زعمهم أن عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه ابتدع العول في الميراث

الشبهة: يقول محمد طاهر القمي الشيرازي: «ومنها في كتاب «الأوائل» لأبي هلال العسكري: أن أول من أعال الميراث عمر، فقال ابن عباس: لو قدموا من قدمه الله، وهو الذي أهبط من فرض إلى فرض، وأخروا من أخره الله، وهو الذي أهبط من فرض إلى ما بقي، ما عالت فريضة قط. قال الزهري: فقلت له: مَن أول مَن أعال؟ قال: عمر بن الخطَّاب» .

الرد علي الشبهة:

 أولًا:   العول هو: أن تزيد سهام المسألة عن أصلها زيادة يترتب عليها نقص أنصباء الورثة، ففيه معنى الارتفاع والنقص.

ومثاله: إذا توفيت امرأة، وتركت: زوجًا، وأختين شقيقتين.

فالزوج: فرضه النصف؛ لعدم وجود فرع وارث وهم الأبناء؛ لقول الله تعالى: ﴿ وَلَكُمۡ نِصۡفُ مَا تَرَكَ أَزۡوَٰجُكُمۡ إِن لَّمۡ يَكُن لَّهُنَّ ﴾ [النِّسَاء: 12] والأختان: لهما الثلثان فرضًا؛ لقول الله تعالى: ﴿ وَلَدٞۚ فَإِن كَانَتَا ٱثۡنَتَيۡنِ فَلَهُمَا ٱلثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ ﴾ [النِّسَاء: 176].

فلو أعطى نصف التركة للزوج سينقص نصيب الأختين عن الثلثين، وإن بدأ بالأختين فأخذتا الثلثين سينقص نصيب الزوج عن النصف.

وهذه من المسائل النازلة التي لم تحدث قط في زمان رسول الله H ، ولا في زمان أبي بكر الصديق I.

فعرض الأمر على أمير المؤمنين عمر بن الخطَّاب I، كما عند البيهقي: «عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: دخلت أنا وزفر بن أوس بن الحدثان على ابن عبّاسٍ بعد ما ذهب بصره، فتذاكرنا فرائض المواريث، فقال ابن عبَّاسٍ: أترون من أحصى رَمْلَ عالجٍ عددًا لم يُحصِ في مالٍ نصفًا ونصفًا وثلثًا؟ إذا ذهب نصفٌ ونصفٌ فأين الثُّلث؟ فقال له زفر: يا أبا العبَّاس، مَن أوَّل من أعال الفرائض؟ قال: عمر بن الخطَّاب I، قال: ولم؟ قال: لَمَّا تدافعت عليه الفرائض وركب بعضها بعضًا، قال: والله ما أدري ما أصنع بكم، ولا أدري من قدَّم الله منكم ومن أخَّر، وما أرى في هذا المال أحسن من أن أقسمه بينكم بالحصص. قال ابن عبّاسٍ:
وايم الله لو قدَّم من قدَّم الله وأخر من أخر الله ما عالت فريضةٌ أبدًا، فقال له زفر: وأيَّهم قدَّم وأيَّهم أخَّر؟ قال ابن عباسٍ: كلُّ فريضةٍ لا تزول إلَّا إلى فريضةٍ فذلك الذي قدَّم، وكلُّ فريضةٍ لا تزول إلى فريضةٍ فذاك الذي أخر، فقال له زفر: فما منعك أن تشير عليه بهذا الرَّأي؟ قال: هِبْتُهُ والله، قال ابن إسحاق: فقال لي الزُّهْريُّ: لولا أنَّه تقدمه إمام هدًى مبنيٌّ أمره على الورع ما اختلف على ابن عبّاسٍ اثنان من أهل العلم»
[1].

فهذا هو تأصيل المسألة حتى تفهم.

ثانيًا:   إن الذي فعله عمر بن الخطَّاب I ما هو إلا استقراء للكتاب والسُّنَّة لاستنباط جواب مسألة فقهية لا بد من جوابها؛ إذ العول من المسائل التي سكت عنها الشرع، وكما قال الشيخ الشنقيطي: «ما كل ما سكت عنه الوحي يمكن أن يكون عفوًا، بل الوحي يسكت عن أشياءَ ولا بد البتة من حلها، ومن أمثلة ذلك: مسألة العول»[2].

ففي الشرع من النصوص ما نستطيع من خلال جمعها والنظر فيها، معرفة حكم ما سكت عنه، ومن ذلك مسألة العول.

 ودلالة كتاب الله على العول من حيث إنه من باب حجب النقصان.

فحجب النقصان في كتاب الله قد يكون بالانتقال، وقد يكون بالازدحام، فأما الانتقال فله في كتاب الله عدة صور:

(أ)     الانتقال من فرض إلى فرض أقل منه، كانتقال الزوج من النصف إلى الربع.

(ب)    الانتقال من فرض إلى تعصيب أقل منه، كانتقال البنت من النصف إلى التعصيب بالغير.

(جـ)   الانتقال من تعصيب إلى فرض أقل منه، كانتقال الأب من التعصيب إلى السدس.

(د)    الانتقال من تعصيب إلى تعصيب أقل منه، كانتقال الأخت لغير أم من التعصيب مع الغير إلى التعصيب بالغير.

وقد يكون حجب النقصان بالازدحام، وهو نقص نصيب الوارث بسبب كثرة المشاركين له في نوع الإرث، أو بسبب زيادة فرض المسألة على أصلها، وهو ثلاثة أنواع:

(أ) الازدحام في الفرض، كازدحام الزوجات في الربع والثمن.

(ب) الازدحام في التعصيب، كازدحام العصبة في الباقي.

(جـ) ازدحام الفروض في المسألة حتى تعول[3].

وشرح تفاصيل هذه الحالات يرجع إليه في مظانه، لكن المقصود أن كتاب الله دلَّ على مسألة (حجب النقصان بمجرد مشاركة وارث في نوع الإرث) فيقاس عليه الازدحام في أصل المسألة بزيادة الأسهم، فينقص كل فرد بمقدار نصيبه، وهذا تقرير الشرع.

ثالثًا:   وأما سنة النبي H ففي حديث ابن عباس في الصحيحين أن النَّبي H قال: «أَلحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا تَرَكَتِ الْفَرَائِضُ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ»[4].

وهذا الحديث دل على ثبوت العول في مسائل الفرائض، ووجه الاستدلال به: أن الرسول H أمر بإلحاق الفرائض بأهلها، ولم يخص بعضهم دون بعض، وجزم بعض العلماء أن هذه المسألة من مسائل الإجماع»[5].

فالحديث أمر بإعطاء أهل الفرائض فروضهم، تزاحموا أم لم يتزاحموا، فلما تزاحموا ولا مرجح -بدليل أن فروضهم مقدرة بالكتاب والسُّنَّة ابتداءً- وجب قسمة المال بينهم، كلٌّ بحسب ما فرض الله له في حدود المال، وهذا ما يصنعه العَوْل.

رابعًا:   إن الشرع قد جاء بما يسمى قسمة الغرماء، وذلك يكون عندما يضيق المال عن حقوق الدائنين، فإنهم يتحاصصون فيه بلا نكير، وهو عين العدل.

قال الشيخ الشنقيطي: «ومن ذلك أخذ الصَّحابة M في الفرائض بالعول، وإدخال النَّقص على جميع ذوي الفرائض قياسًا على إدخال النَّقص على الغرماء إذا ضاق مال المفلس عن توفيتهم، ولا شكَّ أنَّ العول الذي أخذ به الصحابة M أعدل من توفية بعض المستحقين حقهُ كاملًا ونقص بعضهم بعض حقهِ، فهذا ظلمٌ لا شكَّ فيه»[6].

وقد قرر الشيعة في أحكام التزاحم مثل ذلك، فقضى أبو جعفر به في عبد وماله: فـعن زرارة قال: «سألت أبا جعفرٍ S عن رجلٍ مات وترك عليه دينًا، وترك عبدًا له مالٌ في التّجارة، وولدًا، وفي يد العبد مالٌ ومتاعٌ، وعليه دينٌ استدانه العبد في حياة سيِّده في تجارته، وأنَّ الورثة وغرماء الميت اختصموا فيما في يد العبد من المال والمتاع، وفي رقبة العبد؟ فقال: أرى أن ليس للورثة سبيلٌ على رقبة العبد، ولا على ما في يده من المتاع والمال، إلَّا أن يضمِّنوا دين الغرماء جميعًا، فيكون العبد وما في يده من المال للورثة، فإن أبوا، كان العبد وما في يده للغرماء، يقوَّم العبد وما في يده من المال، ثمَّ يقسم ذلك بينهم بالحصص، فإن عجز قيمة العبد وما في يده عن أموال الغرماء، رجعوا على الورثة فيما بقي لهم إن كان الميَّت ترك شيئًا»[7].

قال المجلسي: «الحديث الثاني: موثق، ويدل على أن غرماء العبد يقتسمون غرماء المولى، كما ذكره الأصحاب»[8].

فهنا يقضي الباقر بأن التركة إذا لم تف بديون الغرماء تقسم بقدر الحصص، ويضمن الورثة الباقي، بل حتى لو ظهر غريم جديد فإنه يرجع على کلّ واحد بحصَّة یقتضیها الحساب، وهذا مقتضى قاعدة التزاحم التي أقر بها الشيعة أنفسهم.

خامسًا:   إن القول بعدم العول هو عين الظلم؛ لأن التقديم لبعض الورثة على بعض بغير دليل عمل بالظن، ففي قضية الزوج والأختين مثلًا إذا أنقصنا من نصيب الأختين، فقد ألحقنا بهما ضررًا بالغًا.

وقد نقض أهل العلم مذهب ابن عباس بمسألة الإلزام المعروفة التي تسمى بمسألة «المناقضة»، وصورتها: زوج - وأم - وأخَوَان لأم، فعلى مذهب ابن عباس الذي لا يرى العول، ولا يرى حجب الأم من الثلث إلى السدس إلا بثلاثة من الإخوة، ويرد النقص عند الازدحام على من يصير عصبة في وقت من الأوقات، فإنه هنا لو أعطى الأم الثلث على مذهبه، وأعطى الأخوات الثلث، والزوج النصف، لعالت المسألة ولا مخرج؛ لأنه لا يوجد فيها من يكون عصبة أبدًا، وإن أدخل النقص على أحد الورثة فقد ناقض مذهبه، وبه ينتقض مذهب ابن عباس I.

سادسًا:  إن القول بعدم العول هو تقديم للقياس على الكتاب، واجتهاد في مقابل النص، مع أن الظاهرية الذين ينكرون القياس ويوافقون ابن عباس في مذهبه هنا يعملون بالقياس عينه في أسوأ صوره؛ لأنهم يقيسون فريضة مقدرة في كتاب الله على نصيبه فيما لو صار عصبة، وهذا تحكم ظاهر، فالزوج عندهم مثلًا لا يدخل عليه النقص أبدًا؛ لأنه لا يصير عصبة بحال، مع أن الله أنقصه من النصف إلى الربع في حالة وجود الولد، وكذلك الزوجة، فبأي دليل حكموا على أن الذي قدمه الله هو الذي لا يزول إلا إلى فريضة؟!

هذا تحكم ظاهر، وقد يحرم صاحب فرض من إرثه تمامًا إذا تمسكنا بهذا المذهب.

سابعًا:   ذهب الصحابة الأجلاء زيد بن ثابت وعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب، ومن التابعين شريح وغيره إلى القول بالعول ودخول النقص على أصحاب الفروض في المسائل العائلة[9] وبه قال الجمهور من الشافعية[10] والحنابلة[11] والحنفية[12] والمالكية[13] والزيدية[14]، ولم يخالِفْ في ذلك إلا ابن عباس، ولم يظهر ذلك الخلاف إلا بعد زمان عمر I.

 وممن قال بالعول علي بن أبي طالب I في المسألة المنبرية: «عن الحارث عن عليٍّ I في امرأةٍ، وأبوين، وابنتين: صار ثُمنُهَا تُسْعًا»[15].

فقول عليّ I: «صار ثمنها تسعًا»؛ لأن هذه فريضة فيها ابنتان، وأبوان، وزوجة، الابنتان لهما الثلثان، والأبوان لكل واحد منهما السدس، فذلك يستغرق جميع التركة؛ لأن السدسين ثلث، وتبقى الزوجة تعول الفريضة، وأصلها من أربعة وعشرين، والأربعة والعشرون ثمنها ثلاثة فيعال فيها بثمن الزوجة، والثمن من أربعة وعشرين ثلاثة.

فهذا عمل صريح بالعول، وهذا مذهب علي بن أبي طالب I، وبه نُلْزِم الشيعة.

وأما ما رووه في كتبهم عن عدم القول بالعول ففيه من المفاسد التي سبق ذكرها من مخالفة كتاب الله وسنة رسوله H ، والقياس الصحيح، والعمل بالقياس الفاسد وغير ذلك مما ينقض مذهبهم.

ثامنًا:   النِّسب الموجودة في القرآن لا تدل على أنه لا بد أن تكون عبارة عن واحد صحيح، وإلا لبطل الرد أيضًا، والشيعة يقولون بالرد كما قال الخوئي: «المتسالم عليه بين فقهاء الشيعة تبعًا لما ورد عن أئمتهم Q أن ما يزيد عن الفروض يردُّ إلى ذوي الفروض بنسبة ما يرثون»[16].

وبه نفهم أن هذه الأنصبة المقدرة في القرآن لأصحاب الفروض لا يستفاد منها شيء واحد، وهو القدر المستحق من التركة لكل وارث، بل يستفاد منها مع ذلك: قدر هذا الحق بالنسبة لحقوق بقية الورثة منسوبًا لمجموع التركة، وذلك في حال زيادة الأسهم أو نقصها، كما في حالتي الرد والعول.

ولذلك فإن قول ابن عباس: «إنَّ الذي أحصى رملَ عالجٍ يعلم أنَّه لا يكون في المال نصفٌ ونصفٌ وثلثٌ، ذهب النِّصفان بالمال» قد رد عليه ابن المرتضى فقال: «لم يَرِدْ أنَّ الورثة يأخذون نصفًا ونصفًا وثلثًا، وإنَّما يذكر ذلك ليعرف قدر أصل السِّهام، ومقدار النَّقص عليهم، ولهذا قال عليٌّ S: «عاد ثُمنها تُسعًا»، فأدخل النّقص على جميع الورثة، ونظير ذلك ما نقول في الردِّ على بنتٍ وأمٍّ: للبنت النّصف، وللأمّ السّدس، والفريضة أصلها من ستَّةٍ، ثمَّ بالردِّ صارت من أربعةٍ، وإنَّما ذكرنا أنَّ أصلها من ستَّةٍ ليعرف حصة كلّ وارثٍ مِنَ الأصْلِ، وأنَّ الردَّ على قدر ذلك»[17].

إذًا العول ما هو إلا تقسيم للتركة على حسب ما قدَّر الله لكل وارث في الحقيقة.

تاسعًا: خالف الشيعة أمورًا واضحةً في كتاب الله في مسائل الميراث، ومن ذلك:

1-  عند الشيعة الإمامية ينفرد الابن الأكبر ببعض أشياء من التركة دون سائر الورثة.

فقد روى الكليني بسنده عن أبي عبد الله قال: «إذا مات الرَّجل فسيفه وخاتمه ومصحفه وكتبه ورحله وراحلته وكسوته لِأَكبَرِ ولَدِهِ، فإن كان الأكبر ابنةً فللأكبر من الذُّكور»[18].

ولا يخفى ما في هذا من تفضيل للابن الأكبر، وظلم لبقية الورثة، كما أنه مخالف لآيات المواريث التي ساوت بين الإخوة الذكور، ولم تميز أحدًا، وجعلت للذكر مثل نصيب الأنثيين، والله تعالى يقول: ﴿ ءَابَآؤُكُمۡ وَأَبۡنَآؤُكُمۡ لَا تَدۡرُونَ أَيُّهُمۡ أَقۡرَبُ لَكُمۡ نَفۡعٗاۚ فَرِيضَةٗ مِّنَ ٱللَّهِۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمٗا ١١ ﴾ [النِّسَاء: 11]، وقد أخذوا ذلك من العرب في الجاهلية؛ إذ كانوا يفضلون الابن الأكبر، ولا يعطون التركة إلا لمن حمل السلاح، ويحرمون منه الصغار والنساء، وأيضًا فإن اليهود يجعلون الابن البكر يتلقى ضعف ما يرثه إخوته الباقون، وهذه شريعة عند معظم مذاهب الكفر في الدنيا، فهذا الحكم مأخوذ من الكفار بلا شك.

2-     قالوا بأن الزوجة لا ترث من العقار شيئًا، وإنما لها ثَمَنُ الطوبِ والخشب.

وقد وضع الكليني بابًا بعنوان: باب [أن النساء لا يرثن من العقار شيئًا]، وذكر فيه قول أبي جعفر: «النساء لا يرثن من الأرض ولا من العقار شيئًا».
فعن زرارة، عن أبي جعفر
S: «أن المرأة لا ترث مما ترك زوجها من القرى والدور والسلاح والدواب شيئًا، وترث من المال والفرش والثياب ومتاع البيت مما ترك، ويقوَّم النقض والأبواب والجذوع والقصب فتعطى حقَّها منه»[19].

فأين هذا من كتاب الله الذي قال: ﴿ لَهُنَّ ٱلرُّبُعُ مِمَّا تَرَكۡتُمۡ إِن لَّمۡ يَكُن لَّكُمۡ وَلَدٞۚ فَإِن كَانَ لَكُمۡ وَلَدٞ فَلَهُنَّ ٱلثُّمُنُ مِمَّا تَرَكۡتُم ﴾ [النِّسَاء: 12] ؟ فالله يقول: ﴿ لَهُنَّ ٱلرُّبُعُ ﴾ ،  ﴿ فَلَهُنَّ ٱلثُّمُنُ ﴾ ، والشيعة يقولون: ليس لهن الربع مما ترك الميت، إنما لهن الربع من المال والطوب والخشب، أما الأرض والعقار فلا يرثن شيئا منه!

ولا شك أنهم أخذوا سنة عدم توريث النساء من العقار من الجاهلية، فقد رووا عن حكيم بن جابرٍ، عن زيد بن ثابتٍ أنَّه قال: «من قضاء الجاهليّة أن يورّث الرّجال دون النّساء»[20].

3-     عدم قولهم بالتعصيب، وهو في كتاب الله كثيرًا، قال تعالى: ﴿ يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيٓ أَوۡلَٰدِكُمۡۖ لِلذَّكَرِ مِثۡلُ حَظِّ ٱلۡأُنثَيَيۡنِ ﴾ [النِّسَاء: 11] ، فهذا توريث بالتعصيب بإجماع المسلمين؛ لأن الأولاد حازوا المال كله، ثم اقتسموه بينهم، ولا يوجد في الفروض حوز المال كله، إنما هذا شأن العصبة، وهم هاهنا مع أخواتهم عصبة بالغير.

قوله تعالى في الأخ الذي توفيت أخته: ﴿ تَرَكَۚ وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمۡ يَكُن لَّهَا وَلَدٞ ﴾ [النِّسَاء: 176] ، أي: يحوز مالَها كلَّه، وهذا شأن العصبة لا أصحاب الفروض؛ لأنه لا يوجد في جميع الفروض الستة فرض المال كله، بل أقصاه الثلثان، أما حَوْزُ المال كلِّه فشأن التعصيب.

وقوله تعالى: ﴿ وَإِن كَانُوٓاْ إِخۡوَةٗ رِّجَالٗا وَنِسَآءٗ فَلِلذَّكَرِ مِثۡلُ حَظِّ ٱلۡأُنثَيَيۡنِۗ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ أَن تَضِلُّواْۗ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمُۢ ١٧٦ ﴾ [النِّسَاء: 176]، وقوله تعالى: ﴿ إِنِ ٱمۡرُؤٌاْ هَلَكَ لَيۡسَ لَهُۥ وَلَدٞ وَلَهُۥٓ أُخۡتٞ فَلَهَا نِصۡفُ مَا تَرَكَ ﴾ [النِّسَاء: 176]، والنصف الباقي للعاصب، وإعطاء المال كله للأخت مراغمة بيّنة للقرآن، ومخالفة صريحة
لوصية الله في قسمة الميراث.

وقول الله تعالى: ﴿ فَإِن كُنَّ نِسَآءٗ فَوۡقَ ٱثۡنَتَيۡنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَۖ وَإِن كَانَتۡ وَٰحِدَةٗ فَلَهَا ٱلنِّصۡفُ ﴾ [النِّسَاء: 11]، وفيه نصت الآية الكريمة على حكمين يدلان على إرث التعصيب، أحدهما أن البنات أو الأخوات إذا تعددن فلهن الثلثان، وسكتت عن الباقي فعلم أنه للعاصب؛ إذ رده عليهن مخالفة صريحة لنص الآية، إلى غير ذلك من الآيات التي قررت التعصيب الذي أنكره الشيعة.

 

[1]   «السنن الكبرى»، البيهقي (12/568). قال ابن كثير في «مسند الفاروق» (1/382): «هذا إسناد جيد صحيح إلى عمر، وهو مشهور عنه»، وقد حسنه الألباني في «إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل» (6/145).

[2]   «مذكرة في أصول الفقه» (ص309- 310).

[3]   انظر: «الفرائض»، عبد الكريم اللاحم (ص100).

[4]   «صحيح البخاري» كتاب الفرائض باب: ميراث الولد من أبيه وأمه (8/153) برقم (6351)، «صحيح مسلم» كتاب الفرائض باب: «أَلحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا» (3/1233) برقم (1615).

[5]   «شرح حديث ابن عباس في الفرائض»، عبد المحسن بن محمد المنيف (ص124).

[6]   «أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن» (4/200).

[7]   «الکافي»، الكليني (10/508).

[8]   «مرآة العقول» (١٩/٤١٥).

[9]   انظر: «المحلى» (9/262 - 266).

[10]  انظر: «روضة الطالبين»، النووي (63/6)، «الوسيط في المذهب»، الغزالي (4/376 - 377)، «فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب» (2/14).

[11]  انظر: «المبدع في شرح المقنع»، ابن مفلح الحنبلي (5/355)، «الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف»، أبو الحسن علي بن سليمان بن أحمد المَرْداوي (ت ٨٨٥هـ) (17/430) ت التركي، «منار السبيل»، ابن ضويان (81/2).

[12]  انظر: «الدر المختار شرح تنوير الأبصار وجامع البحار»، علاء الدين الحصكفي الحنفي (ت١٠٨٨هـ) (ص766)، «المبسوط»، السرخسي (29/160).

[13]  «الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني»، أحمد بن غنيم النفراوي (2/262)

[14]  «البحر الزخار»، أحمد بن يحيى بن المرتضى (6/365:357).

[15]  «السنن الكبرى»، البيهقي (12/567).

[16]  «محاضرات في المواريث» (ص85).

[17]  «البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار» (16/43).

[18]  «الكافي» (7/86).

[19]  السابق (7/127).

[20]  السابق (7/75).