اعتراض عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد الصلاة على عبد الله بن أبيٍّ ابن سلولَ

الشبهة: من الشبهات التي تثار حول عمر رضي الله عنه: موقفه عندما أراد النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يصلي صلاة الجنازة على عبد الله بن أبيٍّ ابن سلولَ، فحاول عمر رضي الله عنه منعَه من ذلك مع أنه لم يكن هناك نهيٌ قبلها.
قال عبد الصمد شاكر -تحت عنوان: «اعتراض عمر على النبي صلى الله عليه وسلم»-: «عن ابن عمر: أنَّ عبد الله بن أبي لَمَّا توفي جاء ابنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أعطني قميصك أكفّنْه فيه، وصلِّ عليه، واستغفر له، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم قميصه، فقال: «آذِنِّي أُصَلِّ عَلَيْهِ» فآذنه، فلمَّا أراد أن يصلِّي عليه جذبه عمر رضي الله عنه فقال: أليس نهاك أن تصلِّي على المنافقين؟! فقال: «أنا بين خيرتين» قال: ﴿ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ﴾ [التَّوۡبَة: 80] فصلّى عليه، فنزلت: ﴿ وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ ۖ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [التَّوۡبَة: 84]» .
ورأوا أن هذا الأمر مما يوجب القدح في عمر رضي الله عنه؛ لأنه خطَّأ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بحسب زعمهم.
قال محمد مهدي الخرسان: «وهي وإن أوجبت جرحًا لعمر؛ حيث كان يتعجَّب بعد من جَرْأته على رسول الله صلى الله عليه وسلم! ولعلَّها لا توجب حرجًا لمن يراه مسدَّدًا» .

الرد علي الشبهة:

أولًا: القول بأن هذا الموقف يدل على جَرأة عمر I على رسول الله H أو عدم احترامه زَعْمٌ باطل، بدليل أن النبيَّ H نفسه لم ينكر عليه فعله، وإنما أوضح له الأمر، حتى نزلت الآية بعد ذلك تحرم الصلاة على المنافقين.

قال الزرقاني: «هذا تقرير ما صدر من عمر مع شدة صلابته في الدين، وكثرة بغضه للمنافقين؛ فلذا أقدم على ما قال، ولم يلتفت إلى احتمال إجرائه على ظاهره لما غلب عليه من الصلابة المذكورة، قال ابن المنير: إنما قاله عمر عرضًا ومشورةً، لا إلزامًا وله بذلك عوائد، ولا يبعد أنه H كان أذن له في مثل ذلك، فليس باجتهاد مع وجود النص كما زعم، بل أشار بما ظهر له فقط؛ ولذا احتمل منه أخذه بثوبه، ومخاطبته له في مثل المقام حتى التفت إليه مبتسمًا»[1].

ثانيًا:  من إشكالات الرَّافضة: كيف لعمر بن الخطَّاب I أن يقول: إن الله نهى نبيَّه عن الصلاة على المنافقين، ومعلوم أن الآية نزلت بعد هذه الواقعة.

يقول جعفر مرتضى العاملي مستشكلًا: «لقد تحدثت الروايات أن عمر يواجه رسول الله H بأمر ليس له واقع، وهو: أن الله تعالى قد نهاه عن الصلاة على المنافقين، وقد رد النبي H ذلك بأن الله تعالى لم ينهه، وإنما خيّر بين أمرين»[2].

وقد أجاب عن هذا الإشكال الحافظ ابن حجر فقال: «وقد استشكل جدًّا، حتَّى أقدم بعضهم فقال: هذا وهمٌ من بعض رواته، وعاكسه غيره فزعم أنَّ عمر اطّلع على نهيٍ خاصٍّ في ذلك، وقال القرطبيّ: لعلَّ ذلك وقع في خاطر عمر فيكون من قبيل الإلهام، ويحتمل أن يكون فهم ذلك من قوله: ﴿ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن يَسۡتَغۡفِرُواْ لِلۡمُشۡرِكِينَ ١١٣ ﴾ [التَّوۡبَة: 113].

قلت: الثَّاني -يعني ما قاله القرطبيّ- أقرب من الأوّل؛ لأنَّه لم يتقدَّم النَّهي عن الصَّلاة على المنافقين، بدليل أنَّه قال في آخر هذا الحديث: «فأنزل الله: ﴿ وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰٓ أَحَدٖ ﴾ [التَّوۡبَة: 84] ، والَّذي يظهر أنَّ في رواية الباب تجوُّزًا بيَّنته الرِّواية الَّتي في الباب بعده من وجهٍ آخر عن عبد الله بن عمر بلفظ: «فقال: تصلِّي عليه وقد نهاك الله أن تستغفر لهم؟!»، وروى عبد بن حميدٍ والطّبريُّ من طريق الشَّعبي عن ابن عمر عن عمر قال: «أراد رسول الله H أن يصلّي على عبد الله بن أبيٍّ فأخذت بثوبه، فقلت: والله ما أمرك الله بهذا، لقد قال:
﴿ إِن تَسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ سَبۡعِينَ مَرَّةٗ فَلَن يَغۡفِرَ ٱللَّهُ لَهُمۡۚ ﴾ ، ووقع عند ابن مردويه من طريق سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ: فقال عمر: أتصلّي عليه، وقد نهاك الله أن تصلّي عليه؟!» قال: أين قال؟ قال: ﴿ ٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ ﴾  الآية.

وهذا مثل رواية الباب، فكأنّ عمر قد فهم من الآية المذكورة ما هو الأكثر الأغلب من لسان العرب من أنَّ (أو) ليست للتَّخيير، بل للتَّسوية في عدم الوصف المذكور، أي: أنَّ الاستغفار لهم وعدم الاستغفار سواءٌ»[3].

ثالثًا:      إن كان الحديث دالًّا على جَرْأَة عمر I على النبيِّ H ، ويكون هذا كاشفًا عن عدم احترامه له، وعدم التسليم لقوله، كما قال محمد حسن النجفي: «لجهل عمر بذلك وبمرتبة النبي H ، وأنه مستغن عن تعليمه وغيره وشدة نفاقه وريائه أساء الأدب مع النبي H لما تقدم للصلاة على ابن أبي، كما عن كتاب سليم بن قيس»[4].

فجعل هذا الأمر إساءة للأدب مع النبيِّ H ، وبالتالي دليلًا على النفاق والرياء، لكن إذا تعلق الأمر بأصحاب الأئمة فإن الموازين تختلف؛ فقد ورد في كتبهم ما يدل على سوء أدب وجَرأة الفضل بن عبد الملك -أحد الثقات عندهم- على الإمام جعفر الصادق.

قال الخواجوئي: «وأمَّا أبو العبَّاس الفضل بن عبد الملك، فالمشهور أنَّه ثقة عين، كما نصَّ عليه الشيخ الجليل النجاشي، قال: روى عن أبي عبد الله S له كتاب يرويه داود بن حصين.

لكنّه لَمَّا وقع نظره الدقيق على ما في ترجمة حذيفة بن منصور من سوء أدب البقباق في حضرة الإمام S صار ذلك منشأ تأمّله فيه...، والحقُّ أنَّ سوء أدبه غير مرَّة في خدمة الإمام S يورث التأمُّل فيه، فتأمَّل فيه»[5].

فهذا الثقة العين كما يصفه النجاشي، يسيء الأدب غير مرة مع الإمام، ومع ذلك اعتذر له علماء الإمامية، ولم يروا فعله هذا منافيًا لوثاقته.

يقول الخوئي: «أقول: إن هذه الصحيحة وإن دلت على جرأة الفضل وسوء أدبه بالنسبة إلى الإمام S، إلا أنها لا تنافي وثاقته، ولعلها كانت زلة منه فتذكر بعدها»[6].

فسوء أدب أصحاب الأئمة مجرد زلات لا يؤاخذون بها، لكن أصحاب رسول الله H حكمهم التكفير والاتهام بالنفاق مباشرة، بالرغم من أنهم كانوا -وبشهادة الكتاب والسُّنَّة- أشد الناس أدبًا معه H .

 موقف آخر لأحد الثقات عندهم، وهو:

شهاب بن عبد ربه، الذي قيل عنه وعن إخوته: «إنهم من موالي بني أسد، من صلحاء الموالي»[7]، وهذا الرجل مع جلالته عندهم، إلا أنهم رووا عنه أنه أساء الأدب مع الإمام جعفر الصادق.

روى الكليني بسنده عن الوليد بن صبيح قال: «قال لي شهاب بن عبد ربه: أقرئ أبا عبد الله S مني السلام، وأعلمه أنه يصيبني فزع منامي، قال: فقلت له: إن شهابًا يقرئك السلام، ويقول له: إنه يصيبني فزع في منامي، قال: قل له فليزكِّ ماله، قال: فأبلغت شهابًا ذلك، فقال لي: فتبلغه عني؟ فقلت: نعم، فقال: قل له: إن الصبيان فضلًا عن الرجال ليعلمون أني أزكي مالي، قال: فأبلغته، فقال أبو عبد الله S: قل له: إنك تخرجها، ولا تضعها في مواضعها»[8].

قال عنه المجلسي: «الحديث الرابع: حسن»[9].

فشهاب رد على الإمام الذي أمره بزكاة ماله قائلًا: «إن الصبيان فضلا عن الرجال ليعلمون أني أزكي مالي»، وهذا سوء أدب في الرد.

يقول المجلسي: «الحديث السابع: حسن، ويظهر منه سوء أدب من شهاب»[10].

ولم نجد علماءهم قالوا عن هذا الثقة عندهم: إنه منافق أو كافر بسبب سوء أدبه مع الإمام.

رابعًا:   فَهِمَ الرَّافضةُ من هذا الحديث أن عمر I -وحاشاه- يرى نفسه أعلم من رسول الله H ، كما زعم مروان خليفات بقوله: «وتطاول عليه بعضهم بالكلام، مثل عمر عندما قال للنبي H حين أراد H الصلاة على ابن أبي: أليس نهاك ربك أن تصلي على المنافقين؟ وكأنه أعلم من النبي H بالقرآن الذي نزل عليه»[11].

وقد تقدم الرد على هذا الزعم الباطل.

لكن ما جواب الرَّافضة عمّن يرى نفسه أعلم من الإمام المعصوم؟ خاصة إذا كان من أوثق الرواة عندهم؟

فقد ورد في كتبهم عن أبي بصير قال: «سألت أبا عبد الله S عن امرأة تزوّجت ولها زوج، فظهر عليها، قال: «ترجم المرأة ويضرب الرجل مائة سوط؛ لأنَّه لم يسأل» قال شعيب: فدخلت على أبي الحسن S فقلت له: امرأة تزوّجت، ولها زوج؟ قال: «ترجم المرأة، ولا شيء على الرجل»، فلقيت أبا بصير فقلت له: إنّي سألت أبا الحسن S عن المرأة الَّتي تزوّجت ولها زوج، قال: «ترجم المرأة، ولا شيء على الرجل»، فمسح على صدره وقال: ما أظنُّ صاحبنا تناهى حكمه بعد!
وعن شعيب العقرقوفي قال: «سألت أبا الحسن
S عن رجل تزوَّج امرأة ولها زوج ولم يعلم، قال: «ترجم المرأة، وليس على الرجل شيء إذا لم يعلم»، فذكرت ذلك لأبي بصير المرادي فقال: قال لي والله جعفر: «ترجم المرأة، ويجلد الرجل الحدَّ»، فضرب بيده على صدره يحكُّها، أظنُّ صاحبنا ما تكامل علمُه!»[12].

فهذا أبو بصير المرادي الثقة الجليل عند الرَّافضة، يزعم أن الإمام أبا الحسن لم يتكامل علمه، فهل كان يرى نفسه أعلم منه؟ وهل هذا يعتبر قادحًا في عدالة ووثاقة أبي بصير؟! أم ما زال عندهم الثقةَ الثبتَ بالرغم مما قال؟!

 

[1]   «شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية»، الزرقاني (4/126).

[2]   «الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم»، جعفر مرتضى العاملي (26/105).

[3]   «فتح الباري»، ابن حجر (8/334).

[4]   «جواهر الكلام»، محمد حسن النجفي (12/4).

[5]   «الفوائد الرجالية»، الخواجوئي (ص252).

[6]   «معجم رجال الحديث»، الخوئي (14/326).

[7]   «التحرير الطاووسي»، حسن بن زين الدين العاملي (ص298).

[8]   «الكافي»، الكليني (3/546).

[9]   «مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول»، المجلسي (16/82).

[10]  «ملاذ الأخيار في فهم تهذيب الأخبار»، المجلسي (6/141).

[11]  «وركبت السفينة»، مروان خليفات (ص270).

[12]  «قاموس الرجال»، محمّد تقي التستري (8/626).