زعمهم أن عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه توسَّل بالعباس رضي الله عنه

الشبهة: يحتج علماء الرَّافضة على أهل السُّنَّة بما ورد من توسل عمر بن الخطَّاب بالعباس عم النبيّ صلى الله عليه وسلم لما أصابهم القحط؛ في محاولة منهم لتبرير تلبّسهم بالشرك، ودعائهم واستغاثتهم بغير الله تعالى.
روى البخاري في صحيحه، عن أنس بن مالك رضي الله عنه: «أنَّ عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه كان إذا قحطوا استسقى بالعبّاس بن عبد المطّلب، فقال: «اللهمَّ إنَّا كنّا نتوسّل إليك بنبيّنا فتسقينا، وإنّا نتوسّل إليك بعمّ نبيّنا فاسقنا»، قال: فيسقون» .
قال محمد إسحاق الفياض: «التوسل بالمعصومين عليهم السلام والصالحين ليس معنىً مرادفًا للشرك كما يدعيه أصحاب العقائد المنحرفة، كالوهابية وأضرابهم، بل هو حقيقة أثبتتها السُّنَّة الشريفة والقرآن الكريم، وقد ورد التوسل في كتب العامة فضلًا عن الخاصة؛ حيث ورد في كيفية استسقاء المسلمين بعم النبي صلى الله عليه وسلم العباس، وتوسل عمر بن الخطَّاب بالعباس عام الرمادة لما اشتد القحط، فسقاهم الله تعالى به» .
وزعموا أن توسل عمر بن الخطَّاب بالعباس رضي الله عنه من قبيل التوسل بالذات لا بالدعاء.
قال جعفر السبحاني: «فمع الانتباه إلى ما ذكروه عن عمر بن الخطَّاب بشأن التوسّل بالعبّاس، وأنّه أقسم باللّه بأنّ «هذا واللّه الوسيلة إلى الله، والمكان منه» يتّضح بأنّ حقيقة التوسّل، في هذا المجال، هي التوسّل بذات العبّاس ونفسه، أو بشخصيّته ووجاهته عند الله تعالى، لا بدعاء العبّاس» .

الرد علي الشبهة:

أولًا: إن هذا التوسل كان بدعاء العباس I لا بذاته، كما بينه الزبير بن بكار وغيره، وفي هذا رد واضح على الذين يزعمون أن توسل عمر كان بذات العباس لا بدعائه؛ إذ لو كان الأمر كذلك لما كان ثمة حاجة ليقوم العباس، فيدعو بعد عمر دعاءً جديدًا.

قال ابن حجر: «وقد بيّن الزّبير بن بكّارٍ في «الأنساب» صفة ما دعا به العبّاس في هذه الواقعة، والوقت الّذي وقع فيه ذلك، فأخرج بإسنادٍ له أنَّ العبّاس لمَّا استسقى به عمر، قال: اللهمَّ إنّه لم ينزل بلاءٌ إلَّا بذنبٍ، ولم يكشف إلَّا بتوبةٍ، وقد توجّه القوم بي إليك لمكاني من نبيّك، وهذه أيدينا إليك بالذّنوب، ونواصينا إليك بالتّوبة فاسقنا الغيث، فأرخت السَّماء مثل الجبال حتَّى أخصبت الأرض وعاش النَّاس»[1].

وهذا ما فهمه شراح الحديث من المتقدمين والمتأخرين:

قال المباركفوري: «(اللهمَّ إنَّا كنّا نتوسّل إليك بنبيّنا) أي: بدعائه وشفاعته في حال حياته، لا بذاته، (فتسقينا) بفتح حرف المضارعة وضمها (وإنا) أي بعده (نتوسل إليك بعم نبينا) العباس، أي: بدعائه وشفاعته»[2].

قال الألباني: «ومعنى قول عمر: إنا كنا نتوسل إليك بنبينا صلى الله عليه وسلم، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا: أننا كنا نقصد نبينا صلى الله عليه وسلم ونطلب منه أن يدعو لنا، ونتقرب إلى الله بدعائه، والآن وقد انتقل صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، ولم يعد من الممكن أن يدعو لنا، فإننا نتوجه إلى عم نبينا العباس، ونطلب منه أن يدعو لنا، وليس معناه أنهم كانوا يقولون في دعائهم: (اللهم بجاه نبيك اسقنا)، ثم أصبحوا يقولون بعد وفاته صلى الله عليه وسلم: (اللهم بجاه العباس اسقنا)؛ لأن مثل هذا دعاء مبتدع ليس له أصل في الكتاب ولا في السُّنَّة».[3]

والحاصل: أن التوسل إلى الله تعالى بدعاء من ترجى إجابة دعائه لصلاحه، لا بأس به.

ثانيًا:  إن عمر I صرح بأنهم كانوا يتوسلون بنبينا صلى الله عليه وسلم في حياته، وأنه في هذه الحادثة توسل بعمه العباس I، ومما لا شك فيه أن هذين التوسلين من نوع واحد: توسلهم بالرسول صلى الله عليه وسلم، وتوسلهم بالعباس، ولا شك أن توسلهم به صلى الله عليه وسلم إنما كان توسلًا بدعائه صلى الله عليه وسلم، فتكون النتيجة أن توسلهم بالعباس إنما هو توسل بدعائه أيضًا، بضرورة أن التوسلين من نوع واحد[4].

ثالثًا:  إن عدول عمر I عن النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته إلى عمه العباس في توسله بدعائه، دليلٌ واضحٌ على أنه لا يجوز طلب الدعاء من الميت، ولو كان رسولًا كسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ولو كان المقصود بالتوسل ذات العباس، لكان التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم أفضل وأعظم وأقرب إلى الله من التوسل بذات العباس، من غير شك أو ريب.

رابعًا: هل اختيار عمر والصحابة للعباس I، يدل على أن أهل البيت أفضل من غيرهم، كما قال عبد الصمد شاكر: «يظهر من الرواية أنَّ توسّل عمر بالعباس في الاستسقاء كان عادة له، وأنَّ التوسّل جائز، وأنَّ أهل بيته صلى الله عليه وسلم أفضل عندهم من الصحابة»[5]؟

والجواب عن هذا: أن اختيارهم له كان بسبب أنه أقرب الصحابة نسبًا إلى رسول الله؛ ولهذا قال العباس في دعائه: «وقد توجه القوم بي إليك؛ لمكاني من نبيك».

خامسًا:  أنه قد ورد في كتب الرَّافضة بيان كيفية التوسل إلى الله D.

قال علي بن أبي طالب I: «إنّ أفضل ما توسّل به المتوسّلون إلى الله D الإيمان به وبرسوله، والجهاد في سبيله؛ فإنَّه ذروة الإسلام، وكلمة الإخلاص فإنَّها الفطرة، وإقام الصَّلاة فإنَّها الملّة، وإيتاء الزّكاة فإنَّها فريضةٌ واجبةٌ، وصوم شهر رمضان فإنَّه جنّةٌ من العقاب، وحجّ البيت واعتماره فإنَّهما ينفيان الفقر ويرحضان الذّنب، وصلة الرّحم فإنَّها مثراةٌ في المال ومنسأةٌ في الأجل، وصدقة السّرّ فإنَّها تكفّر الخطيئة، وصدقة العلانية فإنَّها تدفع ميتة السّوء، وصنائع المعروف فإنَّها تقي مصارع الهوان»[6].

فذكر جملة من الأعمال الصالحة التي يتقرب بها الإنسان ويتوسل بها إلى الله تعالى وليس فيها ذكر التوسل بالذات أو الجاه أو نحو ذلك مما أحدثوه.

وقد حاول بعضهم تأويل هذا الكلام، حتى لا يتعارض مع ما يقولون به من جواز التوسل بالأئمة، فجاء في «موسوعة الأسئلة العقائدية»: «ثمَّ إنّ الإمام أمير المؤمنين لم يحصر الوسيلة بالعمل الصالح، وإنَّما قال: أفضل ما توسّل به المتوسّلون إلى الله D كذا وكذا، وذكر مجموعة من الأعمال الصالحة، وهذا معناه توجد وسائل فاضلة، ولكن هذا أفضل»[7].

والجواب عن هذا: أنه حتى هذا المعنى لا تسلمون به؛ بل ترون أن الوسيلة بأهل البيت هي أفضل أنواع التوسل، فليست مفضولة عندكم.

قال ميثاق الحلي: «والتوسل بهم (صلوات الله عليهم) هو نوع من أنواع الوسيلة الصالحة التي حث القرآن الكريم على التمسك بها، بل أفضلها»[8].

وهذه لا شك مخالفة ظاهرة وواضحة لكلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب I.


[1]   «فتح الباري»، ابن حجر (2/497).

[2]   «مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح»، عبيد الله الرحماني المباركفوري (5/192).

[3]   «موسوعة الألباني في العقيدة»، ناصر الدين الألباني (3/604).

[4]   «التوسل أنواعه وأحكامه»، ناصر الدين الألباني (ص63).

[5]   «نظرة عابرة إلى الصحاح الستة»، عبد الصمد شاكر (ص123).

[6]   «نهج البلاغة»، الشريف الرضي (ص163).

[7]   «موسوعة الأسئلة العقائديّة»، مركز الأبحاث العقائدية (3/213).

[8]   «قرة العين في صلاة الليل»، ميثاق عباس الحلي (ص94).