طعنهم فيه لقول النبي صلى الله عليه وسلم له: «أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا بْنَ الْخَطَّابِ؟!»

الشبهة: قالت الشيعة: إن عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه كان يقرأ كتب أهل الكتاب، ويتعلم منهم حتى بلغ الأمر أن غضب منه النبي صلى الله عليه وسلم، وقال له: «أمتهوِّكون فيها يا بن الخطَّاب؟!».
قال صلاح الدين الحسيني: «ثمَّ إنَّه من المعروف أنَّ عمر بن الخطَّاب كان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم يحاول دائما أن يقرأ التوراة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغضب لذلك، وكان دائمًا يمنعه من قراءتها، حتَّى وصل به الأمر أن طلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدوّن حكم وتعاليم اليهود التي يتحدّثون بها ويتداولونها حتَّى تنفع المسلمين، إلا أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رفض ذلك الأمر، وغضب غضبًا شديدًا» .
واستندوا إلى ما رواه الإمام أحمد بسنده، عن جابر بن عبد الله، أنَّ عمر بن الخطَّاب أتى النَّبي صلى الله عليه وسلم بكتابٍ أصابه من بعض أهل الكتب، فقرأه على النَّبي صلى الله عليه وسلم فغضب وقال: «أمتهوّكون فيها يا بن الخطَّاب؟! والّذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقيّةً، لا تسألوهم عن شيءٍ فيخبروكم بحقٍّ فتكذّبوا به، أو بباطلٍ فتصدّقوا به، والّذي نفسي بيده، لو أنَّ موسى كان حيّا، ما وسعه إلَّا أن يتّبعني» .

الرد علي الشبهة:

أولًا:    من جهة السند، فهذا الإسناد فيه مجالد بن سعيد، وهو ضعيف لا يحتج به.

قال عنه ابن الجوزي: «مجالد بن سعيد بن عمير بن ذي مران الهمذاني الكوفي، يروي عن الشَّعبي، وقيس بن أبي حازم، قال أحمد: ليس بشيء، وقال يحيى، والنّسائيّ، والدّارقطنيّ: ضعيف، وقال يحيى مرّة: لا يحتج بحديثه، وقال، مرّة: صالح، وقال ابن حبان: يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل لا يجوز الاحتجاج به»[1].

وقال ابن شاهين: «مجالد بن سعيد ضعيف واهي الحديث. وكان يحيي بن سعيد يقول: لو أردت أن يرفع لي مجالد بن سعيد حديثه كله رفعه. قلت له: ولم يرفع حديثه...؟ قال: لضعفه»[2].

ومن احتج بأن مجالدًا من رجال مسلم نقول له: إن الإمام مسلمًا قد نقل عنه في المتابعات؛ والمتابعات يدخل فيها الضعفاء، كما قال الإمام النووي: «(ومجالدٌ) هو بالجيم وهو ضعيفٌ، وإنَّما ذكره مسلمٌ هنا متابعةً والمتابعة يدخل فيها بعض الضّعفاء»[3].

وقد ضعف بعض أهل العلم جميع الروايات التي وردت في هذه القصة.

يقول عبد القادر محمد عطاء صوفي: «على أن روايات هذا الحديث جميعها لا تخلو من قادح... وبناء على ذلك فلا يحتج بهذا الحديث»[4].

قلت: وأحسن إسناد وجد لهذه القصة، ما رواه الخطيب البغدادي؛ حيث قال: أنا الحسن بن أبي بكرٍ، أنا أحمد بن إسحاق بن نيخابٍ، نا محمّد بن أيّوب، أنا موسى بن إسماعيل، نا جريرٌ، عن الحسن، أنَّ عمر بن الخطَّاب قال:
يا رسول الله، إنّ أهل الكتاب يحدّثونا بأحاديث قد أخذت بقلوبنا، وقد هممنا أن نكتبها فقال: «أمتهوّكون أنتم كما يتهوّك اليهود والنّصارى؟! أما والّذي نفس محمّدٍ بيده، لقد جئتكم بها بيضاء نقيّةً، ولكنّي أعطيت جوامع الكلم واختصر لي الحديث اختصارًا»
[5].

قلت: «هذا ضعيف؛ لإرسال الحسن البصري».

قال الإمام مسلم: «والمرسل من الرّوايات في أصل قولنا وقول أهل العلم بالأخبار ليس بحجّةٍ»[6].

وقال الإمام ابن الصلاح: «والمشهور التّسوية بين التّابعين في اسم الإرسال كما تقدّم، والله أعلم. ثمَّ اعلم أنَّ حكم المرسل حكم الحديث الضّعيف، إلَّا أن يصحّ مخرجه بمجيئه من وجهٍ آخر»[7].

وقال الإمام الذهبي: «ومن أوهى المراسيل عندهم: مراسيل الحسن»[8].

وقال الإمام الألباني في مراسيل الحسن البصري I: «قلت: والمرسل ضعيف عند المحدثين، وبخاصة مرسل الحسن البصري؛ فقد قال بعض الأئمة: مراسيل الحسن البصري كالريح»[9].

قلت: فهذا حال أحسن إسناد لهذه القصة.

ثانيًا:   على فرض صحة هذه القصة[10]فإنها لا تتضمن قدحًا في أمير المؤمنين عمر بن الخطَّاب I.

قال العلامة المعلمي: «وعلى فرض صحته، فالغضب من المجيء بذاك الكتاب كان لسببين:

الأول: إشعاره بظن أن شريعتهم لم تنسخ، ولهذا دفع ذلك بقوله: «لو أن موسى كان حيًّا ما وسعه إلا أن يتبعني».

والثاني: أنه قد سبق للمشركين قولهم في القرآن والنبي H : ﴿ وَقَالُوٓاْ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ ٱكۡتَتَبَهَا فَهِيَ تُمۡلَىٰ عَلَيۡهِ بُكۡرَةٗ وَأَصِيلٗا ٥ ﴾ [الفُرۡقَان: 5] ، وفي اعتياد الصحابة الإتيان بكتب أهل الكتاب وقراءتها على النبي H ترويج لذاك التكذيب، والسببان منتفيان عمن اطلع على بعض كتبهم بعد وفاة النبي H كعبدالله ابن عمرو»[11].

ثالثًا:      إنه حتى وإن سلمنا بصحته، فليس فيه ما يقدح في عمر I وذلك بأن يقال: إنه كان لا يعلم أن رسول الله H يغضب إذا قرأ أحد من أصحابه في كتب أهل الكتاب، فلما بلغه النهي انتهى، ولذلك ورد في بعض الروايات أنه قال: «فقمت، فقلت: رضيت بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبك رسولًا، ثمَّ نزل رسول الله H »[12].

ثم إن عمر I ما فعل ذلك إلا رغبةً في الاستزادة من العلم، فلما نهاه النبي H انتهى.

رابعًا:     إنه قد ورد في كتب الشيعة أن أئمتهم يقرأون في كتب أهل الكتاب، فما حكم النبي H فيمن يقرأ في تلك الكتب إذًا؟!

ففي «الكافي»: «عن هشام بن الحكم في حديث بُرَيْهٍ، أنه لما جاء معه إلى أبي عبد الله، فلقي أبا الحسن موسى بن جعفر فحكى له هشام الحكاية، فلما فرغ قال
أبو الحسن لبريه: يا بُرَيْه، كيف علمك بكتابك؟ قال: أنا به عالم، ثم قال: كيف ثقتك بتأويله؟ قال: ما أوثقني بعلمي فيه! قال: فابتدأ أبو الحسن يقرأ الإنجيل، فقال بريه: «إياك كنت أطلب منذ خمسين سنة أو مثلك، قال: فآمن بريه وحسن إيمانه، وآمنت المرأة التي كانت معه، فدخل هشام وبريه والمرأة على أبي عبد الله، فحكى له هشام الكلام الذي جرى بين أبي الحسن موسى وبين بريه، فقال أبو عبد الله:
﴿ ذُرِّيَّةَۢ بَعۡضُهَا مِنۢ بَعۡضٖۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ٣٤ ﴾ [آل عِمۡرَان: 34]  ،فقال بريه: أنى لكم التوراة والإنجيل وكتب الأنبياء؟! قال: هي عندنا وراثة من عندهم نقرؤها كما قرؤوها ونقولها كما قالوا،
إن الله لا يجعل حجة في أرضه يسأل عن شيء فيقول: لا أدري»
[13].

وفي «بحار الأنوار» للمجلسي: «روي أن جماعة استأذنوا على أبي جعفر قالوا: فلما صرنا في الدهليز، إذا قراءة سريانية بصوت حسن يقرأ ويبكي، حتى أبكى بعضنا، وما نفهم ما يقول، فظننا أن عنده بعض أهل الكتاب استقرأه، فلما انقطع الصوت دخلنا عليه فلم نر عنده أحدًا، قلنا: لقد سمعنا قراءة سريانية بصوت حزين، قال: ذكرت مناجاة إليا النبي، فأبكتني»[14].

وفي «بحار الأنوار» للمجلسي: «عن ضريس الكناسي قال: كنت عند أبي عبدالله، وعنده أبو بصير، فقال أبو عبد الله: إن داود ورث الأنبياء، وإن سليمان ورث داود، وإن محمدًا ورث سليمان وما هناك، وإنا ورثنا محمدًا، وإن عندنا صحف إبراهيم وألواح موسى»[15].

فهؤلاء أئمة الشيعة يقرأون التوراة، والإنجيل، والزبور، بل ويحكمون بحكم آل داود!

ففي «الكافي» - وقال المجلسي في «مرآة العقول»: «حسن موثق» - بسنده، عن أبي عبيدة الحذاء: «أن الصادق قال...، ثم قال: يا أبا عبيدة، إذا قام قائم آل محمد، حكم بحكم داود وسليمان، لا يسأل بينة»[16].

وقد اتهم المفيد الصدوق بأنه يأخذ عقيدته من النصارى.

قال الصدوق: «اعتقادنا في الجنة أنها دار البقاء ودار السلامة... وهم أنواع مراتب: منهم المتنعمون بتقديس الله، وتسبيحه، وتكبيره في جملة ملائكته»[17].

فجاء المفيد فقال: «وقول من يزعم أن في الجنة بشرًا يلتذ بالتسبيح والتقديس من دون الأكل والشرب، قول شاذ عن دين الإسلام، وهو مأخوذ من مذهب النصارى الذين زعموا أن المطيعين في الدنيا يصيرون في الجنة ملائكة لا يطعمون ولا يشربون ولا ينكحون»[18].

فليحكموا إذًا على أئمتهم وعلمائهم بالشك والحيرة!

 

[1]   «الضعفاء والمتروكين»، ابن الجوزي (٣٥/٣).

[2]   «تاريخ أسماء الضعفاء والكذابين»، ابن شاهين (ص١٨١).

[3]   «شرح صحيح مسلم»، النووي (10/102).

[4]   «موقف الشيعة الاثني عشرية من الصحابة M» (ص807- 808).

[5]   «الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع»، الخطيب البغدادي (2/161).

[6]   «صحيح مسلم» المقدمة، باب: صحة الاحتجاج بالحديث المعنعن (1/29).

[7]   «مقدمة ابن الصلاح»، عثمان بن عبد الرحمن بن الصلاح (ص53).

[8]   «الموقظة»، الذهبي (ص6).

[9]   «سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة»، الألباني (12/666).

[10]  فإن الشيخ شعيب الأرناؤوط حسن هذا الحديث عند تعليقه على شرح السُّنَّة، «شرح السُّنَّة» (1/270)، وحسنه الشيخ الألباني في «الإرواء» (6/34) برقم (1589)، وحسنه الشيخ أبو الأشبال الزهيري في «جامع بيان العلم وفضله» (2/19).

[11]  «الأنوار الكاشفة» (ص122).

[12]  «الأحاديث المختارة - المستخرج من الأحاديث المختارة مما لم يخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما»، المقدسي (٢١٧/١).

[13]  «الكافي» (١/٢٢٧).

[14]  «بحار الأنوار»، المجلسي (٢٦/١٨١).

[15]  السابق (٢٦/١٨٣).

[16]  «الكافي» (1/397)، والمجلسي في «مرآة العقول» (4/298).

[17]  «الاعتقادات في دين الإمامية» (ص76).

[18]  «تصحيح اعتقادات الإمامية» (ص117).