زعمهم أن عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه قال: القرآن ألف ألف حرف وسبعة وعشرون ألف حرف

الشبهة: من اتهامات الرَّافضة لعمر بن الخطَّاب رضي الله عنه أنه قائل بالتحريف والنقيصة في كتاب الله، واستندوا على ما رواه الطبراني عن محمّدِ بنِ عبيد بن آدم بن أبي إياسٍ العسقلانيِّ، حدّثني أبي، عن جدِّي آدمَ بنِ أبي إياسٍ، ثنا حفص بن ميسرة، عن زيد ابن أسلم، عن أبيه، عن عمر بن الخطَّاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «القرآن ألف ألف حرفٍ، وسبعةٌ وعشرون ألْف حرفٍ، فمن قرأه صابرًا محتسبًا كان له بكلّ حرفٍ زوجةٌ من الحور العين». قال الطبراني: «لا يروى هذا الحديث عن عمر رضي الله عنه إلَّا بهذا الإسناد، تفرّد به حفص بن ميسرة» .
يقول صادق العلائي: «عمر يعترف أن القرآن كان أضعاف هذا الموجود. وفي «الدر المنثور»: أخرج ابن مردويه عن عمر بن الخطَّاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «القرآن ألف ألف حرف وسبعة وعشرون ألف حرف، فمن قرأه صابرًا محتسبًا فله بكل حرف زوجة من الحور العين».
وما نسبه عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم واضح بسقوط أكثر من ثلثي القرآن الكريم؛ لأن عدد أحرف القرآن الموجود بين أيدي المسلمين اليوم هو ثلاثمائة ألف وثلاثة وعشرون حرفًا، وستمائة وواحد وسبعون حرفًا، وسيتضح أن عمر حاول تأكيد فكرة وقوع التحريف في آيات القرآن بمقولات كثيرة» .

الرد علي الشبهة:

أولًا: الحديث باطل لا يصح كما بين أهل العلم ذلك؛ لوجود «محمد بن عبيد بن آدم بن أبي إياس» في السند، وهو ضعيف تكلم فيه النقاد.

قال الذهبي: «محمد بن عبيد بن آدم بن أبي إياس العسقلاني، تفرد بخبر باطل- ثم ساق الرواية-»[1].

وقال السيوطي: «وأخرج الطّبرانيّ عن عمر بن الخطَّاب مرفوعًا: «القرآن ألف ألف حرف وسبعة وعشرون ألف حرفٍ فمن قرأه صابرًا محتسبًا كان له بكلّ حرفٍ زوجةٌ من الحور العين». رجاله ثقاتٌ إلَّا شيخ الطّبرانيّ محمّد بن عبيد بن آدم ابن أبى إياسٍ، تكلّم فيه الذّهبيّ لهذا الحديث»[2].

وقال الحافظ ابن حجر: «محمد بن عبيد بن آدم بن أبي إياس العسقلاني تفرد بخبر باطل -ثم ساق نفس الرواية-»[3].

قال الشيخ الألباني: «قلت: لوائح الوضع على حديثه ظاهرة، فمثله لا يحتاج إلى كلام ينقل في تجريحه بأكثر مما أشار إليه الحافظ الذهبي ثم العسقلاني؛ من روايته لمثل هذا الحديث وتفرده به»[4]. وقال أيضًا: «حديث موضوع»[5]. وقال المتقي الهندي: «قال أبو نصر: غريب الإسناد والمتن»[6].

ثانيًا:  اعترف أحد علماء الرَّافضة أن هذه الرواية غير معتمدة عند أهل السُّنَّة.

قال عليّ الشهرستاني: «فوجود رواياتٍ تشكّك في هذا القرآن زيادةً أو نقيصةً لا يؤخذ بها، وهي أخبار لا يعتمد عليها، وقد رويت من قبل الحشويّة من أهل الحديث، وهي منكرة ومتروكة عند الفريقين، ولا يؤخذ بها»[7].

فقد جعل الرواية مما لا يعتمد عليه عند أهل السُّنَّة، وكلامه من هذه الناحية صحيح، وقد أوضحنا حكم أهل العلم عليها.

أما قوله: «إن أخبار التحريف لا يؤخذ بها عند الفريقين»، فغير مسلّم؛ فأخبار التحريف في كتب الرَّافضة بلغت حد التواتر كما نص عليه الجزائري[8] والمجلسي[9] وغيرهما، ولا شك أن التواتر يفيد العلم، ولا مجال لرده أو إنكاره.

ثالثًا: لو صحت الرواية تحمل على باب النسخ، فيكون هذا العدد باحتساب المنسوخ من القرآن أيضًا.

قال السيوطي: «وقد حمل ذلك على ما نسخ رسمه من القرآن أيضًا؛ إذ الموجود الآن لا يبلغ هذا العدد»[10].

وقال المتقي الهندي: «ويمكن حمله على ما نسخ منه تلاوة مع المثبت بين اللوحين اليوم»[11].

رابعًا: يتمسك الرَّافضة بهذه الأحاديث الضعيفة؛ لاتهام أهل السُّنَّة بالقول بتحريف القرآن، في حين نجد علماءهم يصرحون بتواتر الروايات عندهم الدالة على التغيير والنقيصة في كتاب الله تعالى.

قال نعمة الله الجزائري: «إن تسليم تواتره عن الوحي الإلهي، وكون الكل قد نزل به الروح الأمين، يفضي إلى طرح الأخبار المستفيضة بل المتواترة الدالة بصريحها على وقوع التحريف في القرآن كلامًا ومادة وإعرابًا، مع أن أصحابنا قد أطبقوا على صحتها والتصديق بها»[12].

ويقول المجلسي: «ولا يخفى أن هذا الخبر وكثيرًا من الأخبار الصحيحة صريحة في نقص القرآن وتغييره، وعندي أن الأخبار في هذا الباب متواترة معنى، وطرح جميعها يوجب رفع الاعتماد عن الأخبار رأسًا، بل ظني أن الأخبار في هذا الباب لا يقصر عن أخبار الإمامة، فكيف يثبتونها بالخبر؟»[13].

وقال محمد الجنابذي: «اعلم أنه قد استفاضت الأخبار عن الأئمة الأطهار بوقوع الزيادة والنقيصة والتحريف والتغيير فيه بحيث لا يكاد يقع شك»[14].

وإن حاول بعدها تأويلها بأن المراد التحريف في التأويل لا في لفظ القرآن، فهذا يرده ما نقلناه أولا عن الجزائري أن التحريف واقع في مادة القرآن ولفظه.

خامسًا:   ورد في كتب الرَّافضة ما يدل على أن عدد أحرف القرآن الكريم أكبر بكثير من العدد الموجود الآن، فقد رووا أن القرآن الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم سبعة عشر ألف آية.

روى الكليني بسنده عن أبي عبد الله S قال: «إن القرآن الذي جاء به جبرائيل S إلى محمد صلى الله عليه وسلم سبعة عشر ألف آية»[15].

فأين باقي الآيات؟ فالقرآن الموجود بين أيدينا اليوم قد نقص منه حوالي ثلثيه، فكم عدد حروفه إذًا؟

يجيب المازندراني عن هذا السؤال قائلًا: «أقول: كان الزائد على ذلك مما في هذا الحديث سقط بالتحريف، وإسقاط بعض القرآن وتحريفه ثبت من طرقنا بالتواتر معنى، كما يظهر لمن تأمل في كتب الأحاديث من أولها إلى آخرها»[16].

-   وعلى هذا سيكون عدد أحرف القرآن أكثر بكثير من الموجود اليوم!

-   فكيف يتهم الرَّافضة غيرهم بما يقولونه؟!

-   ولكن الأمر كما قيل: «رمتني بدائها وانسلت».

 

[1]   «ميزان الاعتدال في نقد الرجال» (3/639).

[2]   «الإتقان في علوم القرآن» (1/242 -243).

[3]   «لسان الميزان» (5/276).

[4]   «سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة» (9/70 -71).

[5]   «ضعيف الجامع الصغير» (ص603) برقم (4133).

[6]   «كنز العمال» (1/541).

[7]   «جمع القرآن نقد الوثائق وعرض الحقائق» (ص137).

[8]   «منبع الحياة وحجية قول المجتهد من الأموات» (ص٦٦).

[9]   «مرآة العقول» (١٢/٥٢٥).

[10]  «الإتقان في علوم القرآن» (1/242 -243).

[11]  «كنز العمال» (1/541).

[12]  «الأنوار النعمانية» (2/357).

[13]  «مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول»، المجلسي (12/525).

[14]  «تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة» (1/19).

[15]  «الكافي»، الكليني (2/634).

[16]  «شرح الكافي»، محمد صالح المازندراني (11/76).