زعمهم مخالفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه لشرطه مع النصارى وإدخال اليهود إلى فلسطين

الشبهة: يقول نجاحٌ الطائي: «وقد خالف عمر شرطه للنصارى، وأدخل اليهود إلى فلسطين بناءً على رغبة حبر اليهود كعب الأحبار، وليتخلَّصَ عمرُ من شرطه للنصارى، وليَهْرَبَ من معارضة الصحابة له فقدِ اختلق حديثًا مفادُهُ طلب النبي صلى الله عليه وسلم من المسلمين إخراج اليهود إلى الشام» .

الرد علي الشبهة:

أولًا:  إن الخير الذي أجراه الله على يدي أمير المؤمنين عمر بن الخطَّاب I هو الذي أقضَّ مضاجع الشيعة، وجعلهم يفترون الكذب عليه بعد أن فتح الله على يديه الشَّام، ومصر، وجميع مملكة الفرس إلى خراسان[1].

وهذا الذي سطره الشيعة من الكذب الصراح على أمير المؤمنين عمر، والذي اشتهر بمعاداته لأي شيء يتصل باليهود، وهو الذي حدَّث عن النبي H أنه أمر بإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب.

فقد روى مسلم عن جابر بن عبد الله أن عمر بن الخطَّاب أخبره أنَّه سمع رسول الله H يقول: «لَأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ حَتَّى لَا أَدَعَ إِلَّا مُسْلِمًا»[2].

وروى البيهقي عن أبي موسى I أنَّ عمر I أمره أن يرفع إليه ما أخذ وما أعطى في أديمٍ واحدٍ، وكان لأبي موسى كاتبٌ نصرانيٌّ يرفع إليه ذلك، فعجب عمر I وقال: إنَّ هذا لحافظٌ، وقال: إنَّ لنا كتابًا في المسجد، وكان جاء من الشَّام فادعه فلْيَقْرأ. قال أبو موسى: إنَّه لا يستطيع أن يدخل المسجد، فقال عمر I: أَجُنُبٌ هو؟ قال: لا، بل نصرانيٌّ، قال: فانتهرني وضرب فخِذِي، وقال: أخرجه، وقرأ: ﴿ ۞ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ ٱلۡيَهُودَ وَٱلنَّصَٰرَىٰٓ أَوۡلِيَآءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّٰلِمِينَ ٥١ ﴾ [المَائـِدَة: 51]. قال أبو موسى: والله ما تولَّيته، إنَّما كان يكتب، قال: أما وجدت في أهل الإسلام من يكتب لك؟ لا تدنهم إذْ أقصاهم الله، ولا تأمنهم إذ خوَّنهم الله، ولا تعزَّهم بعد إذ أذلَّهم الله، فأخرجه[3].

فهذا عداء عمر لليهود والنصارى؛ امتثالًا لما جاء في الآية.

ثانيًا:   يجاب عن قوله: إن عمر I خالف شرطه مع النصارى بأن لا يدخل اليهود فلسطين، أن هذا الشرط لم يصحَّ عنه I أصلًا، ولم يأت إلا في رواية الطبري، قال الإمام الطبري: «وعن خالد وعبادة قالا: صالح عمر أهل إيلياء بالجابية، وكتب لهم ..، ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود»[4].

وهذه الرواية لا تصح لا إسنادًا ولا متنًا.

وقد قال البرزنجي: «إسناده ضعيف جدًّا[5]، وهو عند الطبري من غير إسناد، بل قال: وعن خالد وعبادة قالا، ولم أعرف خالدًا وعبادة، ومتنه مختصر، وفيه أن عمر I شرط عليهم أن لا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود، وفي إسناده عند ابن الأعرابي، وابن حزم، والبيهقي، وابن كثير يحيى بن عقبة بن العيزار، قال ابن معين: كذاب خبيث، عدو الله، وقال أبو حاتم: يفتعل الحديث، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال النسائي وغيره: ليس بثقة»[6].

وعليه؛ فهذا النص المزعوم ليس له إسناد صحيح.

ثم إن متنه ساقط أيضًا، وقد علق الدكتور شفيق جاسر[7] على رواية الطبري فقال: «أما النص الذي أورده الطبري عن سيف، والنص الذي أورده مجير الدين عن سيف أيضًا وعن آخرين، فبالرغم من ورود بعض الاختلافات بينهما، إلا أنه من المرجح أنهما أخذا عن مصـدر واحـد، وأن مجير الـدين قد أخـذ عن الطبري، مع بعض التصرف في النص، هذه واحـدة.

أمـا الثانيـة فهي: أن ما ورد فيهـما من تحفظات وشـروط قصد بها مصلحـة النصارى، كالتعهد بعدم هدم الكنائس، وعدم إكراههم على دينهم، وعدم مساكنة اليهود لهم بالقدس، وغـيرهـا، يدعو للشـك فيهـما، ومما يقوي هذا الشك أنهما وردا مفصلين ومطولين، مع أن عهود المدن الأخرى جاءت مختصرة وبسيطة، بالغة البساطة كعهد حمص، ومما يؤكده أيضًا أن الطبري ومجير الدين الذي نقل عنه، أشارا إلى أنه أعطى لأهل القدس في الجـابيـة، مع أن المشهـور أنه أعطى لهم في القدس نفسها، كـما أن التحفظات المذكورة تنافي الـواقـع ولم تذكر الروايات الأولى ما يؤيدها».

ومن المحتمل أن هذا العهد قد وضع في فترة لاحقـة؛ حيث يذكـر الـدكتور عبـد العـزيز الـدوري: «أن الأمر لم يخْلُ من ادعاءات يهوديـة»، كـما تدعي روايـة يهوديـة بأن اليهـود طلبوا من عمر بن الخطَّاب السـماح لهم باستقدام مائتي عائلة يهوديـة من مصـر للسكن في القـدس، ولكن البطـريق صفرونيـوس عارض ذلك، فسمح عمر بن الخطَّاب لسبعين عائلة بالحضور من مصر وأسكنهم جنوب الحرم القـدسي، ويسهـل كشف كذب هذا الادعاء ببساطة، فمصر قد فتحت بعد فتح القدس بأربع سنوات.

ومن المحتمل أن عبارة: «ألا يساكنهم فيها اليهود» المذكورة في النصين إنما تدل على أن القدس كـما هو معلوم تاريخيًّا كانت خالية من اليهود، ولم يشأ النصارى أن يسكنها اليهود من جديـد تحت حكم المسلمين، وليس كما فسـرهـا اليهـود من أن اليهـود كانوا يسكنـون في القدس، واشترط النصارى على المسلمين إخراجهم منها»[8].

وأما أصل العهدة العمرية فمتفقٌ على صحتها.

قال ابن القيم: «وشهرة هذه الشُّروط تغني عن إسنادها، فإنَّ الأئمَّة تلقَّوها بالقبول، وذكروها في كتبهم واحتجُّوا بها، ولم يزل ذكر الشروط العمرية على ألسنتهم وفي كتبهم، وقد أنفذها بعده الخلفاء وعملوا بموجبها..، وقد ذكر أبو القاسم الطبري -من حديث أحمد بن يحيى الحلوانيِّ- حدَّثنا عبيد بن جنّادٍ، حدَّثنا عطاء بن مسلمٍ الحلبيُّ، عن صالحٍ المراديِّ، عن عبدِ خيرٍ قال: رأيت عليًّا صلَّى العصر فصفَّ له أهل نجران صفّين، فناوله رجلٌ منهم كتابًا، فلمَّا رآه دمعت عينه ثمَّ رفع رأسه إليهم فقال: «يا أهل نجران، هذا والله خطِّي بيدي وإملاء رسول الله H »، فقالوا: يا أمير المؤمنين، أعطنا ما فيه. قال: ودنوت منه فقلت: إن كان رادًّا على عمر يومًا فاليوم يردّ عليه! فقال: لست برَادٍّ على عمر شيئًا صنعه، إنَّ عمر كان رشيد الأمر، وإنَّ عمر أخذ منكم خيرًا ممَّا أعطاكم، ولم يجرَّ عمر ما أخذ منكم إلى نفسه إنَّما جرَّه لجماعة المسلمين»[9].

ثالثًا:      حديث إخراج اليهود من جزيرة العرب متفق عليه، وقد جاء عن ابن عباس، كما عند مسلم عن سعيد بن جبيرٍ قال: قال ابن عبّاسٍ: يوم الخميس، وما يوم الخميس! ثمَّ بكى حتَّى بلَّ دمعه الحصى، فقلت: يا بن عبَّاسٍ، وما يوم الخميس؟ قال: اشتدَّ برسول الله H وجعُه، فقال: «ائْتُونِي أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَا تَضِلُّوا بَعْدِي»، فتنازعوا وما ينبغي عند نبيٍّ تنازعٌ، وقالوا: ما شأنه؟ أَهَجَرَ؟! استفهِمُوه، قال: «دَعُونِي فَالَّذِي أَنَا فِيهِ خَيْرٌ، أُوْصِيكُمْ بِثَلَاثٍ: أَخْرِجُوا الْـمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ...»[10].

وروى الإمام أحمد بسنده، عن أبي عبيدة قال: آخر ما تكلَّم به النَّبي H : «أَخْرِجُوا يَهُودَ أَهْلِ الحِجَازِ وأهْلِ نَجْرَانَ مِنْ جَزِيرَةِ العَرَبِ، واعلَمُوا أنَّ شِرَارَ النَّاسِ الَّذينَ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ»[11].

هذا فضلًا عن الآثار التي رويت عن عمر بن الخطَّاب I، وقد سبق ذكر رواية مسلم.

وعن ابن عمر I قال: «لَمَّا فدَعَ أهلُ خيبر عبدَ الله بن عمر، قام عمر خطيبًا فقال: إنَّ رسول الله H كان عامل يهود خيبر على أموالهم، وقال: «نقرُّكم ما أقرَّكم الله»، وإنَّ عبد الله بن عمر خرج إلى مالِه هناك، فعُدِي عليه من اللَّيل، ففُدِعَتْ يداه ورجلاه، وليس لنا هناك عدوٌّ غيرهم، هم عدوُّنا وتهمتنا وقد رأيت إجلاءهم، فلمَّا أجمع عمر على ذلك أتاه أحد بني أبي الحقيق فقال: يا أمير المؤمنين، أتخرجنا وقد أقرَّنا محمّدٌ H وعاملنا على الأموال وشرط ذلك لنا؟ فقال عمر: أظننت أنِّي نسيت قول رسول الله H لَكَ: «كَيْفَ بِكَ إذَا أُخْرِجْتَ منْ خيبر تعدُو بكَ قلُوصُكَ ليلةً بعدَ ليلةٍ»؟ فقال: كانت هذه هزيلةً من أبي القاسم، قال: كذبت يا عدوَّ الله، فأجلاهم عمر، وأعطاهم قيمة ما كان لهم من الثَّمر مالًا وإبلًا وعروضًا من أقتابٍ وحبالٍ وغير ذلك»[12].

إذًا، فالحديث ثابت، ولا يُطعن فيه بادعاء لا برهان له.

رابعًا:     قوله: إن عمر I أدخل اليهود إلى فلسطين! هذا محض كذب، وليس مع قائل ذلك دليلٌ واحدٌ، بل إن الشرط الذي أشار إليه فيه دليل على أن النصارى قد طردوا كل اليهود من فلسطين، ولذلك أحبوا ألا يساكنهم فيها اليهود -هذا احتجاج عليه بما أورد- ومع ذلك فإن التاريخ لم يسجل رواية صحيحة تقول بأن عمر بن الخطَّاب I أجلى اليهود إلى فلسطين، بل كل ما في الأمر أنه طردهم من الحجاز كما أمر النبي H ، وأقرهم على أي أرض يسكنونها، وهذا حكم الإسلام فيهم.

ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وقد أمر النَّبي H في مرض موته أن تخرج اليهود والنّصارى من جزيرة العرب -وهي الحجاز- فأخرجهم عمر بن الخطَّاب I مِنَ المدينةِ، وخيبر، وينبع، واليمامة، ومخاليف هذه البلاد؛ ولم يخرجهم مِنَ الشَّام، بل لَمَّا فتح الشام أقرَّ اليهود والنصارى بالأردنِّ وفلسطين، وغيرهما، كما أقرَّهم بدمشق وغيرها»[13].

والثابت أن اليهود تفرقوا في أطراف الشام والكوفة، قال العلامة صارم الدين الكوكباني: «صرح العلامة محمد بن إبراهيم الوزير I بأن أبا بكر إنما تراخى عن تنفيذ وصية رسول الله H بإخراجهم لِهَيَجَان فتنة الردة التي شغلتهم عن ذلك عُقَيْبَ موت رسول الله H ، وأما عمر فقد أجلى جميع من قدر على إجلائه، حتى لحق أكثرهم بأطراف الشام، وبعضهم بسواد الكوفة، قيل وكان الذي أجلاهم أربعين ألفا من اليهود»[14].

وليس معنى أن عمر I أجلاهم من الحجاز وذهبوا إلى الشام أن يكون هو الذي أسكنهم في فلسطين، فإن الشام أكبر من أن تحصر في فلسطين، وإلا لقلنا: إن النبي H هو الذي أسكنهم؛ لأن يهود بني النضير ذهبوا إلى أذْرعَات الشام.

فعن ابن عبّاسٍ قال: «كان النَّبي H قد حاصرهم حتَّى بلغ منهم كلَّ مبلغٍ، فأعطوه ما أراد منهم، فصالحهم على أن يحقِنَ لهم دماءهم، وأن يخرجهم من أراضيهم وأوطانهم وأن يسيِّرهم إلى أذرعات الشِّام، وجعل لكلِّ ثلاثةٍ منهم بعيرًا وسقاءً، والجلاء: إخراجهم من أراضيهم إلى أرضٍ أخرى»[15].

ولما أجلاهم عمر I ذهبوا إلى المدينة نفسها، قال ابن كثير: «أجلى عمر يهود خيبر عنها إلى أذرعاتٍ وغيرها، وفيها أجلى عمر يهود نجران منها أيضًا إلى الكوفة»[16].

خامسًا:   لا شك أن هذا الذي قاله نجاح الطائي وغيره، إنما هو من باب (رمتني بدائها وانسلت)؛ لأن أقرب الناس لليهود ديانةً وسياسةً هم الرَّافضة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وقد عرف العارفون بالإسلام أنَّ الرَّافضة تميل مع أعداء الدِّين، ولَمَّا كانوا ملوك القاهرة كان وزيرهم مرَّةً يهوديًّا، ومرَّةً نصرانيًّا أرمينيًّا، وقَوِيَتِ النَّصارى بسبب ذلك النصرانيِّ الأرمينيِّ، وبنوا كنائس كثيرةً بأرض مصر في دولة أولئك الرَّافضة المنافقين، وكانوا ينادون بين القصرين: مَن لَعَنَ وسبَّ فله دينارٌ وإردبٌّ، وفي أيَّامهم أخذت النصارى ساحل الشام مَنِ المسلمين حتَّى فتحه نور الدِّين وصلاح الدِّين، وفي أيامهم جاءتِ الفرنج إلى بلبيس وغلبوا مِنَ الفرنج»[17].

كما يغلب النَّفس اليهودي على رواياتهم، وعلى عقائدهم كذلك، بداية من عقيدة الوصي بعد النبي، مرورًا بالرجعة والبداء والفقيهات المأخوذة من اليهود، وانتهاءً باعتقاد أن الراد على الوصي كالراد على الله، وأن الوصي أفضل من الأنبياء، كل هذا وغيره من عقائد اليهود التي ورثها الشيعة منهم.

وأما موالاتهم لليهود فأشهر من أن تذكر، وخير مثال على ذلك: وضع اليهود الممتاز في إيران، وقد جاء في موسوعة مجلة الراصد المتخصصة في الفرق: «يقول أحد الكتاب الإيرانيين: إن أرض إيران بالنسبة لليهود هي أرض كورش مخلصهم، وفيها ضريح إستر ومردخاي، وفيها توفى النبي دانيال، ودفن النبي حبقوق، وهي وطن شوشندخت الزوجة اليهودية للملك يزدجر الأول، وتحوي أرضها جثمان بنيامين شقيق النبي يوسف.

 ويذكر كاتب آخر أن أحد أنبياء بني إسرائيل كان حارسًا لمعبد الملك سليمان في القدس، وقد وقع مع النبي دانيال وآخرين في أسر ملك بابل نبوخذ نصر، وأمضى سنوات طويلة في السجن، وعندما فتح كورش بابل أطلق الأسرى، وقدم النبي (حبقوق) إلى إيران واستقر في همدان، ودفن حين توفى في تويسركان»[18].

وحسب المصادر الإيرانية، فإن نظام الملالي يعتمد على هذه الخلفية الدينية، انطلاقًا من حملته لتهدئة مخاوف إسرائيل وأميركا.

وخاصة أن موريس معتمد، ممثل اليهود في البرلمان الإيراني، يصف علاقة الأقلية اليهودية بنظام الملالي -وهي أكبر تجمع لليهود في الشرق الأوسط خارج إسرائيل- بأنها علاقة جيدة جدًّا، موضحًا أن اليهود موجودون في هذه الدولة منذ 2100 عام.
ويقدر عدد اليهود في إيران بـ 25 ألف يهودي، موزعين على ثلاث مدن رئيسة هي: طهران، وأصفهان، وشيراز..، ويقول موريس معتمد: إن لدى اليهود 80 كنيسًا في إيران، وأبرز مقدساتهم مقبرة النبي دانيال، والنبي حبقوق، ومعابد أخرى أيضًا في همدان..، ونقلت الصحيفة عن أحد الثلاثة قوله: «إن الشعب الإيراني شعب طيب، واليهود يعيشون هناك بشكل جيد أكثر من إسرائيل، ومن بينهم من يعيشون كالملوك»
[19].

بل إن مهدي الشيعة يتكلم العبرانية، وهي لغة اليهود.

ففي كتاب «الغيبة» للنعماني: «عن المفضِّل بن عمر قال: قال أبو عبد الله S: إذا أذن الإمام دعا الله باسمه العبرانيِّ، فأتيحت له صحابته الثلاثمائة وثلاثة عشر»[20]، ولذلك فقد رووا أن أتباع مهديهم هم اليهود.

ففي «الإرشاد»: «وروى المفضِّل بن عمر، عن أبي عبد الله قال: يخرجُ القائمُ من ظهر الكوفة سبعةً وعشرين رجلًا، خمسة عشر من قوم موسى الذين كانوا يهدون بالحقّ وبه يعدلون، وسبعةً من أهل الكهف، ويوشع بن نون، وسلمان، وأبا دجانة الأنصاري، والمقداد، ومالكًا الأشتر، فيكونون بين يديه أنصارًا وحكامًا»[21].

وفي «الكافي» -وحسَّنه المجلسي- عن أبي عبد الله قال: «إذا قام قائم آل محمد S حكم بحكم داود وسليمان لا يسأل بينة»[22].

وأما كعب الأحبار فمن أفاضل التابعين.

قال الإمام الذهبي: «كعب بن ماتعٍ الحميريُّ، اليمانيُّ، العلَّامة، الحبر، الذي كان يهوديًّا فأسلم بعد وفاة النَّبي H ، وقدم المدينة من اليمن في أيّام عمر I فجالس أصحاب محمّدٍ H ، فكان يحدّثهم عن الكتب الإسرائيليّة، ويحفظ عجائب، ويأخذ السُّنن عن الصحابة، وكان حسن الإسلام، متين الدِّيانة، من نبلاء العلماء»[23].

ومع ذلك فقد كان الصحابة يتحفظون من روايته.

وإذا كان الرَّافضة يعيبون علينا أننا روينا عن كعب الأحبار، فما بالهم لا يعيبون على علي بن أبي طالب I أنه جعل كعب الأحبار من خواصه، ومن المقربين له؟! قال ابن طاووس: «إنَّ عبد الله بن سلام وكعب الأحبار كانا من خواصِّ مولانا علي عليه أفضل السلام»[24].

كما قد ورد ذكر كعب الأحبار في روايات الشيعة، كما في عيون أخبار الرضا S للصدوق[25]، بل وحدَّث عنه الصادق، كما في كتاب مصباح الشريعة المنسوب للإمام الصادق S[26].

 


[1]   «الفصل في الملل والأهواء والنحل» (4/111).

[2]   «صحيح مسلم»، كتاب الجهاد والسير، باب: إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب (3/1388) برقم (1767).

[3]   «السنن الكبرى للبيهقي» (10/216)، وصححه الألباني في إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل (8/255)

[4]   «تاريخ الطبري»، «تاريخ الرسل والملوك»، و«صلة تاريخ الطبري» (3/608 -609).

[5]   «صحيح وضعيف تاريخ الطبري» (8/266)، وقال عبد السلام بن محسن آل عيسى: «رواه الطبري في «التاريخ» (2/449)، وابن الأعرابي «المعجم» (1/382،384)، وابن حزم في «المحلى» (5/414-415)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (9/202)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (2/178)، وابن كثير في «مسند الفاروق» (2/488- 489).

[6]   «ميزان الاعتدال في نقد الرجال» (4/397)، و«دراسة نقدية في المرويات الواردة في شخصية عمر بن الخطَّاب وسياسته الإدارية» (2/1060).

[7]   رئيس قسم التاريخ بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية.

[8]   بحث نشر في العدد 62 من مجلة الجامعة، بعنوان: العهدة العمرية للدكتور/شفيق جاسر.

[9]   «أحكام أهل الذمة» (3/1164- 1165).

[10]  «صحيح مسلم»، كتاب الوصية، باب: ترك الوصية لمن ليس له شيء يوصي فيه (3/1257) برقم (1637).

[11]  «مسند أحمد» (3/221) برقم (1691)، وأخرجه الدارمي (2498)، والبخاري في «التاريخ الكبير» (4/57)، وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (235) - (236)، والبزار (439) «كشف الأستار»، وأبو يعلى (872)، والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (4/12)، والبيهقي (9/208) من طريق يحيى بن سعيد، بهذا الإسناد، وبعضهم يرويه مختصرًا، وأخرجه الطيالسي (229)، والحميدي (85)، والبخاري في «التاريخ الكبير» (4/57)، والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (4/12 و13)، والشاشي (264)، وأبو نعيم في «معرفة الصحابة» (596) من طرق عن إبراهيم بن ميمون به. وإسناده صحيحٌ، وصححه الإمام ابن عبد البر في (التمهيد) (1/169)، والعلامة الألباني في «الصحيحة» برقم (1132).

[12]  «صحيح البخاري» كتاب الشروط، باب: إذا اشترط في المزارعة إذا شئت أخرجتك (3/192) برقم (2730).

[13]  «مجموع الفتاوى» (28/360 -361).

[14]  «التنبيه على ما وجب من إخراج اليهود من جزيرة العرب» (ص25).

[15]  «دلائل النبوة»، البيهقي (3/359).

[16]  «البداية والنهاية» (10/100).

[17]  «مجموع الفتاوى» (28/637).

[18]  «الفرق» (1/68 - 70).

[19]  «موسوعة مجلة الراصد المتخصصة في الفرق» (1/68- 70).

[20]  «الغيبة»، النعماني (1/313).

[21]  «الإرشاد»، المفيد (2/386).

[22]  «الكافي» (1/397)، وقال المجلسي في «مرآة العقول» (4/298) «حسن أو موثق».

[23]  «سير أعلام النبلاء» ط. الرسالة (3/489).

[24]  «التشريف بالمنن في التعريف بالفتن»، ابن طاووس (ص80).

[25]  «عيون أخبار الرضا S»، الصدوق (2/55).

[26]  «مصباح الشريعة المنسوب للإمام الصادق» (ص105).