زعمهم أن عمر رضي الله عنه كان يرضى بالاختلاط بين الرجال والنساء، ويأمر بالسفور!

الشبهة: احتج الشيعة برواية ابن جرير الطبري: «حدّثني عبد الله بن كثيرٍ العبديّ قال: حدَّثنا جعفر بن عونٍ قال: أخبرنا أبو جنابٍ قال: حدَّثنا أبو المحجّل الرّدينيّ، عن مخلدٍ البكريّ وعلقمة بن مرثدٍ، عن سليمان بن بريدة، أنَّ أمير المؤمنين كان إذا اجتمع إليه جيشٌ من أهل الإيمان أمّر عليهم رجلًا من أهل العلم والفقه... فدخلت -أي: الرجل الغريب- عليه، فإذا هو جالسٌ على مسحٍ متّكئٌ على وسادتين من أدمٍ محشوَّتين ليفًا، فنبذ إليّ بإحداهما، فجلست عليها، وإذا بهوٌ في صفّةٍ فيها بيتٌ عليه ستيرٌ، فقال: يا أمّ كلثومٍ، غداءنا! فأخرجت إليه خبزةً بزيتٍ في عرضها ملحٌ لم يدقّ، فقال: يا أمّ كلثومٍ، ألا تخرجين إلينا تأكلين معنا من هذا؟ قالت: إنّي أسمع عندك حسّ رجلٍ، قال: نعم، ولا أراه من أهل البلد- قال: فذلك حين عرفت أنَّه لم يعرفني- قالت: لو أردت أن أخرج إلى الرّجال لكسوتني كما كسا ابن جعفرٍ امرأته، وكما كسا الزّبير امرأته، وكما كسا طلحة امرأته! قال: أو ما يكفيك أن يقال: أمّ كلثومٍ بنت عليّ بن أبي طالبٍ وامرأة أمير المؤمنين عمرَ! فقال: كل، فلو كانت راضيةً لأطعمتك أطيب من هذا» .

الرد علي الشبهة:

أولًا:   هذه الرواية ضعيفة الإسناد، ففيها علتان:

الأولى: أبو جنابٍ الكلبي، قال عنه البخاري: «كان يحيى القطان يضعفه»[1]، وكذا قال النسائي[2].

وقال ابن الجوزي: «... وكان يحيى القطان يقول: لا أستحل أن أروي عنه، وقال أبو نعيم: كان يدلس أحاديث مناكير، وقال عمرو بن علي: متروك الحديث، وقال يحيى، وعثمان بن سعيد، والنسائي، والدارقطني: ضعيف، وقال يحيى ابن معين -مرة-: ليس به بأس إلا أنه كان يدلس، وكذلك قال أبو نعيم، وقال يحيى -مرة-: هو صدوق، وقال ابن حبان: كان يدلس عن الثقات ما سمع من الضعفاء، فالتزقت به المناكير التي يرويها عن المشاهير، فحمل عليه أحمد بن حنبل حملًا شديدًا»[3].

وذكره الإمام ابن حجر في «طبقات المدلسين» في المرتبة الخامسة[4].

الثانية: الإرسال بين سليمان بن بريدة وعمر I.

قال الذهبي في ترجمة سليمان بن بريدة: «مات سنة خمسٍ ومائةٍ، وله تسعون عامًا»[5]، وعليه؛ يكون عمر I مات وعُمْرُ سليمان بن بريدة ثمان سنوات؛ لأن عمر مات سنة ثلاث وعشرين، وبه يتبين أنَّه لا يصح تحمّله الرواية عن عمر I، ولم يذكر من حدثه، وبه تسقط القصة إسنادًا.

ثانيًا:   إن هذه الرواية ضعيفة من جهة الدراية.

قال الشيخ ابن باز V معلقًا على القصة: «وأما من حيث الدراية، فمن وجوه:

الأول: شذوذها ومخالفتها لما هو معلوم من سيرة عمر I وشدته في الحجاب، وغيرته العظيمة، وحرصه على أن يحجب النبي H نساءه حتى أنزل الله آية الحجاب.

الثاني: مخالفتها لأحكام الإسلام التي لا تخفى على عمر، ولا غيره من أهل العلم، وقد دل القرآن والسُّنَّة النبوية على وجوب الاحتجاب، وتحريم الاختلاط بين الرجال والنساء على وجه يسبب الفتنة ودواعيها.

الثالث: النكارة الشديدة في المتن التي تتضح لكل من تأملها.

وبكل حال، فالقصة موضوعة على عمر I بلا شك للتشويه من سمعته، أو للدعوة إلى الفساد بسفور النساء للرجال الأجانب واختلاطهن بهم، أو لمقاصد أخرى سيئة. نسأل الله العافية»[6].

ثالثًا:   إنه قد ورد في كتب الشيعة بأسانيد صححوها أن فاطمة J -وحاشاها-: «كان يدخل عليها سلمان الفارسي I في غياب زوجها فيراها متكشفة، فكانت تقول له: جفوتني فيرد عليها: حبيبتي، أأجفاكم؟!».

فقد روى المجلسي في «بحار الأنوار» رواية طويلة، وفيها: «قال علي S: يا سلمان، ائت منزل فاطمة بنت رسول الله H ، فإنها إليك مشتاقة، تريد أن تتحفك بتحفة قد أتحفت بها من الجنة، قلت لعلي S: قد أتحفت فاطمة عليها السلام بشيء من الجنة بعد وفاة رسول الله H ؟! قال: نعم بالأمس.

قال سلمان الفارسي: «فهرولت إلى منزل فاطمة عليها السلام بنت محمد H ، فإذا هي جالسة، وعليها قطعة عباء، إذا خمرت رأسها انجلى ساقها وإذا غطت ساقها انكشف رأسها، فلما نظرت إليّ اعتجرت، ثم قالت: يا سلمان، جفوتني بعد وفاة أبي H ، قلت: حبيبتي أأجفاكم؟!»[7].

وقد صحّح المجلسي هذه الرواية في كتابه «حلية المتقين في الآداب والسنن والأخلاق»، فقال: «والتمسوا من هذا العبد الحقير أن يكتب رسالة في بيان محاسن الآداب المستوحاة من الطريقة الصحيحة والمستقيمة للنبي H والأئمة الطاهرين Q بالأسانيد المعتبرة، فتوكلت على الله، وحررت هذه الرسالة ببضـاعتي القليلة لينتفـع بها المؤمنـون»[8].

فقـد اشترط أن يذكر في كتابه هذا ما كان سنده معتبرًا، ثم أورد هذه الرواية[9].

وقد وردت هذه الرواية عند الطبري الشيعي، وفيها يقول علي لسلمان: «سر إلى منزل فاطمة بنت رسول الله؛ فإنها إليك مشتاقة»[10].

ففي هذه الرواية يقول عليٌّ لأجنبي عن فاطمة: اذهب إليها؛ فإنها إليك مشتاقة! فأي طعن في أهل البيت أكبر وأشنع من هذا؟!

ونحن أهلَ السُّنَّة نبرّئ عمر، وعليًّا، وفاطمة، وأم كلثوم M جميعًا، من مثل هذا، ولا يسعنا إلا أن نقول: سبحانك هذا بهتان عظيم!

فاللهم ارض عن أصحاب نبيك وآل بيته الطيبين الطاهرين.


[1] «الضعفاء»، محمد بن إسماعيل البخاري (ص139).

[2] «الضعفاء والمتروكون»، أحمد بن علي بن شعيب النسائي (ص25).

[3] «الضعفاء والمتروكون»، عبد الرحمن بن علي بن الجوزي (3/193).

[4] «طبقات المدلسين»، أحمد بن علي بن حجر (1/57).

[5]   «سير أعلام النبلاء»، الذهبي (5/53).

[6] «مجموع فتاوى ابن باز» (4/205).

[7] «بحار الأنوار»، المجلسي (43/66، 92/37، 94/226، 95/37)، «منازل الآخرة والمطالب الفاخرة»، عباس القمي (ص299)، «نفس الرحمن في فضائل سلمان»، النوري الطبرسي (ص337)، «مهج الدعوات» (ص7).

[8] «حلية المتقين في الآداب والسنن والأخلاق»، المجلسي (ص14).

[9] السابق (ص389).

[10] «دلائل الإمامة»، محمد بن جرير الطبري (الشيعي) (ص107).