زعمهم أن عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه أقر تحريف القرآن بقنوته بسورتي الخلع والحفد

الشبهة: يزعم الرَّافضة وجود روايات تدل على تحريف كتاب الله تعالى في مرويات أهل السُّنَّة، ومن ذلك: ما ورد في قنوت بعض الصحابة كعمر بن الخطَّاب رضي الله عنه بما يسمى (سورتي الخلع والحفد)، وروي عن أبي بن كعب رضي الله عنه أنه أثبتهما في مصحفه، قال الخوئي: «وقد نقل بطرق عديدة عن ثبوت سورتي الخلع والحفد في مصحف ابن عباس، وأبي بن كعب، اللهم إنا نستعينك، ونستغفرك، ونثني عليك، ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إن عذابك بالكافرين ملحق. وغير ذلك مما لا يهمنا استقصاؤه. وغير خفي أن القول بنسخ التلاوة بعينه القول بالتحريف والإسقاط» .
يقول صادق العلائي: «زيادة سورتي الحفد والخلع للقرآن؛ لنستعرض بعض رواياتـهم التي تدل على أنـهما سورتان كغيرهما من سور القرآن، وهذا يتم من ناحيتين، فتارة تنص تلك الروايات على أنـهما سورتان، وأن بعض الصحابة كان يقرأ بـهما في صلاته، بل ومنهم من يحلف بالله إنـهما نزلتا من السماء، وتارة أخرى تدعي الروايات أن بعض الصحابة كانوا يكتبون السورتين بين سور مصاحفهم.
النص على كونـهما سورتين: وأخرج محمد بن نصر والطحاوي، عن ابن عباس، أن عمر بن الخطَّاب كان يقنت بالسورتين (اللهم إياك نعبد)، (واللهم إنا نستعينك).
وأخرج محمد بن نصر، عن عبد الرحمن بن أبزى، قال: قنت عمر رضي الله عنه بالسورتين، وأخرج محمد بن نصر عن عبد الرحمن بن أبى ليلى أن عمر قنت بـهاتين السورتين: (اللهم إنا نستعينك)، و(اللهم إياك نعبد)» .

الرد علي الشبهة:

أولًا:    إن دعاء القنوت هذا المعروف بسورتي (الخلع والحفد)، لم يصح مسندًا مرفوعًا إلى رسول الله H من طريق مقبول، لا صحيح ولا حسن، خالٍ من علة أو جرح، وإنما صح موقوفًا عن بعض الصحابة الكرام.

ولا يمكن بمثل هذه الموقوفات - وإن تعددت- إثبات قرآنية هذا الدعاء؛ إذ من شرط ذلك أن يتواتر عند مجموع الأمة، كما هو حال ما بين دفتي المصحف الكريم، كما نص على ذلك العلماء.[1]

ثانيًا:   إن إثباتهما في بعض المصاحف، أو القنوت بهما لا يدل على قرآنيتهما.

قال الدكتور محمد أبو شهبة في «فصل الشبه التي أوردت على جمع القرآن»: «الشبهة الرابعة قالوا: إن القرآن نقص منه ما كان بعض الصحابة يكتبه في مصحفه، يدل على ذلك ما روي عن أبي بن كعب I أنه كان يكتب في مصحفه سورتي الخلع والحفد، وهو دعاء القنوت: اللهم إنا نستعينك، ونستهديك، ونستغفرك، ونخلع ونترك من يفجرك، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد»
الجواب على ذلك: «لا نسلم أنهما من القرآن، وكتابة أبي بن كعب
I لهذا الدعاء في مصحفه لا يدل على القرآنية، ونحن نعلم أن مصاحف بعض الصحابة لم تكن قاصرة على المتواتر، بل كان بعضها مشتملًا على الآحادي والمنسوخ تلاوة، على بعض تفسيرات وتأويلات، وأدعية، ومأثورات، ومن ذلك هذا الدعاء الذي يقنت به بعض الأئمة في الوتر، ووجوده في مصحف أبي I لا يدل على أنه قرآن، كما أن القنوت به في الصلاة لا يدل على القرآنية»[2].

وقد أقر بهذا أحد علمائهم، قال ناصر مكارم الشيرازي: «الطائفة الثانية: وقع الخلط بين الرّوايات، والحديث القدسي...

قد تكون الرّوايات تامّة من ناحية السند، إلَّا أنَّه وقع الخلط فيها بين الحديث القدسي أو الدعاء المأثور من جانب النبي صلى الله عليه وآله، أو الأئمّة وبين آيات القرآن العظيم...ومنها: ما رواه عبد الله بن رزين الغافقي، قال: قال لي عبد الملك ابن مروان: لقد علمت ما حملك على حبّ أبي تراب إلَّا أنّك أعرابي جافّ، فقلت: والله لقد جمعت القرآن من قبل أن يجتمع أبواك، ولقد علّمني منه علي بن أبي طالب S سورتين علّمهما إيّاه رسول الله H ما علّمتهما أنت ولا أبوك: «اللهمَّ إنَّا نستعينك، ونستغفرك، ونثني عليك، ولا نكفُرك، ونخلع ونترك من يفجرك، اللهمَّ إيّاك نعبد، ولك نصلّي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك، ونخشى عذابك الجدّ، إنّ عذابك بالكفّار ملحق».

وهذه أيضًا تنادي بأعلى صوتها بأنّها من الأدعية المأثورة كما لا يخفى.

ومنها: ما أخرجه البيهقي من طريق سفيان الثوري، عن ابن جريح، عن عطاء، عن عبيد بن عمير: أنَّ عمر بن الخطَّاب قنت بعد الركوع فقال: «بسم الله الرحمن الرحيم اللهمَّ إنَّا نستعينك، ونستغفرك، ونثني عليك، ولا نكفُرك، ونخلع ونترك من يفجرك، بسم الله الرحمن الرحيم اللهمَّ إيّاك نعبد، ولك نصلّي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى نقمتك، إنّ عذابك بالكافرين ملحق، قال ابن جريح: حكمة البسملة أنّهما سورتان في مصحف بعض الصحابة».

وقد سمّيت هاتان السورتان بسورة الحفر[3]، وسورة الخلع؛ لورود هاتين الكلمتين فيهما.

فهذه العبارة واضحة الدلالة على ما ذكرنا، كما يشهد عليه قول ابن جريح في ذيلهما؛ حيث إنّه يرشدنا إلى علّة الخلط والاشتباه في هذا المورد، وهي وجود البسملة في صدر الدعاءين.

مضافًا إلى أنَّ قرآنيّتهما لا بدّ فيها من ذكر قائل لها؛ لأنّهما صدرتا بلسان عبدٍ من عباد الله، ودأب القرآن في مثل هذه الموارد أن يذكر القائل إلا سورة الحمد، خاصّة، التي تواترت الأخبار بها»[4].

ثالثًا:   على فرض التسليم بقرآنيتهما، فيمكن أن يقال: إنهما كانتا مما نزل من القرآن ونسخ، ولا يقال عنهما بعد ذلك سورتان إلا على سبيل التجوز، فاسم القرآن لا يطلق إلا على ما بين دفتي المصحف من أول الفاتحة إلى آخر سورة الناس، فهذا هو القرآن المتعبد بتلاوته، المعجز بألفاظه ومعانيه، المحفوظ من التغيير، والتبديل، والتحريف، والزيادة، والنقص؛ مصداقًا لقول الله تعالى: ﴿ إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ ٩﴾ [الحِجۡر: 9].

رابعًا:   لا إشكال في وقوع النسخ في القرآن الكريم، فقد ثبت في كتاب الله تعالى، وسنة رسول الله H ، قال الله تعالى: ﴿ ۞ مَا نَنسَخۡ مِنۡ ءَايَةٍ أَوۡ نُنسِهَا نَأۡتِ بِخَيۡرٖ مِّنۡهَآ أَوۡ مِثۡلِهَآۗ أَلَمۡ تَعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ ١٠٦﴾ [البَقَرَةِ: 106] ،
وقال الله تعالى:
﴿ قُلۡ نَزَّلَهُۥ رُوحُ ٱلۡقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِٱلۡحَقِّ لِيُثَبِّتَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهُدٗى وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُسۡلِمِينَ ١٠٢﴾ [النَّحۡل: 102] .

قال السيوطي: «قال الحسين بن المنادي في كتابه «الناسخ والمنسوخ»: ومما رفع رسمه من القرآن، ولم يرفع من القلوب حفظه سورتا «القنوت في الوتر» وتسمّى سورتي الخلع والحفد»[5].

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي: «ومثال نسخ الكتاب بالسنّة: نسخ آية «عشر رضعات» تلاوة وحكمًا بالسُّنَّة المتواترة، ونسخ سورة (الخلع) وسورة (الحفد) تلاوة وحكمًا بالسُّنَّة المتواترة، وسورة الخلع وسورة الحفد: هما القنوت في الصبح عند المالكية، وقد أوضح صاحب «الدر المنثور» - وهو السيوطي- وغيره تحقيق أنهما كانتا سورتين من كتاب الله ثم نسختا»[6].

خامسًا:  أما كتابة أبي بن كعب I لهما في مصحفه، فقد أجاب عن هذا السيوطي بقوله: «أن القرآن وقع فيه النسخ كثيرًا للرسم، حتى لسور كاملة، وآيات كثيرة، فلا بد أن يكون الترتيب العثماني هو الذي استقر في العرضة الأخيرة؛ كالقراءات التي في مصحفه، ولم يبلغ ذلك أبيًّا وابن مسعود L كما لم يبلغهما نسخ ما وضعاه في مصاحفهما من القراءات التي تخالف المصحف العثماني؛ ولذلك كتب أبي في مصحفه سورة الحفد، والخلع، وهما منسوختان»[7].

أو يقال: إنّ أبي بن كعب I كان يثبت في مصحفه ما ليس قرآنا.

قال الزرقاني: «قال صاحب «الانتصار» ما نصه: إن كلام القنوت المروي أن أبي بن كعب أثبته في مصحفه لم تقم الحجة بأنه قرآن منزل، بل هو ضرب من الدعاء، وأنه لو كان قرآنًا لنقل إلينا نقل القرآن، وحصل العلم بصحته.

ثم قال: ويمكن أن يكون منه كلام كان قرآنًا منزلًا، ثم نسخ وأبيح الدعاء به، وخلط بما ليس بقرآن. ولم يصح ذلك عنه، إنما روي عنه أنه أثبته في مصحفه، وقد أثبت في مصحفه ما ليس بقرآن من دعاء أو تأويل»[8].

سادسًا:  يزعم الرَّافضة، وخاصة الإخباريون منهم، أن هناك سورة كانت في القرآن، وأسقطها الصحابة، وهي سورة «الولاية».

يقول الطهراني: «إنّ قصدنا من هذا الكلام هو أن نعرف أنَّ مؤلّف كتاب «دبستان المذاهب» إخباريٌّ محض، مع أنَّه مجهول، ولا يمكن الحكم على شخصٍ معيّن بنفسه. وقد ذكر في كتابه سورة منحولة موضوعة هي سورة الولاية، زاعمًا أنّها ساقطة من القرآن، معرّفًا الشيعة من خلالها...ومن الثابت أنَّ هذه السورة وضعها بعض الإخباريّين الذين تظاهروا بأنّهم أحرص على المذهب من غيرهم، وينطبق عليهم المثل القائل: ملكيٌّ أكثر من الملك، وأنّهم تحمّسوا للذبّ عن سيّدنا ومولانا أمير المؤمنين S، وبيان مثالب أعدائه، وقد افتروا هذه السورة، ونسبوها إلى الكلام الإلهيّ والعياذ بالله.

ولهذا رأينا في كلام الآشتيانيّ أنّها لم تلحظ في كتاب آخر غير «دبستان المذاهب»، وقد أشار ابن شهر آشوب إلى سورة الولاية الساقطة»[9].

وقد ذكر النوري الطبرسي في كتابه «فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب» وهو يعدد أقسام الاختلاف والتغيير الممكن حصوله في القرآن -بزعمه- فقال: «الثالثة: نقصان السورة، وهو جائز كسورة الخلع والحفد وسورة الولاية».[10]

فإذا كانت السورة عند أهل السُّنة لم تثبت عن النبي H بسند صحيح، ولو ثبتت لكانت من المنسوخ، فكيف بمن يقول ويعتقد ويصرح أنها محرفة؟!

 

[1]   للتوسع انظر: (تحفة الوفد بما ورد في سورتي الخلع والحفد)، لأبي يعلى البيضاوي.

[2]   «المدخل لدراسة القرآن الكريم»، محمد أبو شهبة (ص259).

[3]   كذا في الأصل، والصواب: الحفد.

[4]   «أنوار الأصول»، ناصر مكارم الشيرازي (2/334 -335).

[5]   «الإتقان في علوم القرآن» (2/68).

[6]   «أضواء البيان» (2/451).

[7]   «أسرار ترتيب القرآن» (ص48).

[8]   «مناهل العرفان في علوم القرآن» (1/271).

[9]   «معرفة الإمام» (14/117 -118).

[10]  «فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب»، النوري الطبرسي (ص١٥٦- ١٥٧).