زعمهم أن عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه عطل الحد على المغيرة بن شعبة

الشبهة: من ضمن الاتهامات التي وجهها الرَّافضة لعمر بن الخطَّاب رضي الله عنه أنه تحايل على الشرع، وعطَّل حد الزنا في حق المغيرة بن شعبة رضي الله عنه.
قال الحلي في سياق ذكره للمطاعن على عمر رضي الله عنه: «ومنها: أنه عطل حد الله في المغيرة بن شعبة لما شهد عليه الزنا، ولقن الشاهد الرابع الامتناع من الشهادة، وقال له: أرى وجه رجل لا يفضح الله به رجلًا من المسلمين، فلَجْلَجَ في شهادته، اتباعًا لهواه، فلما فعل ذلك عاد إلى الشهود فحدهم وفضحهم، فتجنب أن يفضح المغيرة، وهو واحد قد فعل المنكر، ووجب عليه الحد، وفضح ثلاثة، مع تعطيله حكم الله، ووضعه الحد في غير موضعه» . وتفصيل القصة:
ما ذكره ابن الأثير في ترجمة الصحابي أبي بكرة رضي الله عنه فقال: «وكان أبو بكرة من فضلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وصالحيهم، وهو الّذي شهد على المغيرة ابن شعبة فبت الشهادة، وجلده عمر بن الخطَّاب حد القذف، وأبطل شهادته، ثمَّ قال له: تب لتقبل شهادتك، فقال: إنما أتوب لتقبل شهادتي. قال: نعم. قال: لا جرم، لا أشهد بين اثنين أبدًا. وإنما جلده؛ لأنه شهد هو واثنان معه فبتوا الشهادة، وكان الرابع زيادًا فقال: رأيت اسْتًا تَنْبُو، ونَفَسًا يعلُو، وساقين كأنهما أُذُنَا حمار، ولا أعلم ما وراء ذلك، فجلد عمر الثلاثة، وتاب منهم اثنان فقبل شهادتهما» .

الرد علي الشبهة:

أولًا:    الصحابي الجليل «المغيرة بن شعبة» هو أحد أصحاب «بيعة الرضوان» الذين بايعوا النبي H تحت الشجرة[1]، والذين أثنى الله عليهم بالخير، وأخبر أنه رضي عنهم، قال تعالى: ﴿ ۞ لَّقَدۡ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذۡ يُبَايِعُونَكَ تَحۡتَ ٱلشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمۡ فَأَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيۡهِمۡ وَأَثَٰبَهُمۡ فَتۡحٗا قَرِيبٗا ١٨﴾ [الفَتۡح: 18]

وقد أثنى عليهم النبي H وشهد لهم بالخيرية، وأخبر أنهم من أهل الجنة، فعن جابر بن عبد الله L قال: قال لنا رسول الله H يوم الحديبية: «أَنْتُمْ خَيْرُ أَهْلِ الْأَرْضِ»[2].

قال الحافظ ابن حجر: «هذا صريح في فضل أصحاب الشجرة، فقد كان من المسلمين إذ ذاك جماعةٌ بمكة وبالمدينة وبغيرهما»[3].

وعن جابر بن عبد الله L قال: أخبرتني أمُّ مبشّرٍ أنّها سمعت النَّبي H يقول عند حفصة: «لَا يَدْخُلُ النَّارَ -إن شاء الله- مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ أَحَدٌ، الَّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَهَا»، قالت: بلى يا رسول الله، فانتهرها. فقالت حفصة: ﴿ وَإِن مِّنكُمۡ إِلَّا وَارِدُهَاۚ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتۡمٗا مَّقۡضِيّٗا ٧١﴾ [مَرۡيَم: 71] ، فقال النَّبي H : قد قال الله عز وجل: ﴿ ثُمَّ نُنَجِّي ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّ نَذَرُ ٱلظَّٰلِمِينَ فِيهَا جِثِيّٗا ٧٢﴾ [مَرۡيَم: 72] [4].

قال النووي: «قال العلماء: معناه: لا يدخلها أحدٌ منهم قطعًا، كما صرح به في الحديث الذي قبله -حديث حاطب- وإنما قال: «إن شاء الله» للتبرك لا للشك، وأما قول حفصة: «بلى»، وانتهار النبي H لها... ففيه دليل للمناظرة والاعتراض والجواب على وجه الاسترشاد، وهو مقصود حفصة، لا أنها أرادت رد مقالته H ، والصحيح أن المراد بالورود في الآية المرور على الصراط، وهو جسر منصوب على جهنم فيقع فيها أهلها وينجو الآخرون»[5]

ثانيًا:   ما جاء في روايات عدة من شهادةٍ على المغيرة I بالزنا: لم يثبت نصاب الشهادة فيها، ولا يمكن لأحدٍ أن يتهمه I بتلك الفاحشة البغيضة من غير اعتراف، أو شهادة أربعة رجال، وكلا الأمرين معدوم، وقد جلد عمر I الثلاثة الذين اتهموه بالزنا؛ لعدم اكتمال نصاب الشهادة، بعد تردد الرابع وعدم شهادته، ولم يصنع شيئًا مع المغيرة لعدم ثبوت أصل الواقعة شرعًا.

ولا شك أن الحد لا يثبت بشهادة أقل من أربعة باتفاق الجميع، يقول اللنكراني: «عدم كفاية الأقلّ من الأربعة، ولزوم تحقّق هذا العدد في مقام الشهادة، وعمدة ما يدلّ على عدم كفايته إجماع الطائفة الإمامية واتّفاقهم عليه، بل وإجماع سائر فقهاء المسلمين»[6].

ثالثًا:      بخصوص المروي في وصف فعله I مع تلك المرأة، فالجواب عنه من وجوه:

1-  سقوط ذلك كله شرعًا، وعدم ثبوت شيء منه؛ لتخلف نصاب الشهادة.

2-  أن كثيرًا من تلك الروايات لم تصح أصلًا من حيث إسنادها.

3-  أن ذلك الأمر الذي حصل -إن جزمنا بحصوله واقعًا، وهو ما سبب إشكالًا عند كثيرين- لم يكن مع امرأة أجنبية، بل كان مع زوجةٍ من نسائه تشبه تلك التي ادَّعي عليها فعل الفاحشة مع ذلك الصحابي الجليل.

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي: «يظهر لنا في هذه القصة أن المرأة التي رأوا المغيرة I مخالطًا لها عندما فتحت الريح الباب عليهما إنما هي زوجته، ولا يعرفونها، وهي تشبه امرأة أخرى أجنبية كانوا يعرفونها تدخل على المغيرة وغيره من الأمراء، فظنوا أنها هي، فهم لم يقصدوا باطلًا، ولكن ظنهم أخطأ، وهو لم يقترف -إن شاء الله- فاحشة؛ لأن أصحاب رسول الله H يعظم فيهم الوازع الديني الزاجر عما لا ينبغي في أغلب الأحوال، والعلم عند الله تعالى»[7].

رابعًا:   المغيرة بن شعبة I كان كثير الزواج، فأي حاجة ليفعل الحرام، وهو يجد من الحلال الكثير؟!

قال الذهبي: «عن المغيرة بن شعبة قال: لقد تزوجت سبعين امرأة، أو أكثر.
وقال أبو إسحاق الطالقاني: حدثنا ابن المبارك قال: كان تحت المغيرة ابن شعبة أربع نسوة، قال: فصفهن بين يديه، وقال: أنتن حسنات الأخلاق، طويلات الأعناق، ولكني رجل مطلاق، فأنتن الطلاق.
قال ابن وهب: حدثنا مالك قال: كان المغيرة نكّاحا للنساء، ويقول: صاحب الواحدة إن مرضت مرض، وإن حاضت حاض، وصاحب المرأتين بين نارين تشعلان، وكان ينكح أربعًا جميعًا، ويطلقهن جميعًا»
[8].

خامسًا: معروف شدة عمر بن الخطَّاب I وشدة غيرته على حرمات الله، وأيضًا تشدده مع ولاته، وكونه ولَّى المغيرة بن شعبة I بعد تلك الحادثة على الكوفة، فهذا يدل على أن الأمر لم يثبت عنده، وإلا لم يكن ليوليه عليها.

سادسًا: إذا اتهم الرَّافضة عمر بن الخطَّاب I بإسقاط الحد، فما موقفهم من علي بن أبي طالب I الذي أسقط الحد على من ارتكب فاحشة اللواط مع اعترافه بها.

روى الكليني بسنده عن أبي عبد الله S قال: «بينا أمير المؤمنين S في ملإٍ من أصحابه إذ أتاه رجلٌ، فقال: يا أمير المؤمنين، إنّي قد أوقبت على غلامٍ، فطهِّرني. فقال له: يا هذا، امض إلى منزلك لعلَّ مرارًا هاج بك. فلمَّا كان من غدٍ عاد إليه، فقال له: يا أمير المؤمنين، إنِّي أوقبت على غلامٍ، فطهِّرني. فقال له: يا هذا، امض إلى منزلك لعلَّ مرارًا هاج بك، حتَّى فعل ذلك ثلاثًا بعد مرَّته الأولى. فلمَّا كان في الرّابعة، قال له: يا هذا، إنَّ رسول الله H حكم في مثلك بثلاثة أحكامٍ، فاختر أيّهنَّ شئت. قال: وما هنَّ يا أمير المؤمنين؟ قال: ضربةٌ بالسَّيف في عنقك بالغةً ما بلغت، أو إهداءٌ من جبلٍ مشدود اليدين والرِّجلين، أو إحراقٌ بالنَّار. فقال: يا أمير المؤمنين، أيّهنّ أشدَّ عليَّ؟ قال: الإحراق بالنَّار. قال: فإنِّي قد اخترتها يا أمير المؤمنين. قال: خذ لذلك أهبتك فقال: نعم، فقام، فصلّى ركعتين، ثمَّ جلس في تشهّده، فقال: اللهمَّ إنّي قد أتيت من الذّنب ما قد علمته، وإنّي تخوَّفت من ذلك، فجئت إلى وصيّ رسولك وابن عمّ نبيّك، فسألته أن يطهّرني، فخيّرني بين ثلاثة أصنافٍ من العذاب، اللهمَّ فإنِّي قد اخترت أشدّها، اللهمَّ فإنِّي أسألك أن تجعل ذلك كفّارةً لذنوبي، وأن لا تحرقني بنارك في آخرتي، ثمَّ قام وهو باكٍ حتَّى جلس في الحفرة الَّتي حفرها له أمير المؤمنين S، وهو يرى النَّار تتأجَّج حوله. قال: فبكى أمير المؤمنين S، وبكى أصحابه جميعًا، فقال له أمير المؤمنين S: قم يا هذا، فقد أبكيت ملائكة السَّماء وملائكة الأرض، فإنَّ الله قد تاب عليك، فقم ولا تعاودنّ شيئًا ممّا قد فعلت»[9].

ويلاحظ على هذه الرواية: أن علي بن أبي طالب I قد أسقط الحد عن هذا الرجل الذي صدر منه هذا الفعل القبيح لمجرد أنه كان من شيعته وأتباعه، فهل يجوز للإمام أن يعطل حدود الله تعالى؟!

بل وجعلوا تعطيل حدود الله مع وجود الإقرار والاعتراف من خصائص الإمام، قال التستري: «وهو مخصوص بالإمام، فعن الباقر S: لا يعفو عن الحدود الَّتي لله دون الإمام»[10].

*   فكيف جاز للإمام دون غيره أن يعطل حدود الله؟!

*   هل سيقول الرَّافضة: إن الأئمة يتلاعبون بالشرع والحدود؟

*   أم أن هذه الاتهامات حصرية على أصحاب رسول الله H ؟!

 


[1]   راجع: «صحيح البخاري» (3/193)، «سير أعلام النبلاء» ط الرسالة (3/21).

[2]   «صحيح البخاري»، كتاب المغازي، باب: غزوة الحديبية (5/123) برقم (4154).

[3]   «فتح الباري» ابن حجر (7/443).

[4]   «صحيح مسلم»، كتاب فضائل الصحابة، باب: من فضائل أصحاب الشجرة (4/1942) برقم (2496).

[5]   «شرح النووي على مسلم»، النووي (16/58).

[6]   «تفصيل الشريعة»، محمد الفاضل اللنكراني (ص288).

[7]   «مذكرة في أصول الفقه»، محمد الأمين الشنقيطي (ص152).

[8]   «سير أعلام النبلاء»، الذهبي (3/31).

[9]   «الکافي»، الكليني (14/79)، وقال المجلسي في مرآة العقول (23/306): «حسن».

[10]  «قضاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب»، التستري (ص29).