إنكارهم حديث: «لو كان نبي بعدي لكان عمر»

الشبهة: مما استنكره الرَّافضة مما ورد في حق عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطَّاب»، ورأوا أن هذا الحديث مما يخالف العقل والدين.
قال محمد المظفر: «يطلب منا أن نروي ما يخالف العقل والدين، كالأخبار القائلة: «لو لم أبعث لبعث عمر»، و«لو كان نبي بعدي لكان عمر»، المستلزمة لجواز بعثة من سبق منه الكفر» .

الرد علي الشبهة:

 أولًا:   الحديث الأول: «لو لم أبعث لبعث عمر» أخرجه ابن عدي في «الكامل»[1]، ومن طريقه ابن عساكر في «تاريخه» [2]، وابن الجوزي في «الموضوعات»[3] قال: حدثنا عمر بن الحسن بن نصر الحلبي، حدثنا مصعب بن سعيد
أبو خيثمة، حدثنا عبد الله بن واقد، حدثنا حيوة بن شريح، عن بكر بن عمرو، عن مشرح بن هاعان، عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله H : «لو لم أبعث فيكم لبعث فيكم عمر».

قال ابن عساكر: «وهذا بهذا اللفظ غريب، والمحفوظ...»، ثم ذكر اللفظ الأول.[4]

وهذا إسناد ضعيف جدًّا؛ حيث فيه:

 -   عبد الله بن واقد الحراني: وهو متروك الحديث، كبر فساء حفظه، وكان يدلس.[5]

 -   مصعب بن سعيد أبو خيثمة: وهو صدوق يخطئ، له مناكير، ويدلس.[6]

 ومتنه شاذ غير محفوظ.

أما الحديث الثاني: فقد أخرجه الترمذي بسنده، عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله H : «لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطَّاب»[7].

قال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث مشرح بن هاعان، والحديث فيه مقال وكلام بين أهل العلم، منهم من ضعفه كالإمام أحمد وغيره[8]، ومنهم من حسنه[9].

ثانيًا:   على فرض صحة الحديث، فإن فيه فضيلة ظاهرة لعمر I، وقد كان له فضائل ومناقب كثيرةٌ في الإسلام، وفي حديث: «لو كان نبيٌّ بعدي...» إشارةٌ إلى أنَّ النبوة قد ختمت بالنبي H ، وأنه آخر الأنبياء، أما قوله: «لكان عمر بن الخطَّاب»، أي: لكان أولى النَّاس بها عمر؛ لما كان له من عظيم فضلٍ وقوّةٍ في الحقّ، وفقهٍ بمراد الشّارع؛ فقد ثبت عنه I أنَّه قد وافق القرآن أكثر من مرّةٍ، وله من الفضائل غيرها الكثير.

 ولا يستلزم ذلك أن يكون أفضل من أبي بكر I.

يقول اللكهنوي نقلًا عن الخان: «ومضافًا إلى سخافة مضمون هذه الجملة وركاكتها، التي لا يمكن إطلاق لفظ الحديث عليها، فإنَّه يبطل ترتيب هذه الطائفة لفضل الخلفاء، إلا أن يختلقوا لأبي بكر: لو كان فيهما آلهة لكان فلان»[10].

وهذا غير لازم، فمثل هذه الأمور لا تنبني على المقاييس أو التقديرات العقلية؛ فلو قدر أن يكون بعد النبي H نبي لكان عمر، وإذًا لهيأ الله لذلك أسبابه، ولجعل عمر I أهلًا لذلك، وكمَّل خصاله لتناسب مقام النبوة.

وأما عن تخصيص عمر I بالذكر فقد قال المناوي I: «قال ابن حجر: خص عمر بالذكر لكثرة ما وقع له في زمن المصطفى H من الواقعات التي نزل القرآن بها، ووقع له بعده عدة إصابات»[11].

ثالثًا:   يحاول الرَّافضة تصوير استنكارهم لهذه الروايات بأن فيه حفظًا لمقام النبوة، على الرغم من أننا نجدهم يجعلون من الأئمة أنبياء بالمعنى، وإن لم يطلقوا اللفظ، بعد أن عجزوا عن التفريق بين مقام النبوة والإمامة.

قال المجلسي: «ولا نعرف سببًا لعدم اتصافهم بالنبوة إلا رعاية جلالة خاتم الأنبياء H ، ولا يصل عقولنا إلى فرق بين بين النبوة والإمامة»[12].

فهم يثبتون بذلك أن الأئمة أنبياء في المعنى والحقيقة.

قال علي الميلاني: «كان لعلي، ولفاطمة، وللحسنين سهم في تقدم الإسلام، كان علي شريكًا لرسول الله في رسالته»[13].

رابعًا:     روى الرَّافضة في كتبهم هذا الحديث نفسه، لكنهم جعلوه في حق علي بن أبي طالب I، فقد روى الحر العاملي عن علي I أنه قال: «هل فيكم من قال له رسول الله H : أنت مني بمنزلة هارون من موسى، غير أنه لا نبي بعدي، ولو كان نبيّ بعدي لكنته يا علي غيري؟»[14].

وقال الخميني: «قال شيخنا وأستاذنا في المعارف الإلهية، العارف الكامل شاه آبادي، أدام الله ظله على رؤوس مريديه: لو كان علي S ظهر قبل
رسول الله H لأظهر الشريعة كما أظهر النبي H ، ولكان نبيًّا مرسلًا، وذلك لاتحادهما في الروحانية والمقامات المعنوية والظاهرية»
[15].

خامسًا: ورد في كتب الرَّافضة أن المؤمن الفقيه الحليم كاد يكون نبيًّا: فقد روى الكليني بسنده، عن أبي الحسن الرضا، عن أبيه R قال: «رفع إلى رسول الله H قوم في بعض غزواته فقال: من القوم؟ فقالوا: مؤمنون يا رسول الله، قال: وما بلغ من إيمانكم؟ قالوا: الصبر عند البلاء، والشكر عند الرخاء، والرضا بالقضاء، فقال رسول الله H : حلماء علماء، كادوا من الفقه أن يكونوا أنبياء»[16].

فما استنكروه في حق عمر I أثبتوه في حق علي I.

تُرى من أي مرجع يستقي هؤلاء دينهم؟ أم تراه الطعن في الفاروق لأجل ما وقر في قلوبهم من غل ونقمة؟ أو هو الطعن لأجل الطعن فقط؟!

 

[1]   «الكامل» (5/324).

[2]   «تاريخ ابن عساكر» (44/114).

[3]   «الموضوعات» (1/320).

[4]   تاريخ دمشق (٤٤/١١٤).

[5]   «الكنى والأسماء»، مسلم بن الحجاج (٢/٦٩٦)، «الضعفاء والمتروكون»، النسائي (ص٦٣)، «تقريب التهذيب»، ابن حجر العسقلاني (ص٣٢٨).

[6]   «الكامل في ضعفاء الرجال»، الجرجاني (٨/٨٩)، «طبقات المدلسين»، ابن حجر العسقلاني (ص٤٦).

[7]   «سنن الترمذي» (٥/٦١٩).

[8]   «المنتخب من علل الخلال» (191).

[9]   انظر: «الصحيحة»، الألباني (327)، «صحيح وضعيف سنن الترمذي»، الألباني (8/186).

[10]  «شوارق النصوص في تكذيب فضائل اللصوص»، حامد الهندي اللكهنوي (ص468).

[11]  «فيض القدير»، المناوي (5/325).

[12]  «مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول»، المجلسي (2/290).

[13]  «محاضرات في الاعتقادات»، عليّ الميلاني (1/49).

[14]  «إثبات الهداة»، الحر العاملي (3/89).

[15]  «مصباح الهداية إلى الخلافة والولاية»، الخميني (ص163).

[16]  «الكافي»، الكليني (2/48)، وقال المجلسي عن الحديث: «الحديث الرابع: صحيح»، «مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول» (7/297).