زعمهم أن عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه ابتدع التكفير أو التكتف في الصلاة؛ مشابهةً لليهود والنصارى والمجوس

الشبهة: يقول محمد طاهر القمي الشيرازي: «وأبدع التكفير في الصلاة، وهو من فعل اليهود والنصارى» .
ويقول صادق الشيرازي في وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة: «(التكتف) و(التكفير) الذي يفعله العامة اتباعًا لعمر بن الخطَّاب، وقد أخذه عمر عن المجوس فأدخله في الصلاة، وكان ذلك من مبتدعات عمر بعد ما لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أهل بيته ليفعلوا ذلك، ففي «مصباح الفقيه»: وقد حكى عمر أنه لما جيء إليه بأسارى العجم كفروا أمامه، فسأل عن ذلك فأجابوه بأنا نستعمله خضوعًا وتواضعًا لملوكنا، فاستحسن هو فعله مع الله تعالى في الصلاة» .
وحكى ذلك عن عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه محمد حسن النجفي الجواهري في كتابه «جواهر الكلام» .

الرد علي الشبهة:

أولًا:    إن وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة ثبت عن النبي H في غير ما حديث، ومنها على سبيل المثال: عن سهل بن سعدٍ قال: «كان النَّاس يؤمرون أن يضع الرَّجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصَّلاة» قال
أبو حازمٍ: لا أعلمه إلَّا ينمي ذلك إلى النَّبي H ، قال إسماعيل: ينمى ذلك، ولم يقل ينمي»
[1].

قال الحافظ: «ومن اصطلاح أهل الحديث إذا قال الرّاوي ينميه فمراده يرفع ذلك إلى النَّبي H »[2].

والآمر لهم بذلك هو النبي H ، قال الحافظ: «قول الصَّحابيِّ كنّا نؤمر بكذا يصرف بظاهره إلى من له الأمر، وهو النَّبي H ؛ لأنَّ الصَّحابيَّ في مقام تعريف الشَّرع، فيحمل على من صدر عنه الشّرع، ومثله قول عائشة: «كنَّا نؤمر بقضاء الصَّوم»، فإنَّه محمولٌ على أنَّ الآمر بذلك هو النَّبي H ، وأطلق البيهقي أنه لا خلافَ في ذلك بين أهل النّقل، والله أعلم»[3].

وقد جاء ذلك صريحًا عند الحاكم: «عن عامر بن سعدٍ، عن أبيه قال: أمر رسول الله H بوضع اليدين ونصب القدمين في الصَّلاة. هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط مسلمٍ، ولم يخرّجاه، وقد صحّ على شرطٍ بلفظٍ أشفى من هذا على شرط مسلم»[4].

قال العلماء: «الحكمة في هذه الهيئة أنَّها صفة السَّائل الذَّليلِ، وهو أمنع من العبث، وأقرب إلى الخشوع»[5].

وروى مسلم بسنده، عن وائل بن حجرٍ: «أنَّه رأى النَّبي H رفع يديه حين دخل في الصَّلاة كبّر -وصف همّامٌ حيال أذنيه- ثمَّ التحف بثوبه، ثمَّ وضع يده اليمنى على اليسرى، فلمَّا أراد أن يركع أخرج يديه من الثّوب، ثمَّ رفعهما، ثمَّ كبّر فركع، فلمَّا قال: سمع الله لمن حمده رفع يديه، فلمَّا سجد سجد بين كفّيه»[6].

وروى ابن حبان في صحيحه: «عن ابن عبّاسٍ، أنَّ رسول الله H قال: «إنَّا معشر الأنبياء أمرنا أن نؤخّر سحورنا، ونعجّل فطرنا، وأن نمسك بأيماننا على شمائلنا في صلاتنا»[7].

قال الألباني في تعليقه: «صحيح»[8].

ثانيًا:   اعترض الرَّافضة بأن مذهب مالك عدم القبض، ولو كان القبض سنة لعمل به مالك.

قلنا: الصحيح من مذهب الإمام مالك أنه كان يرى أن القبض أو ما تسمونه التكفير أو التكتف، سنة، لكنه تركه أحيانًا؛ لئلا يظن العامي وجوبه، وهذا مما يسوغ أن يفعله العالم، والذي قرر ذلك هم علماء المذهب المالكي، وهم أعلم الناس بمذهب مالك.

قال الباجي في «المنتقى»: «وأمّا موضع اليمنى على اليسرى في الصَّلاة فقد أسند عنِ النَّبي H من طرق صحاحٍ، روى وائل بنُ حُجرٍ أنَّه رأى النَّبي H رفع يديه حين دخل في الصَّلاة كبّر، ثمَّ التحف في ثوبه، ثمَّ وضع يده اليمنى على اليسرى».

وقدِ اختلف الرّواة عن مالكٍ في وضع اليمنى على اليسرى، فروى أشهب عن مالكٍ أنَّه قال: «لا بأس بذلك في النّافلة والفريضة، وروى مطرّفٌ، وابن الماجشون عن مالكٍ أنَّه استحسنه، وروى العراقيّون عن أصحابنا عن مالكٍ في ذلك روايتين: إحداهما: الاستحسان، والثّانية: المنع».

وروى ابن القاسم عن مالكٍ: «لا بأس بذلك في النّافلة، وكرهه في الفريضة. وقال القاضي أبو محمّدٍ: ليس هذا من باب وضع اليمنى على اليسرى، وإنَّما هو من باب الاعتماد. والّذي قاله هو الصّواب، فإنَّ وضع اليمنى على اليسرى، إنَّما اختُلِفَ فيه هل هو من هيئة الصَّلاة أم لا. وليس فيه اعتمادٌ فيفرّق فيه بين النّافلة والفريضة».
ووجه استحسان وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصَّلاة الحديث المتقدّم، ومن جهة المعنى: «أنَّ فيه ضربًا من الخشوع وهو مشروعٌ في الصَّلاة.

ووجه الرِّواية الثَّانية: أنَّ هذا الوضع لم يمنعه مالكٌ، وإنَّما منع الوضع على سبيل الاعتماد، ومن حمل منع مالكٍ على هذا الوضع اعتلّ بذلك؛ لئلّا يلحقه أهل الجهل بأفعال الصَّلاة المعتبرةِ في صحّتها»[9].

وخلاصة ما ذكره الباجي: أن ما روي عن الإمام مالك من المنع من ذلك في الصلاة، إنما هو لبيان أن ذلك سنة، وليس بفرض، حتى لا يختلط ذلك على العوام، فيعتقدون أن القبض فرض تبطل الصلاة بتركه.

قال ابن عبد البر: «وقد يرسل العالم يديه؛ ليري النَّاس أن ليس ذلك بحتمٍ واجبٍ»[10].

وقال في «الاستذكار»: «وروى ابن نافعٍ، وعبد الملك، ومطرّفٌ، عن مالكٍ أنَّه قال: توضع اليمنى على اليسرى في الصَّلاة في الفريضة والنّافلة، قال: لا بأس بذلك. قال أبو عمر: هو قول المدنيّين من أصحابه»[11].

وقال ابن رشد: «مسألة: وسألته -أي مالكًا- عن وضع الرجل إحدى يديه على الأخرى في الصلاة المكتوبة يضع اليمنى على كوع اليسرى، وهو قائم في الصلاة المكتوبة أو النافلة، قال: لا أرى بذلك بأسًا في النافلة والمكتوبة... وقد تأول أن قول مالك لم يختلف في أن ذلك من هيئة الصلاة التي تستحسن فيها، وأنه إنما كرهه ولم يأمر به استحسانًا مخافة أن يعد ذلك من واجبات الصلاة، والأظهر أنه اختلاف من القول، والله أعلم»[12].

وقال ابن عبد البرّ: «لم يأت عن النَّبي H فيه خلافٌ، وهو قول الجمهور من الصَّحابة والتَّابعين، وهو الّذي ذكره مالك في الموطّأ، ولم يحك ابن المنذر وغيره عن مالك غيره»[13].

ثالثًا:      إن التعليل بأن هذا من فعل اليهود والنصارى أو المجوس تعليل باطل؛ لأنه ليس كل ما فعله اليهود، أو النصارى، أو المجوس، أو المشركون يجب علينا تركه، وإلا فلو صحت هذه القاعدة لانهدم دين الإسلام كله، فقريش كانت تعظم بيت الله الحرام، وتحج، وتسقي الحجاج، وتطوف بالكعبة، وتعظم الحجر الأسود،... إلخ

واليهود يؤمنون بموسى وبمن سبقه من الرسل، ويختتنون، ويصومون، ويزكون، وكل هذا أصله ثابت في شرعنا.

والنصارى يؤمنون بالتوراة، وبموسى، ويؤمنون بالإنجيل، وبالرسل السابقين، ويصومون، ويزكون، ... إلخ

فالصواب إذًا: أنه إذا ورد في شرعنا بيان خاص لحكم من الأحكام فوافقنا أهل الكتاب عليه، فلا نترك الحق بسبب موافقتهم إيانا عليه، وإلا فقد وجد النبي H اليهود يصومون يوم عاشوراء فصامه، ففي «الصحيحين»: عن ابن عبّاسٍ قال: قدم النَّبي H المدينة واليهود تصوم عاشوراء، فقالوا: هذا يومٌ ظهر فيه موسى على فرعون، فقال النَّبي H لأصحابه: «أنتم أحقّ بموسى منهم فصوموا»[14].

رابعًا:  جاء في كتب الشيعة إباحة وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة:

قال البحراني: «روى العياشي في تفسيره، عن إسحاق بن عَمَّار، عن أبى عبدالله قال: «قلت له: أيضع الرجل يده على ذراعه في الصلاة؟ قال: لا بأس، إن بني إسرائيل كانوا إذا دخلوا في الصلاة دخلوا متماوتين كأنهم موتى، فأنزل الله على نبيه: (فخذ ما آتيتك بقوة)، فإذا دخلت الصلاة فادخل فيها بجلد وقوة».

لكن البحراني لما لم يجد مخرجًا لهذه الرواية قال: «أقول: الظاهر أن نفي البأس في الخبر المذكور خرج مخرج التقية»[15].

قلت: وهذه مُديَة ذبح الحق عندهم، وآلة مخالفة أهل البيت صراحةً، ومع ذلك فقد اختلفوا في ذلك، فقال بعضهم بإبطال الصلاة بذلك، وهو قول أكثر علماء الشيعة، كما قال الأردبيلي[16].

وقال محمد رضا الكلپايكاني: «الثالث: التكفير وهو: وضع إحدى اليدين على الأخرى على نحو ما يفعله غير الشيعة، فإن كفر عامدًا بطلت صلاته، وأما في السهو والتقية والاضطرار فلا بأس به»[17].

بينما قال الخوئي: «والمتحصّل‏ من جميع ما تقدَّم: أنَّ التكتف في حد ذاته
لا دليل على حرمته ولا مبطليته، نعم هو مكروه كما ذهب إليه المحقّق، لكن كراهة عرضية مجازية باعتبار استلزامه ترك المستحب، وهو وضع اليدين على الفخذين.

وأمّا التكتف بقصد العبودية والخضوع فهو وإن كان محرّمًا تشريعًا إلَّا أنَّه
لا يستوجب البطلان. فما في (الرياض)‏ من عدم بطلان الصلاة بالتكتف مطلقًا هو الصواب، وإن كان الاحتياط حذرًا عن مخالفة المشهور، بل الإجماع المنقول ممّا
لا ينبغي تركه»
[18].

خامسًا:   قد أبطل كثير من الشيعة صلاة من يضم يديه في الصلاة على صدره -كما سبق تقريره- في حين أنهم لم يبطلوا صلاة من يضم الجارية.

قال السبزواري: «في الصحيح عن مسمع قال: سألت أبا الحسن S قلت: أكون أصلي فتمر بي الجارية فربما ضممتها إلي؟ قال: لا بأس»[19].

وهذه الرواية ذكرها صاحب الوسائل تحت عنوان «عدم بطلان الصلاة بضم المرأة المحللة ورؤية وجهها»[20].

سادسًا:  إن أعظم الناس تعظيمًا للمجوس هم الشيعة، بل قد وصل الأمر عندهم إلى مدح كسرى الذي دعا عليه النبي H ، والقول بأنه لا يعذب في النار.

روى المجلسي في «البحار»: «عن عَمَّار الساباطي قال: قدم أمير المؤمنين S المدائن فنزل بإيوان كسرى... ثم نظر S إلى جمجمة نخرة، فقال لبعض أصحابه: خذ هذه الجمجمة، ثم جاء إلى الإيوان وجلس وفيه، ودعا بطست فيه ماء، فقال للرجل: دع هذه الجمجمة في الطست، ثم قال: أقسمت عليك يا جمجمة لتخبرنِّي من أنا ومن أنت؟ فقالت الجمجمة بلسان فصيح: أما أنت فأمير المؤمنين، وسيد الوصيين، وإمام المتقين، وأما أنا فعبد الله، وابن أمة الله كسرى أنو شيروان.

فقال له أمير المؤمنين S: كيف حالك؟ قال: يا أمير المؤمنين إني كنت ملكًا عادلًا شفيقًا على الرعايا رحيمًا، لا أرضى بظلم، ولكن كنت على دين المجوس، وقد ولد محمد H في زمان ملكي، فسقط من شرفات قصري ثلاثٌ وعشرون شرفة ليلة ولد، فهممت أن أؤمن به من كثرة ما سمعت من الزيادة من أنواع شرفه وفضله ومرتبته وعزه في السماوات والأرض ومن شرف أهل بيته، ولكني تغافلت عن ذلك وتشاغلت عنه في الملك، فيالها من نعمة ومنزلة ذهبت مني حيث لم أومن به، فأنا محروم من الجنة بعدم إيماني به، ولكني مع هذا الكفر خلصني الله تعالى من عذاب النار ببركة عدلي وإنصافي بين الرعية، وأنا في النار والنار محرمة علي»[21].

وقد ثبت تعظيم الشيعة لأعياد المجوس؛ كيوم النيروز، وغير ذلك من مظاهر مشابهة الرَّافضة للمجوس، وقد توسع في بيان ذلك الدكتور ناصر بن عبد الله القفاري في كتابه «الأثر الفارسي في انحراف التشيع».

 

[1]   «صحيح البخاري»، كتاب: صفة الصلاة، باب: وضع اليمنى على اليسرى (1/259) برقم (707).

[2]   «فتح الباري»، ابن حجر (2/225).

[3]   «فتح الباري» (2/224).

[4]   «المستدرك على الصحيحين»، الحاكم (1/404).

[5]   «فتح الباري»، ابن حجر (2/224).

[6]   «صحيح مسلم»، كتاب الصلاة، باب: وضع يده اليمنى على اليسرى بعد تكبيرة الإحرام تحت صدره فوق سرته، ووضعهما في السجود على الأرض حذو منكبيه (1/301) برقم (401).

[7]   «صحيح ابن حبان» (5/67).

[8]   «التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان» (3/286).

[9]   «المنتقى شرح الموطأ» الباجي (1/280- 281).

[10]  «التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد» (20/86).

[11]  «الاستذكار» (2/291).

[12]  «البيان والتحصيل»، ابن رشد (1/395).

[13]  «فتح الباري»، ابن حجر (2/224).

[14]  «صحيح البخاري»، كتاب التفسير، باب: {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى} [طه: 9] {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164] (4/1722) برقم (4403) «صحيح مسلم» كتاب الصيام، باب: صوم يوم عاشوراء (2/795) برقم (1130).

[15]  «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة»، يوسف البحراني (9/16).

[16]  انظر: «مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان»، أحمد بن محمد الأردبيلي (3/50).

[17]  «مختصر الأحكام» (1/68).

[18]  «شرح العروة الوثقى» (15/426).

[19]  «ذخیرة المعاد في شرح الإرشاد»، السبزواري (2/356).

[20]  «وسائل الشيعة»، الحر العاملي (4/1272).

[21]  «بحار الأنوار»، المجلسي (41/213/214).