زعمهم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يضع يده في دَبَرة البعير

الشبهة: زعم الشيعة أنَّ عمر رضي الله عنه كان يضع يده في دبرة البعير، وقالوا: إنه وردت روايات بذلك في كتب أهل السُّنَّة، وهذا في «الطبقات الكبرى» و«تاريخ الخلفاء للسيوطي» .

الرد علي الشبهة:

أولًا:    الأثر أخرجه ابن سعد: «أخبرنا المعلّى بن أسدٍ، قال: أخبرنا وهيب بن خالدٍ، عن يحيى بن سعيدٍ، عن سالم بن عبد الله، أنَّ عمر بن الخطَّاب كان يدخل يده في دبرة البعير، ويقول: إنّي لخائفٌ أن أسأل عمَّا بك»[1].

والصواب أن هذا الأثر لا يصح، وعلته الانقطاع بين عمر، وسالم بن عبدالله ابن عمر. فقد قال الذهبي عن سالم بن عبد الله بن عمر: «مولده في خلافة عثمان»[2].

ثانيًا:   لو قلنا بصحة هذا الأثر تنزلًا، لكان مدحًا عظيمًا لأمير المؤمنين عمر بن الخطَّاب I؛ وذلك لأنه يدل على أنه كان يخاف أن يسأله الله تعالى عن جرح البعير، وهذا خوفٌ من التقصير في حقّ بعيرٍ، فكيف حال عدله وحرصه على الإسلام والمسلمين؟!

ودبرة البعير ليس كما يروج الشيعة أنه دُبر البعير، وإنما هو الجرح يكون في البعير.

قال ابن منظور: «والدّبرة، بالتّحريك: قرحة الدّابّة والبعير، والجمع دبرٌ وأدبارٌ مثل: شجرةٍ وشجرٍ وأشجار. ودبر البعير، بالكسر، يدبر دبرًا، فهو دبرٌ وأدبر، والأنثى دبرةٌ ودبراء، وإبل دبرى، وقد أدبرها الحمل والقتب، وأدبرت البعير فدبر، وأدبر الرجل إذا دبر بعيره، وأنقب إذا حفي خفّ بعيره. وفي حديث ابن عبّاسٍ: كانوا يقولون في الجاهليّة: إذا برأ الدَّبَر وعفا الأثَر.. الدّبَر بالتّحريك: الجرح الَّذي يكون في ظهر الدّابّة»[3].

- وقد قرّر الشيعة ذلك في كتبهم.

قال الحلي: «فإن عجزت الدابة أو دبرت. قال الشارح: دبرت الدابة: أي أصابتها القرحة»[4].

وجاء في «معجم ألفاظ الفقه الجعفري»: «الدبرة: القرحة الجلدية في الحيوان»[5].

وقال محمد فاضل المسعودي: «احتجاج فاطمة الزهراء عليها السلام على القوم لمَّا منعوها فدك... فدونكموها فاحتقبوها دبرة الظّهر».

قال في «الهامش»: «الدبر، بالتحريك: الجرح في ظهر البعير، وقيل: جرح الدابة مطلقًا»[6].

ثالثًا:   أيهما أولى بتوجيه سهام النقد إليه: أن يقال: إدخال يد الرجل في دبر البعير لعلاجه، أم إدخال الذكر في أدبار النساء؟! فقد أجمع الشيعة على جواز وطء المرأة في الدبر، كما نصّ على ذلك الشريف المرتضى[7].

وذكروا أنَّ من صفات الشيعي أنه يعمل عمل قوم لوط.

فقد روى الصدوق بإسناده، عن أبي إسحاق اللّيثيّ قال: «قلت لأبي جعفرٍ محمّد بن عليٍّ الباقر S: يا بن رسول الله، إنّي أجد من شيعتكم من يشرب الخمر، ويقطع الطّريق، ويخيف السّبل، ويزني ويلوط، ويأكل الرّبا، ويرتكب الفواحش، ويتهاون بالصّلاة، والصّيام، والزّكاة، ويقطع الرّحم، ويأتي الكبائر، فكيف هذا؟!»[8].

ومن الطَّوامِّ أنهم جاءوا بروايةٍ مفادها أن الشيعي إذا وقع في تلك الجريمة، فإنه لا يعاقب، ولا يقام عليه حد.

ففي «عيون المعجزات»: «حدثني أبو التحف، قال: حدثني سعيد بن مرة، يرفعه برجاله إلى عَمَّار بن ياسر، أنه قال: كان أمير المؤمنين S جالسًا في دار القضاء، فنهض إليه رجل يقال له صفوان بن الأكحل، وقال: أنا رجل من شيعتك وعليّ ذنوب، وأريد أن تطهرني منها في الدنيا لأرتحل إلى الآخرة وما عليّ ذنب، فقال S: قل لي بأعظم ذنوبك ما هي؟ فقال: أنا ألوط بالصبيان. فقال: أيما أحب إليك ضربة بذي الفقار، أو أقلب عليك جدارًا أو أضرم لك نارًا، فإنَّ ذلك جزاء من ارتكب ما ارتكبته؟ فقال: يا مولاي احرقني بالنار. فقال S: يا عَمَّار، اجمع له ألف حزمة من قصب، فأنا أضرمه غدًا بالنار. وقال للرجل: امض وأوص. قال: فمضى الرجل، وأوصى بما له وعليه، وقسم أمواله بين أولاده، وأعطى كل ذي حقه، ثم بات على باب حجرة أمير المؤمنين ببيت نوح S شرقي جامع الكوفة، فلما صلى أمير المؤمنين S وأنجانا به من الهلكة، قال: يا عَمَّار، ناد في الكوفة: اخرجوا وانظروا كيف يحرق علي رجلًا من شيعته بالنار! فقال أهل الكوفة: أليس قالوا إن شيعة علي ومحبيه لا تأكلهم النار؟ وهذا رجل من شيعته يحرقه بالنار؟ بطلت إمامته. فسمع ذلك أمير المؤمنين S.

قال عَمَّار: فأخرج الإمام الرجل وبنى عليه ألف حزمة من القصب، وأعطاه مقدحةً وكبريتًا. وقال له: اقدح واحرق نفسك، فإن كنت من شيعة علي وعارفيه، ما تمسّك النار، وإن كنت من المخالفين المكذبين فالنار تأكل لحمك، وتكسر عظمك. قال: فقدح النار على نفسه، واحترق القصب، وكان على الرجل ثياب كتان أبيض، لم تعلقها النار، ولم يقربها الدخان، فاستفتح الإمام وقال: كذب العادلون بالله، وضلوا ضلالًا بعيدًا، وخسروا خسرانًا مبينًا. ثم قال: أنا قسيم الجنة والنار، شهد بذلك لي رسول الله H في مواطن كثيرة»[9].

فيلزم من هذه الرواية أن الشيعي إذا وقع في تلك الجريمة الشنيعة، فإنه لا يعاقب عند الشيعة، فإنَّ كونه شيعيًّا شافعٌ له من الحد والعقوبة في الدنيا والآخرة.

يقول سعيد أبو معاش: «أقول: وهذا الحديث يذكّرني بما جرى على الخليل وابتلائه بنار نمرود التي ذكرها الله D في كتابه بقوله عز من قائل: ﴿ قُلۡنَا يَٰنَارُ كُونِي بَرۡدٗا وَسَلَٰمًا عَلَىٰٓ إِبۡرَٰهِيمَ ٦٩ ﴾ [الأَنبِيَاء: 69] ؛ لأنَّه من شيعة عليّ، والنار لا تمسّ بدنه الشريف، وقد نصّ القرآن الكريم على تشيّعه بقوله: ﴿ ۞ وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِۦ لَإِبۡرَٰهِيمَ ٨٣ ﴾ [الصَّافَّات: 83] [10].

فالخلاصة إذًا أن الشيعي لا يعاقب إذا عمِل عمَل قوم لوط، ولا شيء عليه في ذلك.

ولذلك رووا عن أبي جعفر، قال: «قيل: أيكون المؤمن مبتلى؟ قال: نعم، ولكن يعلو، ولا يعلى»[11].

ونحن نقول: سبحانك هذا بهتان عظيم! نحن نبرِّئ كل مؤمن من هذا الفعل الشنيع، الذي جعل الله عقوبته في كتابه من أشد العقوبات وأعظمها.

 


[1]   «الطبقات الكبرى» (3/217).

[2]   «سير أعلام النبلاء» (4/457).

[3]   «لسان العرب» (4/273 -274).

[4]   «حاشية الجامع للشرائع»، الحلي (ص368).

[5]   «معجم ألفاظ الفقه الجعفري»، أحمد فتح الله (ص187).

[6]   «الأسرار الفاطميّة»، محمد فاضل المسعودي (ص492).

[7]   انظر: «الانتصار»، الشريف المرتضي (ص298).

[8]   «علل الشرائع»، الشيخ الصدوق (2/606).

[9]   «عيون المعجزات»، حسين بن عبد الوهاب (ص30).

[10]  «فضائل الشيعة» (1/47).

[11]  «بحار الأنوار»، المجلسي (76/69).