زعمهم أن عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه قال: «لولا علي لهلك عمر»

الشبهة: قال علي بن يونس العاملي: «وكذا أمر برجم مجنونة شهد عليها بالزنا، فأخرج البخاري أن عليًّا قال له: أما علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رفع القلم عن المجنون حتى يفيق؟! فقال: لولا عليٌّ لهلك عمر» .
يقول الأميني -معلقًا على ذلك-: «إن الخليفة لم يك متحليًّا بما أوجبته أعلام الأمة في الإمامة من الاجتهاد، قال إمام الحرمين الجويني في «الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد» : من شرائط الإمام أن يكون من أهل الاجتهاد؛ بحيث لا يحتاج إلى استفتاء غيره في الحوادث، وهذا متفق عليه.
فأين يقع من هذا الشرط بعد اتفاق الأمة عليه رجل لم يعط بسطة من العلم، ولم يك ما كان يعلمه يغنيه عن الناس، وإنما الأمة كانت في غنى عن ثرى علمه؟» .

الرد علي الشبهة:

أولًا:   إن هذا اللفظ الذي ذكره العاملي، ونسبه للبخاري غير موجود فيه، وهذا من كذبهم على كتب المسلمين، بل الذي في البخاري: «وقال عليٌّ لعمر: أما علِمتَ أنَّ القلم رفع عن المجنون حتَّى يفيق، وعن الصّبيّ حتَّى يدرك، وعن النّائم حتَّى يستيقظ؟»[1].

فأين عبارة: «لولا علي لهلك عمر» التي زعموا ورودها في رواية البخاري؟!

ثانيًا:   إن هذه اللفظة لم تصح في رواية واحدة عن عمر بن الخطَّاب I.

قال الشيخ إبراهيم بن عامر بن عليّ الرّحيلي: «وهذه الزيادة -وهي قوله: (لولا علي لهلك عمر)- ليست معروفة في الحديث، ولم يذكرها المحدثون الذي رووا هذا الحديث، فإن هذا الحديث أخرجه جمع من المحدثين من عدة طرق عن علي I كأبي داود، والترمذي، وابن ماجه، والإمام أحمد، ولم ترد هذه الزيادة في شيء من طرق الحديث، هذا وقد جمع ابن حجر طرق الحديث، وكذا الشيخ الألباني فذكرا طرقًا أخرى منقولة عن بعض كتب السُّنَّة الأخرى، فلم أعثر فيها لهذه الزيادة على ذكر»[2].

قلت: واللفظة ذكرها ابن عبد البر، قال: قال أحمد بن زهير: «حدَّثنا عبيد الله ابن عمر القواريري، حدَّثنا مؤمل بن إسماعيل، حدَّثنا سفيان الثوري، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيّب، قال: كان عمر...»[3].

وجاء في «فضائل الصحابة»: «حدَّثنا عبد الله، ثنا عبيد الله القواريريُّ قال: نا مؤمِّلٌ، ثنا ابن عيينة، عن يحيى بن سعيدٍ، عن سعيد بن المسيّب قال: كان عمر يتعوَّذ بالله من معضلةٍ ليس لها أبو حسنٍ»[4].

قلت: وكلتا الروايتين من طريق مؤمل بن كثير.

قال محقق الفضائل: «إسناده ضعيف. مؤمل هو ابن إسماعيل أبو عبد الرحمن العدوي: صدوق سيء الحفظ، وهو في معجم البغوي[5]، وذكره ابن عبد البر في الاستيعاب[6] من طريق القواريري»[7].

وبالجملة؛ فقد قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة: «والجواب: أنَّ هذه الزيادة ليست معروفةً في هذا الحديث»[8].

ثالثًا:   قال الشيخ البغدادي: «ولو تنزلنا وقلنا بصحته، فإن فيه فضائل لعمر وعلي L، ومنها:

 -   مشاورة عمر I للصحابة، والأخذ بأقوالهم الموافقة للشريعة، ولقد قال الله تعالى لنبيه H : ﴿ وَشَاوِرۡهُمۡ فِي ٱلۡأَمۡرِ ﴾ [آل عِمۡرَان: 159] ، فإذا كان النبي H المؤيَّد بالوحي مأمورًا بالمشاورة، فخلفاؤه M بالمشاورة أولى.

-    المحبة والتعاون على البر والتقوى بين عمر وعلي L.

-    عدم مكابرة عمر I وانصياعه للحق، وفي هذا دليل على التقوى والتواضع، والامتثال للحق.

-    أن عليًّا كان وزيرًا أمينًا لعمر L.

-    نجاة عمر I من المهلكة؛ وذلك لأن عليًّا I كان ملازمًا له، وحريصًا على نجاته، وعدم وقوعه في التهلكة.

-    أفعال عمر I التي كان يفعلها موافقة للحق، فكل فعل صدر من عمر، ولم يعترض عليه عليٌّ I فهو حق؛ وذلك لأن عليًّا I لا يسكت على الباطل، فلو كانت أفعال عمر I مخالفةً للحق لبين له علي I ذلك، وفي هذا دليل واضح على صحة خلافة عمر، وأنه لم يغتصب أي شي، ولو كان مغتصبًا لبين له عليٌّ ذلك حتى لا يهلِك»[9].

رابعًا:   أنه قد ورد عند الرَّافضة روايات تفيد وجوب إقامة الحد على المجنون إذا زَنَى، وبها أخذ كثير من علماء الشيعة.

قال المفيد: «والمجنون إذا زنَى أقيم عليه الحد، فجلدٌ إن كان بكرًا، وجلدٌ ورجمٌ إن كان محصنًا»[10].

وقال الطوسي: «فإن زنى مجنون بامرأة، كان عليه الحد تامًّا، جلد مائة أو الرجم»[11].

وقال الصدوق: «وإذا زنت المجنونة لم تحدَّ، وإذا زنى المجنون حُدَّ؛ لأنَّ المجنون يأتي وهي تؤتى»[12].

وقال القاضي ابن البراج في «المهذب»: «فإن لاط المجنون بغيره كان عليه الحد كاملًا»[13].

وقال يحيى بن سعيد الحلي: «ويحد المجنون والمعتوه إذا زنى أو لاط، أو ساحق -إن كان امرأة- على المنصوص، والمفعول بها مجنونة تعزر»[14].

قال الحلي -مبينًا ما استند عليه هؤلاء-: «احتج الشيخ بما رواه أبان بن تغلب، عن الصادق S قال: إذا زنى المجنون أو المعتوه جلد الحد، فإن كان محصنًا رُجِم، قلت: وما الفرق بين المجنون والمجنونة، والمعتوه والمعتوهة؟ فقال: المرأة إنما تؤتى والرجل يأتي، وإنما يأتي إذا عقل كيف يأتي اللذة، وإن المرأة تستكره ويفعل بها وهي لا تعقل ما يفعل بها»[15].

فهذه رواية عن الصادق في وجوب إقامة الحد على المجنون، وقد أخذ بها علماء الشيعة، فأين علم المعصومين؟! وأين علم علماء الشيعة بأن المجنون مرفوع عنه القلم؟!

خامسًا:   لو سلمنا جدلًا أنَّ عمر لم يعلم بأن المرأة مجنونة، فهذا لا يقدح في علمه I.

قال ابن تيمية: «ورجم المجنونة لا يخلو: إمَّا أن يكون لم يعلم بجنونها، فلا يقدح ذلك في علمه بالأحكام، أو كان ذاهلًا عن ذلك فذُكّر بذلك، أو يظنّ الظانُّ أنَّ العقوبات لدفع الضرر في الدنيا، والمجنون قد يعاقب لدفع عدوانه على غيره من العقلاء والمجانين، والزنا هو من العدوان، فيعاقب على ذلك حتَّى يتبين له أنَّ هذا من باب حدود الله تعالى الَّتي لا تقام إلَّا على المكلّف.

والشّريعة قد جاءت بعقوبة الصبيان على ترك الصَّلاة، كما قال H : «مُرُوهُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعٍ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْها لِعَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي المَضَاجِعِ»، والمجنون إذا صال ولم يندفع صياله إلَّا بقتله قتل، بل البهيمة إذا صالت ولم يندفع صيالها إلَّا بقتلها قُتلت، وإن كانت مملوكةً لم يكن على قاتلها ضمانٌ للمالك عند جمهور العلماء، كمالكٍ والشَّافعي وأحمد وغيرهم»[16].

قلت: وقد جاء في كتب الشيعة أن علي بن أبي طالب I قطع يد رجل لم يسرق، ولم يعلم بأن الشاهدين أخطآ واشتبه عليهما.

روى الكليني بسنده عن أبي جعفر قال: «قضى أمير المؤمنين S في رجل شهد عليه رجلان بأنه سرق فقطع يده، حتى إذا كان بعد ذلك جاء الشاهدان برجل آخر، فقالا: هذا السارق وليس الذي قطعت يده، إنما شبهنا ذلك بهذا، فقضى عليهما أن غرمهما نصف الدية، ولم يُجِزْ شهادتهما على الآخر»[17].

 وقال المجلسي عنه: «الحديث الثامن: حسن»[18].

* فهل نقول هنا: إن عدم علم عليّ I بخطأ الشهود يقدح في إمامته؟!

 

[1]   «صحيح البخاري»، كتاب الحدود وما يحذر من الحدود، باب: لا يرجم المجنون والمجنونة (8/165).

[2]   «الانتصار للصحب والآل من افتراءات السماوي الضال» (ص370).

[3]   «الاستيعاب في معرفة الأصحاب» (3/1102 -1103).

[4]   «فضائل الصحابة»، أحمد بن حنبل (2/647).

[5]   «معجم البغوي» (ص418).

[6]   «الاستيعاب» (3/39).

[7]   «فضائل الصحابة»، الإمام أحمد - تحقيق وصي الله بن محمد عباس (2/646 - 647).

[8]   «منهاج السُّنَّة النبوية» (6/45).

[9]   «الجواهر البغدادية في حوار الشيعة الإمامية»، أبو عبد الرحمن أحمد بن عبد الله بن عباس البغدادي (5/398).

[10]  «المقنعة»، المفيد (ص779).

[11]  «النهاية»، الطوسي (ص696).

[12]  «المقنع»، الصدوق (ص436).

[13]  «المهذب»، القاضي ابن البراج (2/530).

[14]  «الجامع للشرائع»، يحيى بن سعيد الحلي (ص552).

[15]  «مختلف الشيعة»، الحلي (9/146).

[16]  «منهاج السُّنَّة النبوية» (6/45 -46).

[17]  «الكافي»، الكليني (7/384).

[18]  «مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول»، المجلسي (24/228).