قراءة عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه: (صراط من أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم وغير الضالين)

الشبهة: قال علي الكوراني: «آية عمر: (صراط من أنعمت عليهم.. وغير الضالين)، نسبوها إلى أبيّ!
قال السيوطي في «الدر المنثور» : أخرج وكيع، وأبو عبيد، وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي داود، وابن الأنباري، كلاهما في المصاحف من طرق، عن عمر بن الخطَّاب، أنه كان يقرأ: صراط من أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم وغير الضالين.
وإذا سألت: لماذا كان عمر يقرأ هكذا، ويخالف المسلمين كلهم؟! فلا تجد جوابًا إلا أنه استذوق ذلك!» .

الرد علي الشبهة:

أولًا: حمل أهل العلم ما ورد عن عمر I على أحد محملين:

1-  أنها أحد الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن:

قال مكي بن أبي طالب: «وقد قال إسماعيل القاضي في «كتاب القراءات» له: أن عمر بن الخطَّاب قرأ: (غير المغضوب عليهم وغير الضالين) قال: وهذا -والله أعلم- علم ما جاء: أن القرآن أنزل على سبعة أحرف»[1].

وقد قال بهذا أحد علماء الشيعة:

قال محمود الشريفي: «وبعض منها روايات تبيّن اختلاف القراءات، وأنّها لا تدلّ على اختلاف في نصّ الوحي وأصل القرآن؛ لأنّ القرآن ثبت بالتواتر، وهذه القراءات لم تثبت بالتواتر»[2].

2-  أنها من باب التفسير لا القراءة:

قال ابن كثير: «ولهذا روى أبو القاسم بن سلَّامٍ، في كتاب «فضائل القرآن»، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عمر بن الخطّاب I أنَّه كان يقرأ: (غير المغضوب عليهم وغير الضالين)، وهذا الإسناد صحيح، وكذلك حكي عن أبيّ بن كعبٍ أنَّه قرأ كذلك، وهو محمول على أنه صدر منهما على وجه التَّفسير»[3].

ثانيًا: هذه القراءة رويت عن أهل البيت في كتب الإمامية:

قال القمي في «تفسيره»: «وحدثني أبي، عن حماد، عن حريز، عن أبي عبد الله: أنه قرأ: (اهدنا الصراط المستقيم. صراط من أنعمت عليهم وغير المغضوب عليهم ولا الضالين)، قال: المغضوب عليهم: النُّصاب، والضالين: اليهود والنصارى. وعنه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن أبي عبد الله، في قوله: (غير المغضوب عليهم وغير الضالين). قال: المغضوب عليهم: النُّصاب، والضالين والشكاك والذين لا يعرفون الإمام»[4].

وقد حمل بعض علمائهم هذه الروايات على اختلاف القراءات.

قال محمد آصف محسني: «أقول: يحتمل الحمل على اختلاف القراءة... ثم الحديثان المذكوران من تفسير القمي، مع صحة سنديهما غير معتبرين عندنا؛ لعدم ثبوت نسبة التفسير الموجود إلى مؤلفه الثقة علي بن إبراهيم، وسيأتي بحثه في آخر هذه الموسوعة، والخلاصة: القراءة المذكورة لم تثبت من طريقنا، ولا نقبل روايات أهل السُّنَّة في ذلك أيضًا»[5].

فيحتمل أن تكون الروايات الواردة من باب اختلاف القراءة، وهو ما يمكن أن يجاب به أيضًا عما روي عن عمر I.

وأما طعنه في «تفسير القمي» وقوله بعدم ثبوته، فيرده قول غيره من علماء الإمامية بثبوت هذا الكتاب، وصحة نسبة الموجود اليوم إليه.

قال الطوسي: «وقرأ: (صراط من أنعمت عليهم) عمر بن الخطَّاب،
وعبد الله بن زبير، وروي ذلك عن أهل البيت
M»[6].

وقال الطبرسي: «وقرأ: (صراط من أنعمت عليهم) عمر بن الخطَّاب، وعمرو بن عبد الله الزبيري، وروي ذلك عن أهل البيت M... وقرأ: (غير الضالين) عمر بن الخطَّاب، وروي ذلك عن علي I»[7].

وقال أيضًا: «وروي عن أهل البيت M: (صراط من أنعمت عليهم)، وعن عمر بن الخطَّاب، وعمرو بن الزبير»[8].

وقال الملا صدرا: «وقرأ عمر بن الخطَّاب، وعمرو بن الزبير: (صراط من أنعمت عليهم)، وهو المروي عن أهل بيت النبيّ عليه وQ»[9].

ومن ثمَّ، فأي تشنيع على عمر I بذلك، يتناول أهل البيت M أيضًا؛ لأنهم موافقون له في هذه القراءة.

ثالثًا: صرح أحد علمائهم أن هذا الذي ورد عن أهل البيت من باب التحريف، وأن سورة الفاتحة، كما تقرأ الآن، فيها إشكال.

قال محمد رضا طهراني: «فليعلم المتعلمون من مواضع العلم، أئمة التعليم Q أن في الفاتحة إشكالين: أحدهما في: ﴿ صِرَٰطَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِمۡ غَيۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَيۡهِمۡ وَلَا ٱلضَّآلِّينَ ٧﴾ [الفَاتِحَةِ: 7].، فحاصل الإشكالين في الفاتحة على ما في المصاحف وما يقرأ الناس، أنَّ المعرفة وهي: ﴿ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِمۡ﴾ [الفَاتِحَةِ: 7] وصفت بالنكرة، وهو ﴿ غَيۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَيۡهِمۡ ﴾ في الوصف الأول، و ﴿ وَلَا ٱلضَّآلِّينَ ٧﴾ المعطوف على المغضوب عليهم، الذي كان في التقدير (غير لا الضالين) في الوصف الثاني، وهو خلاف العربية في القرآن الذي لم يؤت ولا يؤتى بمثله في العربية، وأن المغضوب عليهم في الموصوفين بالإنعام أولى بتأكيد النفي من الضالين بالبيان المقرر من قبل، وهي بخلاف هذه الأولوية الذي يأبى قوله تعالى: ﴿ قُل لَّئِنِ ٱجۡتَمَعَتِ ٱلۡإِنسُ وَٱلۡجِنُّ عَلَىٰٓ أَن يَأۡتُواْ بِمِثۡلِ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لَا يَأۡتُونَ بِمِثۡلِهِۦ وَلَوۡ كَانَ بَعۡضُهُمۡ لِبَعۡضٖ ظَهِيرٗا ٨٨﴾ [الإِسۡرَاء: 88] .

وأما حل هاتين المعضلتين والتفصي عنهما، فإنما هو ما أشار إليه مولانا أمير المؤمنين أصلا لتفريع أجوبة هذين الإشكالين، وما ضاهاهما عنه في جواب استشكال زنديق من الزنادقة بالتناكر بين الشرط والجزاء في آية ﴿ وَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تُقۡسِطُواْ فِي ٱلۡيَتَٰمَىٰ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثۡنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَۖ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تَعۡدِلُواْ فَوَٰحِدَةً أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡۚ ذَٰلِكَ أَدۡنَىٰٓ أَلَّا تَعُولُواْ ٣﴾ [النِّسَاء: 3].

فقال: هذا وما أشبهه مما ظهرت حوادث المنافقين فيه لأهل النظر والتأمل، ووجد المعطلون وأهل الملل المخالفة للإسلام مساغًا إلى القدح في القرآن، ولو شرحت لك كلما أسقط وحرّف وبدّل مما يجري هذا المجرى لطال وظهر ما تخطر التقية إظهاره من مناقب الأولياء، ومثالب الأعداء إلى آخر ما في احتجاج الطبرسي.
فنقول: هذان الإشكالان إنما حصلا لأهل النظر والتأمل، وكل إشكال ووصمة في القرآن حصل لأهل النظر والتأمل فهو مما ظهرت فيه حوادث المنافقين، فهذان الإشكالان مما ظهرت فيه حوادث المنافقين، وكذا الكلام في بقية الإشكالات التي قد روجت وبلغت إلى خمسين وثلائمائة موردًا كما أفردناها في كتاب آخر.
والعبارتان النازلتان في الفاتحة إنما هما: (من أنعمت عليهم وغير الضالين) كما في اثني عشر خبرًا من الثقات والأثبات أسلافًا وأخلافًا، كخبر فضيل عن أبي جعفر، أنه كان يقرأ: صراط من أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم وغير الضالين»
[10].

فبعد أن قرر الطهراني -في كلام طويل- وجود إشكال لغوي في الموضعين: ﴿ صِرَٰطَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِمۡ ﴾ و ﴿ وَلَا ٱلضَّآلِّينَ ٧﴾ ، كان جوابه على ذلك: أن هذا مما وقع فيه التحريف، وطالته أيادي التغيير، واستدل على ذلك بما ورد في كتبهم مما ذكرناه آنفًا.

فكيف لمن يقول بوقوع التحريف في هذا المورد، أن يتهم غيره بذلك؟!

رمتني بدائها وانسلت.

 

[1]   «الإبانة عن معاني القراءات»، مكي بن أبي طالب (ص54).

[2]   «أسطورة التحريف»، محمود الشريفي (ص119).

[3]   «تفسير ابن كثير» (1/55).

[4]   «تفسير القمي»، علي بن إبراهيم القمي (1/29).

[5]   «معجم الأحاديث المعتبرة»، محمد آصف محسني (2/384).

[6]   «التبيان في تفسير القرآن»، الطوسي (1/43).

[7]   «مجمع البيان في تفسير القرآن»، الطبرسي (1/67).

[8]   «تفسير جوامع الجامع»، الطبرسي (1/58).

[9]   «تفسیر القرآن الکریم»، الملا صدرا (1/124).

[10]  «حل المسائل المشكلة»، محمد رضا طهراني (ص331- 338).