوسي (3/136).

[11]  «روضة المتقين» (8/437).

[12]  «رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل» (11/432)

[13]  «الحدائق الناضرة» (24/316).