إنكارهم زواج عمر بن الخطاب رضي الله عنه من أم كلثوم رضي الله عنها

الشبهة: يعمِد كثير من علماء الرَّافضة إلى إنكار الأمور الثابتة إذا كانت تعارض معتقدهم وتنقضه، ومن ذلك زواج عمر بن الخطَّاب من أم كلثوم بنت عليّ رضي الله عنهم، فقد أنكره البعض واستبعد ثبوته؛ لأنه ينسف مظلومياتهم، ويهدم ما بنوه في قضية العلاقة بين الصحابة وأهل البيت.
وعمدة النافين لهذا الزواج، هو قول المفيد: «في تزويج أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ابنته من عمر بن الخطَّاب، وتزويج النبي صلى الله عليه وسلم ابنتيه زينب ورقية من عثمان».
الجواب: «-والكلام للمفيد-إن الخبر الوارد بتزويج أمير المؤمنين رضي الله عنه ابنته من عمر غير ثابت، وطريقه من الزبير بن بكار، ولم يكن موثوقًا به في النقل، وكان متهمًا فيما يذكره، وكان يبغض أمير المؤمنين عليه السلام، وغير مأمون فيما يدعيه على بني هاشم» .
ومستند المفيد ومن وافقه على نفي الزواج أن الروايات وردت من طريق الزبير بن بكار، وهو مطعون فيه.

الرد علي الشبهة:

أولًا:  هذا الزواج المبارك ثابت عند المسلمين في أصح كتب الحديث عندهم، وليس من طريق الزبير بن بكار، كما ادعى المفيد.

فقد أخرج البخاري في «صحيحه» من طريق ابن شهاب: «قال ثعلبة بن أبي مالكٍ: إنّ عمر بن الخطَّاب I قسم مروطًا بين نساءٍ من نساء المدينة، فبقي مرطٌ جيّدٌ، فقال له بعض من عنده: يا أمير الـمؤمنين، أعط هذا ابنة رسول الله H الّتي عندك، يريدون أمّ كلثومٍ بنت عليٍّ، فقال عمر: «أمّ سليطٍ أحقّ. وأمّ سليطٍ من نساء الأنصار، ممّن بايع رسول الله H »[1].
وفي «سنن النسائي» عن ابْنِ عُمَرَ
L أنه: «صَلَّى عَلَى تِسْعِ جَنَائِزَ جَمِيعًا، فَجَعَلَ الرِّجَالُ يَلُونَ الْإِمَامَ وَالنِّسَاءُ يَلِينَ الْقِبْلَةَ، فَصَفَّهُنَّ صَفًّا وَاحِدًا، وَوُضِعَتْ جِنَازَةُ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ عَلِيٍّ امْرَأَةِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ وَابْنٍ لَهَا يُقَالُ لَهُ: زَيْدٌ، وُضِعَا جَمِيعًا، وَالْإِمَامُ يَوْمَئِذٍ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ، وَفِي النَّاسِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَأَبُو سَعِيدٍ وَأَبُو قَتَادَةَ، فَوُضِعَ الْغُلَامُ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ»[2].

وهذا صريح في كون أم كلثوم كانت زوجة لعمر بن الخطَّاب I.

ثانيًا:   هذا الزواج ورد في أحاديث الشيعة وبطرق صحيحة عندهم:

روى الكليني [في باب المتوفَّى عنها زوجها المدخول بها أين تعتد وما يجب عليها] بسنده عن أبي عبد الله I قال: «سألته عن المرأة المتوفَّى عنها زوجها أتعتد في بيتها أو حيث شاءت؟ قال: بل حيث شاءت، إن عليًّا S لما توفي عمر أتى أم كلثوم فانطلق بها إلى بيته»[3].

قال عنه المجلسي: «موثق»[4].

وروى أيضًا بسنده عن سليمان بن خالد قال: «سألت أبا عبد الله S عن امرأة توفِّي عنها زوجها أين تعتد، في بيت زوجها تعتد أو حيث شاءت؟ قال: بل حيث شاءت، ثم قال: إن عليًّا S لما مات عمر أتى أم كلثوم فأخذ بيدها فانطلق بها إلى بيته»[5].

وقال عنه المجلسي: «صحيح»[6].

ثالثًا:   صرح علماؤهم أن أحاديث إثبات هذا الزواج متواترة، فلا مجال لردها أساسًا.

قال التستري: «قال المصنَّف في «الأخبار»: إنَّ عمر تزوّجها غصبًا، وللمرتضى رسالة أصرّ فيها على ذلك، وأصرّ آخرون على الإنكار. قلت: لم ينكره محقِّقٌ محقَّقًا، فأخبارنا به متواترة في نكاحها وعدّتها فضلا عن أخبار العامّة واتّفاق السير»[7].

وقال الطهراني: «إن زواج عمر بن الخطَّاب بأم كلثوم بنت الصديقة الكبرى، سلام الله عليها، من الحوادث التاريخية المسلم بها، فلماذا يريد بعض الشيعة أن ينكر ذلك في بعض الكتب»[8].

 رابعًا:     لو سلمنا أن الأحاديث وردت من طريق الزبير بن بكار فقط، كما زعم المفيد، فهذا لا يعد سببًا لردها؛ لوجود القرائن الكثيرة على صحة نقله، علاوة على ما ورد في كتب الشيعة من تأييد لروايته.

قال الميرزا أبو الحسن الشعراني: «ولكنَّ الحق أنَّ رواية زبير بن بكار مع قرب عهده وكون كتابه في مرأى العارفين بهذه الواقعة ومشهدهم ملحق بالتواتر؛ لأنّ تزويج بنت عليّ S لخليفة عصره لم يكن ممّا يخفى أو ينسى بعد مائة سنة، ونقل من يدّعي العلم والثّقة كزبير بن بكار الذي كان قاضي مكَّة، وكان معروفًا بعلم الأنساب في عصره وبعده لا بدّ أن يكون صادقًا، مع أنَّ هذه الواقعة نقلت من رجال آخرين أيضًا على ما في الاستيعاب والإصابة، كأبي بشر الدولابي، وابن سعد، وابن وهب ممّا يمتنع تواطؤهم على الكذب عادة، وما ورد في أحاديثنا أيضًا مؤيّد له»[9].

خامسًا:   رد بعض علماء الشيعة على المفيد، واستغرب نفيه للزواج مع كثرة الأدلة على ثبوته.

قال المجلسي: «وكذا إنكار المفيد أصل الواقعة، إنما هو لبيان أنه لم يثبت ذلك من طرقهم، وإلا فبعد ورود تلك الأخبار، وما سيأتي بأسانيد أن عليًّا S لما توفي عمر أتى أم كلثوم فانطلق بها إلى بيته، وغير ذلك مما أوردته في كتاب «بحار الأنوار» إنكار ذلك عجيب»[10].

بل حكم الشريف المرتضى على من نفى الزواج أنه إما جاهل أو معاند.

فقال: «فأما من جحد من غفلة أصحابنا وقوع هذا العقد، ونقل هذا البيت، وأنها ولدت أولادًا من عمر معلوم مشهور، ولا يجوز أن يدفعه إلا جاهل أو معاند، وما الحاجة بنا إلى دفع الضرورات والمشاهدات في أمر له مخرج من الدين؟»[11].

فالمفيد ومن نفى وقوع الزواج يدورون بين الجهل والعناد.

سادسًا: ورد في بعض كلمات علماء الرَّافضة، ما يثبت كون الزواج بإذن وموافقة عليّ بن أبي طالب I.

قال الطهراني: «فقد كان النكاح برضا علي، وكان العباس مصيبًا في وساطته، وكان عمر محمودًا على رغبته، ويعرف العلماء أن زواج عثمان بابنة المصطفى H كان فخرًا لعثمان لا للمصطفى H ...أجل، استبان مما ذكرنا أن زواج عمر بأم كلثوم أمر تاريخي ثابت مسلّم به لا يمكن إنكاره»[12].

وقال النسابة علي العمري: «والمعوّل عليه من هذه الروايات ما رأيناه آنفا من أنَّ العبّاس بن عبد المطّلب زوّجها عمر برضا أبيها I وإذنه، وأولدها عمر زيدًا»[13].

وهذه الموافقة تدل على أن عليّ بن أبي طالب I كان يرى عمر بن الخطَّاب I كفؤًا لابنته؛ لأنه كما قال المدرسي: «ولا يجوز تزويج البنت بغير الكفء»[14].

 

[1]   «صحيح البخاري»، كتاب الجهاد والسير، باب: حمل النساء القرب إلى الناس في الغزو (4/33) برقم (2881).

[2]   «السنن الكبرى»، النسائي، كتاب الجنائز، باب: اجتماع جنائز الرجال والنساء (2/444) برقم (2116).

[3]   «الكافي»، الكليني (6/115).

[4]   «مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول»، المجلسي (21/197).

[5]   «الكافي»، الكليني (6/115).

[6]   «مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول»، المجلسي (21/199).

[7]   «قاموس الرجال»، محمد تقي شوشتری (12/216).

[8]   «معرفة الإمام»، محمد الحسين الطهراني (15/258).

[9]   «الوافي»، الفيض الكاشاني (21/109).

[10]  «مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول»، المجلسي (20/45).

[11]  «رسائل الشريف»، المرتضى (3/149).

[12]  «معرفة الإمام»، محمد الحسين الطهراني (15/263).

[13]  «المجدي في أنساب الطالبيين»، علي بن أبي الغنائم العمري (ص199).

[14]  «فاطمة الزهراء قدوة وأسوة»، محمد تقي المدرسي (ص33).