زعمهم أن عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه كان يعبث بذكره وهو يؤم الناس في الصلاة

الشبهة: مما يشنع به بعض جهال الرَّافضة على عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه ما ذكره البيهقي: «وروى الشافعي في كتاب (القديم) عن مسلم وسعيد، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، أن عمر بن الخطَّاب بينا هو يؤم الناس إذ زلت يده على ذكره، فأشار إلى الناس أن امكثوا، ثم خرج فتوضأ، ثم رجع فأتم بهم ما بقي من الصلاة» . فقالوا: كيف للخليفة، وهو يؤم الناس في صلاتهم، أن يعبث بذكره؟!

الرد علي الشبهة:

أولًا:   إن هذه الرواية لا تصح من جهة الإسناد؛ وذلك لسببين:

الأول: في سند هذه الرواية ابن جريج، وهو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، وهو مدلسٌ، وقد عنعن.

والمدلّس إذا وردت روايته بلفظ «عن»، ولم يصرّح بسماعه من شيخه في طريق آخر، لا تقبل روايته. قال الإمام الذهبي: «الرجل في نفسه ثقة، حافظ، لكنه يدلّس بلفظة: عن»[1].

الثاني: «ابن أبي مليكة، هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة، لم يدرك عمر ابن الخطَّاب I، ولم يرو عنه، وحديثه عنه مرسل»[2].

لكنه جاء في رواية عبد الرزاق تصريح ابن جريج بالسماع، فرواه من طريق ابن جريج، قال: «سمعت عبد الله بن أبي مليكة يحدث عمن لا أتهم أن عمر بن الخطَّاب بينا هو قائم يصلي بالناس، حين بدأ في الصلاة، فزلت يده على ذكره، فأشار إلى الناس أن امكثوا، وذهب فتوضأ، ثم جاء فصلى، فقال له أبي: لعله وجد مذيًا، قال: لا أدري»[3].

ولكن نجد أن ابن أبي مليكة في هذا الطريق يروي عن شخص مجهول؛ ورواية المجهول عندنا غير مقبولة.

قال الإمام ابن كثير: «فأمَّا المبهم الّذي لم يسمّ، أو من سمّي ولم تعرف عينه فهذا ممن لا يقبل روايته أحدٌ علمناه» [4].

ثانيًا:   على فرض صحة الرواية، فإنه لا مطعن فيها، فالرواية تقول: «زلت يده»، وهذا يدل على أنه لم يكن متعمدًا فعل ذلك في الصلاة، فهو معذور.

 ثالثًا:   إنه قد ورد في كتب الرَّافضة ما يدل على جواز اللعب بالذكر حال الصلاة.

روى الحر العاملي بسنده، عن أبي عبد الله S قال: «قلت له: الرجل يعبث بذكره في صلاة المكتوبة. قال: وما له فعل؟ قلت: عبث به حتى مسه بيده، قال: لا بأس».

وروى أيضًا بسنده، عن معاوية بن عَمَّار قال: «سألت أبا عبد الله S عن الرجل يعبث بذكره في صلاة المكتوبة؟ فقال: لا بأس»[5].

وروى الطوسي أيضًا بسنده، عن سماعة قال: «سألت أبا عبد الله S عن الرجل يمس ذكره، أو فرجه، أو أسفل من ذلك، وهو قائم يصلى أيعيد وضوءه؟ فقال: لا بأس بذلك؛ إنما هو من جسده»[6].

وهذه الروايات صريحة في جواز اللعب والعبث بالذكر حال الصلاة، وحتى رواية الطوسي التي نصت على «المس» فإنه يراد به العبث بالذكر.

يقول علي الميلاني: «ولا يتوهمنَّ أحد الفرق بين (العبث بالذكر في الصَّلاة) الوارد في أخبار القوم، و(مسّ الذكر في الصلاة) الوارد في «الاستبصار» من كتبنا، فإنَّ (العبث) هو اللعب والعمل بلا فائدة، كما في (المصباح المنير) وغيره من كتب اللغة... بل ليس مراد السائل من (المسّ) إلَّا (العبث)»[7].

بل ورد في كتبهم ما هو أشد من هذا، فيجوز للمرأة عندهم أن تمس فرجها وهي تصلي، إذا شكت أحاضت أم لا.

روى الطوسي بسنده، عن أبي عبد الله S: «في المرأة تكون في الصلاة فتظن أنها قد حاضت؟ قال: تدخل يدها فتمس الموضع، فإن رأت شيئًا انصرفت، وإن لم تر شيئًا أتمت صلاتها»[8].

ويقول المجلسي عن الحديث: «الحديث الخامس والأربعون: موثق. ويدل على أن مس الفرج لا ينقض الوضوء»[9].

رابعًا:   إذا كان الرافضي يستنكر العبث بالذكر في الصلاة - حسب زعمه - فما موقفه مما جاء في كتبهم، من جواز ضم وتقبيل الجارية أثناء الصلاة؟!

فقد عقد الحر العاملي بابًا بعنوان: [عدم بطلان الصلاة بضم المرأة المحللة، ورؤية وجهها، وعدم جواز نظر المرأة الأجنبية في الصلاة] وأورد فيه رواية بسنده، عن مسمع قال: «سألت أبا الحسن S فقلت: أكون أصلي، فتمر بي الجارية فربما ضممتها إليّ، قال: لا بأس»[10].

*  فأيهما أشنع؟ آللعب بالذكر أم ضم الجارية أثناء الصلاة؟!

 

[1]   «سير أعلام النبلاء»، الذهبي (6/332).

[2]   «تهذيب الكمال»، أبو الحجاج المزّي (15/256).

[3]   «مصنف عبد الرزاق» (1/114).

[4]   «الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث» (ص92).

[5]   «وسائل الشيعة» (4/1276).

[6]   «الاستبصار» (1/88).

[7]   «استخراج المرام من استقصاء الإفحام» (3/305).

[8]   «تهذيب الأحكام» (1/395).

[9]   «ملاذ الأخيار في فهم تهذيب الأخبار» (3/140).

[10]  «وسائل الشيعة» (4/1272).