زعمهم أن عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه كان يعظم صخرة بيت المقدس

الشبهة: في وسائل الإعلام الشيعية يروجون كثيرًا لهذا الأمر ويزعمون أن عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه هو الذي عظم صخرة بيت المقدس، وأن أهل السُّنَّة يعظمونها لأن عمر عظّمها بأمر كعب الأحبار.
يقول نجاح الطائي: «نجح كعب في إقناع عمر بأمور كثيرة مثل... الاهتمام بصخرة القدس وتنظيفها، وهي ليست أكثر من عجل بني إسرائيل... ووافقه عمر على ذلك» .

الرد علي الشبهة:

أولًا: صخرة بيت المقدس هي إحدى صخور مرتفعات القدس، وتقع وسط فناء المسجد الأقصى، ويبلغ طولها 18مترًا، وعرضها 13مترًا تقريبًا، ويتجه جانبها المنحدر إلى الشرق، بينما يتجه جانبها المستقيم المرتفع إلى الغرب، وترتفع بعض نواحيها عن سطح الأرض بحوالي متر، وشكلها غير منتظم، أما محيطها فيبلغ عشرة أمتار، ومن أسفلها فجوة هي بقية كهف عمقه أكثر من متر ونصف، وتظهر الصخرة فوقه وكأنها معلّقة بين السماء والأرض، وهي محاطة بسياج من الخشب المنقوش[1].

هذه الصخرة لم يثبت في فضلها حديث ولا أثر، غاية ما فيها أنها في المسجد الأقصى، فهي مشموله بالفضائل التي وردت في المسجد الأقصى، وليس لها أي مزية أخرى.

قال ابن القيم: «وكل حديثٍ في الصّخرة فهو كذبٌ مفترًى، والقدم الّذي فيها كذبٌ موضوعٌ، ممّا عملته أيدي المزوّرين الَّذين يروّجون لها؛ ليكثر سواد الزّائرين»[2].

وقال أيضًا: «وأرفع شيءٍ في الصّخرة أنّها كانت قبلة اليهود، وهي في المكان كيوم السّبت في الزّمان، أبدل الله بها هذه الأمّة المحمّديّة الكعبة البيت الحرام»[3].

فغاية ما في الأمر أنها جزء من بيت المقدس الذي ورد في فضله أنه كان القبلة الأولى، وأن الصلاة فيه تعدل مائتين وخمسين صلاة، كما صححه الألباني، وأنه يجوز شد الرحال إليه.

فعن أبي هريرة I عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تشدّ الرّحال إلَّا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرَّسول صلى الله عليه وسلم، ومسجد الأقصى»[4].

ومع ذلك فالصخرة لا تقصد بالزيارة، ولا بعبادة مخصوصة، بل ولم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى عندها ولا خصها بشيء.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «ولا تستحبّ زيارة الصّخرة، بل المستحبّ أن يصلّي في قبليّ المسجد الأقصى الّذي بناه عمر بن الخطَّاب للمسلمين»[5].

ثانيًا: كان موقف عمر بن الخطَّاب I من الصخرة هو موقف العالم السني الذي يقف حائط صد منيعًا أمام البدع، وأمام التشبه باليهود، فإنه نظّف الصخرة من القاذورات تنظيفًا لمسجد من مساجد المسلمين، وأنكر على كعب الأحبار إرادته بناء المسجد خلف الصخرة.

قال ابن كثير: «قال أبو سلمة: فحدّثني أبو سنانٍ عن عبيد بن آدم، قال: سمعت عمر بن الخطَّاب يقول لكعبٍ: أين ترى أن أصلِّي؟ فقال: إن أخذت عنِّي صلَّيت خلف الصّخرة، فكانت القدس كلها بين يديك، فقال عمر بن الخطَّاب I: «ضاهيت اليهودية، ولكن أصلي حيث صلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقدّم إلى القبلة فصلّى، ثمَّ جاء فبسط رداءه وكنس الكناسة في ردائه، وكنس النَّاس، فلم يعظّم الصّخرة تعظيمًا يصلّي وراءها وهي بين يديه كما أشار كعب الأحبار، وهو من قومٍ يعظّمونها حتَّى جعلوها قبلتهم، ولكن منّ الله عليه بالإسلام فهدي إلى الحقّ؛ ولهذا لمَّا أشار بذلك، قال له أمير المؤمنين عمر: «ضاهيت اليهوديَّة»، ولا أهانها إهانة النّصارى الَّذين كانوا قد جعلوها مزبلةً من أجل أنّها قبلة اليهود، ولكن أماط عنها الأذى وكنس عنها الكناسة بردائه. وهذا شبيهٌ بما جاء في صحيح مسلمٍ عن أبي مرثدٍ الغنويّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تجلسوا على القبور، ولا تصلّوا إليها»[6].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «ولا ريب أن الخلفاء الراشدين لم يبنوا هذه القبة، ولا كان الصحابة يعظمون الصخرة، ولا يتحرون الصلاة عندها، حتى ابن عمر مع كونه كان يأتي من الحجاز إلى المسجد الأقصى، كان لا يأتي الصخرة وذلك أنها كانت قبلة، ثم نسخت، وهي قبلة اليهود فلم يبق في شريعتنا ما يوجب تخصيصها بحكم، كما ليس في شريعتنا ما يوجب تخصيص يوم السبت، وفي تخصيصها بالتعظيم مشابهة لليهود»[7].

وقال: «فعمر I عاب على كعب الأحبار مضاهاة اليهودية، أي مشابهتها في مجرد استقبال الصخرة؛ لما فيه من مشابهة من يعتقدها قبلة باقية، وإن كان المسلم لا يقصد أن يصلي إليها، وقد كان لعمر I في هذا الباب من السياسات المحكمة، ما هي مناسبة لسائر سيرته المرضية، فإنه I هو الذي استحالت ذنوب الإسلام بيده غربًا فلم يَفْرِ عَبْقَرِيٌّ فَرِيَّهُ، حتى صدر الناس بعطنٍ، فأعز الله به الإسلام، وأذل الكفر وأهله، وأقام شعائر الدين الحنيف، ومنع من كل أمر فيه نزوع إلى نقض عرى الإسلام، مطيعًا في ذلك لله ورسوله، وقَّافا عند كتاب الله، ممتثلًا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، محتذيًا حذو صاحبيه، مشاورًا في أموره للسابقين الأولين، مثل عثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وعبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت M، وغيرهم ممن له علم أو فقه أو رأي أو نصيحة للإسلام وأهله. حتى إن العمدة في الشروط على أهل الكتاب على شروطه، وحتى منع من استعمال كافر أو ائتمانه على الأمة، وإعزازه بعد أن أذله الله، وحتى روي عنه أنه حرق الكتب العجمية وغيرها، وهو الذي منع أهل البدع من أن يبغوا وألزمهم ثوب الصغار»[8].

وعليه فما ينسب لعمر بن الخطَّاب I من أنه وافق كعب الأحبار في مشابهة اليهود كذب مجرد له قرنان.

ثالثًا: وأما في كتب الشيعة فقد جاء تعظيم صخرة بيت المقدس كما يعظمها اليهود.

ففي كتاب «سفینة البحار ومدینة الحکم والآثار» تحت عنوان: «صخرة بيت المقدس: فضل صخرة بيت المقدس وأنّ أرواح المؤمنين تجتمع عندها في كلّ ليلة جمعة»[9].

وجاء في «بحار الأنوار»: «جوابه -الحسين- عن مسائل سأله عنها ملك الروم حين وفد إليه...ثم سأله عن أرواح المؤمنين أين تجتمع؟ قال: تجتمع تحت صخرة بيت المقدس ليلة الجمعة، وهي عرش الله الأدنى، منها بسط الأرض، وإليها يطويها، ومنها استوى إلى السماء، وأما أرواح الكفار فتجتمع في دار الدنيا في حضرموت وراء مدينة اليمن، ثم يبعث الله نارًا من المشرق ونارًا من المغرب بينهما «معهما» ريحان، فيحشران الناس إلى تلك الصخرة في بيت المقدس فتحبس في يمين الصخرة، وتزلف الجنة للمتقين، وجهنم في يسار الصخرة في تخوم الأرضين، وفيها الفلق وسجين، فتفرق الخلائق من عند الصخرة في بيت المقدس، فمن وجبت له الجنة دخلها من عند الصخرة، ومن وجبت له النار دخلها من عند الصخرة»[10].

وقال الدكتور جعفر الخليلي: «في الخبر: من صلَّى في بيت المقدس فكأنما صلى في السماء، ورفع الله عيسى بن مريم إلى السماء من بيت المقدس، وفيه مهبطه إذا هبط، وتزف الكعبة بجميع حجاجها إلى البيت المقدس يقال لها: مرحبًا بالزائر والمزور، وتزف جميع مساجد الأرض إلى البيت المقدس، وأول شيء حسر عنه بعد الطوفان صخرة بيت المقدس، وفيه ينفخ في الصور يوم القيامة، وعلى صخرته ينادي المنادي يوم القيامة، وقد قال الله تعالى لسليمان بن داود R حين فرغ من بناء البيت المقدس: «سلني أعطك، قال: يا رب، أسألك أن تغفر لي ذنبي، قال: لك ذلك، قال: يا رب، وأسألك أن تغفر لمن جاء هذا البيت يريد الصلاة فيه وأن تخرجه من ذنوبه كيوم ولد، قال: لك ذلك، قال: وأسألك من جاء فقيرًا أن تغنيه، قال: لك ذلك، قال: وأسألك من جاء سقيمًا أن تشفيه، قال: ولك ذلك»[11].

فهذه فضائل الصخرة في كتب الشيعة، وهذه أصولهم اليهودية:

وفي «تفسير القمي» يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يا فاطمة، إنه لما أسري بي إلى السماء وجدت مكتوبًا على صخرة بيت المقدس: لا إله إلا الله محمد رسول الله، أيدته بوزيره ونصرته بوزيره، فقلت لجبرائيل: ومن وزيري؟ فقال: علي بن أبي طالب...»[12].

ومن عقائد الشيعة المضحكة اعتقادهم بأن المسجد الأقصى ليس في فلسطين، وإنما في السماء.

روى البحراني بسنده، عن رجل، عن أبي عبد الله قال: «سألته عن المساجد الَّتي لها الفضل، فقال: المسجد الحرام، ومسجد الرَّسول. قلت: والمسجد الأقصى، جعلت فداك؟ فقال: ذاك في السَّماء، إليه أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت: إنَّ النَّاس يقولون: إنّه بيت المقدس؟ فقال: مسجد الكوفة أفضل منه»[13].

وتناول هذا الموضوع بالتفصيل وفضح العلاقة بين اليهود والشيعة الشيخ طارق حجازي في كتابه «الشيعة والمسجد الأقصى».

بل وقدَّس الشيعة جمادات كثيرة كطين قبر الحسين، وقدَّسوا أحجارًا كثيرة واعتقدوا فيها النفع والضر من دون الله[14].

 

[1]   انظر: «صخرة القدس في ضوء العقيدة الإسلامية»، الدكتور/ناصر بن عبد الرحمن الجديع (ص٣).

[2]   «المنار المنيف في الصحيح والضعيف» (ص87).

[3]   السابق (ص88).

[4]   «صحيح البخاري»، كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب: فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة (2/60) برقم (1189).

[5]   «مجموع الفتاوى»، ابن تيمية (26/150).

[6]   «تفسير ابن كثير» ط. العلمية (5/30).

[7]   «اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم» (ص435).

[8]   السابق (ص12).

[9]   «سفینة البحار ومدینة الحکم والآثار»، عباس القمي (5/59).

[10]  «بحار الأنوار»، المجلسي (10/138)، وانظر: «مستدرك سفينة البحار»، علي النمازي (6/212).

[11]  «موسوعة العتبات المقدسة»، جعفر الخليلي (4/236).

[12]  «تفسير القمي» (2/336).

[13]  «البرهان في تفسير القرآن» هاشم البحراني (3/493).

[14]  انظر: «موسوعة الأحجار الكريمة المصورة»، محسن عقيل.