زعمهم أن عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه منع من التسمي بأسماء الأنبياء

الشبهة: مما شنع به علماء الرَّافضة على عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه ما روي عنه من النهي عن التسمي باسم نبيّنا صلى الله عليه وسلم، وبأسماء الأنبياء عمومًا. قال الأميني: «تكشف هذه الروايات عن موارد من الجهل: نهي الخليفة عن التسمية باسم النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم، وأمره المسمين به بتغيير أسمائهم، ونهيه عن التسمي بأسماء الأنبياء، وهي أحسن الأسماء بعد تلكم الأسماء المشتقة من أسماء الله الحسنى من محمد، وعلي، والحسن، والحسين» .
قال ميثاق عباس الحلي: «لقد كان للخليفة عمر بن الخطَّاب دورٌ بارزٌ في التدخل لتغيير أسماء بعض الصحابة وأبنائهم، بل منع من التسمية بأسماء الأنبياء، ونهى الخليفة عمر بن الخطَّاب الناس عن التسمية باسم (محمد) فقد ورد: (أن عمر كتب إلى أهل الكوفة: لا تسموا أحدًا باسم نبي، وأمر جماعةً بالمدينة بتغيير أسماء أبنائهم المسمين بـ(محمد) حتى ذكر له جماعةٌ من الصحابة أنه أذن لهم في ذلك فتركهم)» .

الرد علي الشبهة:

أولًا:    أما نهي عمر بن الخطَّاب I عن التسمي باسم (محمد)، فلم يثبت عنه، ولو صح لحمل على لعن المتسمّي بهذا الاسم، لا النهي عن التسمية به.

قال ابن الملقن: «وكتب عمر بن الخطَّاب إلى أهل الكوفة: «لا تسموا أحدًا باسم نبيٍّ»، وأمر جماعة بالمدينة بتغيير أسماء أبنائهم المسمّين بمحمد، حتَّى ذكر لي جماعة أنه H أذن لهم في ذلك، أو سماهم به فتركهم».

قال القرطبي: «وحديث النهي غير معروف عند أهل النقل، وعلى تسليمه فمقتضاه النهي عن لعن من تسمى بمحمد لا عن التسمية به، والنصوص دلت على إباحة التسمية به، بل قد ورد الحث على الترغيب فيه، وإن لم يصح فيه ولا في الإباحة، مع أن أحاديث النهي صحيحة».

وقيل: «إن سبب نهي عمر السالف أنه سمع رجلًا يقول لابن أخيه محمد بن زيد بن الخطَّاب: فعل الله بك يا محمد. فقال: وإن سيدنا رسول الله يسب؟! بل والله لا يدعى محمدًا ما بقيت، فسماه عبد الرحمن»[1].

ثانيًا:   مسألة التسمية بأسماء الأنبياء محل خلاف بين أهل العلم من قديم، والجمهور على الجواز.

قال النووي رحمه الله: «مذهبنا ومذهب الجمهور، جواز التسمية بأسماء الأنبياء والملائكة، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ولم ينقل فيه خلاف إلا عن عمر بن الخطَّاب I أنه نهى عن التسمية بأسماء الأنبياء. وعن الحارث ابن مسكين أنه كره التسمية بأسماء الملائكة. وعن مالك كراهة التسمية بجبريل وياسين. دليلنا: تسمية النبي H ابنه إبراهيم، وسمى خلائق من أصحابه بأسماء الأنبياء في حياته وبعده، مع الأحاديث التي ذكرناها، ولم يثبت نهي في ذلك عن النبي H ، فلم يكره»[2].

ثالثًا:      إن نهي عمر بن الخطَّاب I عن التسمي بهذه الأسماء، كان مراعاةً لجنابها، حتى لا يتسمّى بها من لا يستحقها.

قال القاضي عياض: «وقد ذكر عن عمر: لا يتسمى أحد باسم نبي، وكتب بذلك إلى أهل الكوفة. ولعلَّ تأويله ما قدمناه من تنزيه أسمائهم عن العبث بها فيمن سميت به؛ توقيرًا لهم، وتنزيهًا عن ذم أسمائهم، وأن يسمى بها غيرهم»[3].

 رابعًا:  إنه قد ثبت عن عمر بن الخطَّاب I أنه رجع عن هذا القول.

قال ابن القيم: «خفي عليه جواز التّسمّي بأسماء الأنبياء، فنهى عنه حتَّى أخبره به طلحة أنَّ النَّبي H كنّاه أبا محمّدٍ؛ فأمسك ولم يتماد على النّهي، هذا وأبو موسى ومحمَّد بن مسلمة وأبو أيُّوب من أشهر الصَّحابة، ولكن لم يمرّ بباله I أمرٌ هو بين يديه حتَّى نهى عنه»[4].

خامسًا:   ورد في كتب القوم كراهة بعض علمائهم التسمي بأسماء الأنبياء والأئمة بالنسبة للعبد أو المملوك؛ لعلة الخشية من إهانتها.

قال الجواهري: «وفي شرح الأستاذ استحباب الثلاثة في كل تملك؛ واختيار الأسماء الشريفة كعبد الله، وعبد النبي، وعبد علي، وبما يسمى به عبيدهم كقنبر، وبلال، وفضة، ونحوها؛ وأما التسمية بأسماء الأنبياء والأئمة فالأولى تركه؛ لخوف إهانة الاسم باستخدامه، والأمر سهل»[5].

ولم يشنع الرَّافضة عليه متهمين له بالجهل، بل اكتفي الجواهري بقوله: «والأمر سهل».

وقال جعفر كاشف الغطاء: «واختيار الأسماء الشريفة مما صدر بالعبودية، كعبد اللّه، وعبد النبي، وعبد علي، وما سمّي به عبيدهم كقنبر، وبلال، وفضة، ونحوها، وأما التسمية بأسماء الأنبياء والأئمة Q فالأولى تركه لخوف إهانة الاسم باستخدامه»[6].

فهل سيرمي الرَّافضة علماءهم بالجهل كما قدحوا في الفاروق I، مع أنهم عللوا الكراهة بهذا الذي ورد نفسه عن عمر I؟!

 


[1]   «التوضيح لشرح الجامع الصحيح»، ابن الملقن (18/430).

[2]   «المجموع شرح المهذب»، النووي (8/436).

[3]   «إكمال المعلم بفوائد مسلم»، القاضي عياض (7/10).

[4]   «إعلام الموقعين عن رب العالمين»، ابن القيم (2/193).

[5]   «جواهر الكلام»، محمد حسن النجفي الجواهري (24/170).

[6]   «شرح الشيخ جعفر على قواعد العلاّمة ابن المطهر»، جعفر كاشف الغطاء (ص337).