زعمهم زواج عمر بن الخطاب رضي الله عنه من عاتكة بنت زيد دون رضاها

الشبهة: قال عليٌّ الشهرستاني: «إنّ شدّة وغلظة عمر بن الخطَّاب لا يمكن لأحد أن ينكرها، حتَّى إن النساء كن يكرهن التزويج منه لنظرته الخاصة والخاطئة إليهن... وروى عليّ بن يزيد أن عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل كانت تحت عبد الله بن أبي بكر، فمات عنها واشترط عليها ألا تتزوّج بعده، فتبتلت وجعلت لا تتزوج، وجعل الرجال يخطبونها وجعلت تأبى.
فقال عمر لوليها: اذكرني لها، فذكره لها، فأبت على عمر أيضًا، فقال عمر: زوّجنيها، فزوجه إياها. فأتاها عمر، فدخل عليها، فعاركها حتَّى غلبها على نفسها، فنكحها، فلمَّا فرغ قال: أف، أف، أف، أففّ بها، ثمَّ خرج من عندها وتركها لا يأتيها، فأرسلت إليه مولاة لها أن تعال فإنِّي سأتهيأ لك».
ثم قال زاعمًا ومدعيًا: «لكن النص السابق يشير وبوضوح إلى أن عاتكة لم ترضَ بهذا النكاح، وأنّ عمر أكرهها على ذلك وتجاوز عليها بدون إذنها؛ لأنَّه دخل عليها فعاركها حتَّى غلبها على نفسها» .

الرد علي الشبهة:

أولًا: الحديث رواه ابن سعد في «طبقاته» قال: «أخبرنا عفّان بن مسلمٍ، حدَّثنا حمّاد بن سلمة، أخبرنا عليّ بن زيدٍ، أنَّ عاتكة بنت زيدٍ...»[1].

وهذا السند فيه علتان:

1-  علي بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف. قال ابن حجر: «وعلي بن زيد متفق على سوء حفظه»[2]. بل قال عنه ابن سعد الذي أخرج الرواية محل الشبهة: «عليّ بن زيد بن جدعان.. وكان كثير الحديث، وفيه ضعفٌ، ولا يحتجّ به»[3].

2- الانقطاع بين علي بن زيد وعاتكة بنت زيد: فعاتكة توفيت سنة إحدى وأربعين[4]، وعليّ بن زيد بن جدعان قال ابن حبان في ترجمته: «مات بعد سنة سبع وعشرين ومائة، وقد قيل سنة إحدى وثلاثين ومائة»[5].

وهذه الحادثة -لو صحّت- فقد كانت عام 12 هـ؛ إذ إن زواج عمر بن الخطَّاب I كان في هذه السَّنَة[6].

فبين الحادثة -على فرض صحتها- وبين مولد علي بن زيد بن جدعان قرابة 50 سنة! وبين وفاة عاتكة ومولد علي بن جدعان قريبًا من عشر سنين!

قال ابن عساكر: «علي بن زيد بن جدعان يضعف فيما رواه عمّن أدركه، فكيف بما رواه عمّن لم يدركه؟»[7]؛ لذلك قال المتقي الهندي -بعد إيراده لهذا الحديث-: «ابن سعد، وهو منقطع»[8].

ثانيًا: إن عاتكة بنت زيد J هي إحدى زوجات عمر بن الخطَّاب، وذكر هذا من ترجم لعمر بن الخطَّاب I، وهذا لا ينكره أحد!

قال ابن عبد البر: «وتزوّجها عمر بن الخطَّاب في سنة 12هـ، فأولم عليها، ودعا أصحاب رسول الله H وفيهم علي بن أبي طالب»[9].

وهذا الزواج أقرت به حتى مصادر الشيعة، يقول المجلسي: «عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل، وكانت تحت عبد الله بن أبي بكر، فخلف عليها عمر، ثم الزبير»[10].

ثالثًا: إن ذلك الفعل (وهو عراك عمر لعاتكة) كان بعد عقد الزواج؛ حيث قال في الأثر: (فزوّجه)، يعني أنه عارك زوجته، وليست أجنبيّة عنه.

رابعًا:   إن من أسباب رفض عاتكة أن يدخل عليها تلك الليلة -التي غالبها فيها عمر- نفهمه من آخر الأثر؛ حيث قالت عاتكة لعمر بن الخطَّاب: «تعال فإني سأتهيأ لك»، فالمسألة هي في التهيؤ والاستعداد الكامل لليلة العرس، ولو كانت لا تريده لم تدعه، ولم تهيئ نفسها له، والخوف من أول يوم في العرس والرهبة منه معروف عند جميع الناس.

خامسًا: إن عاتكة بنت زيد كانت تحب عمر بن الخطَّاب I، فقد روى الإمام مالك عن يحيى بن سعيد: «أن عاتكة ابنة زيد بن عمرو بن نفيل امرأة عمر بن الخطَّاب ‏كانت ‏ ‏تقبّل رأس ‏ ‏عمر بن الخطَّاب ‏ ‏وهو صائمٌ فلا ‏ ‏ينهاها»[11].

وكذلك روى هذا الأثر ابن سعد في «الطبقات» في الموضع نفسه[12].

ومن ذلك أيضًا: أنها قد شرطت عليه عند عقد النكاح ألا يمنعها المسجد للصلاة فيه، وكانت تقول بعد الزواج: لو منعتني لاستجبت!

جاء في موطأ مالك: «عن يحيى بن سعيدٍ عن عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيلٍ امرأة عمر بن الخطَّاب أنّها كانت تستأذن عمر بن الخطَّاب إلى المسجد فيسكت، فتقول: والله لأخرجنّ إلَّا أن تمنعني، فلا يمنعها»[13].

سادسًا: سبب رفضها في بادئ الأمر لعمر بن الخطَّاب I أنها كانت تحبّ زوجها الأول عبد الله بن أبي بكر، وقد كان هو في المقابل متيمًا بها، ويحبّها حبًّا شديدًا، فاتّفق معها - قبل وفاته - أنه لو مات لا تتزوَّج بعده، وآلت هي - أي: حلفت- ألا تتزوّج بعده كذلك، ولذلك كانت تقول:

فآليت لا تنفكّ عيني حزينةً   **   عليك ولا ينفكّ خدي أغبرا

فمما لا يستغرب أن لو خطبها أحد - ومنهم عمر بن الخطَّاب- ألا تقبله، ولكنّ عمر قد رغب بها، فأعاد الكرة على وليّها، فقبلت به.
ولذلك وردت الأخبار: بأن عائشة - أخت الزوج الأول: عبد الله - قد طلبت المال الذي قد أعطاه إيّاها شرطًا لكي لا تتزوّج بعده
[14].

ومن المعروف في الشريعة: أن المرء لو حلف على يمين فوجد غيرها أحسن منها، فإنَّه يكفّر عين يمينه السابقة، ويأتي الذي هو خير.

ومعلومٌ أن الزواج خيرٌ من الانقطاع والعزوبة، فكيف إذا كان الزواج من ابن عمّها، فضلًا عن كونه من خيار الصحابة ومقدّميهم؟!

سابعًا:   إن الشيعة طعنوا في آل البيت؛ حيث اتهموا عمرَ I بالاغتصاب والفاحشة، فقد ادعوا أنَّ زواج عمر بن الخطَّاب من أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب L كان اغتصابًا وبالإجبار، ورووا في ذلك حديثًا نسبوه لجعفر الصادق، يقول فيه عن زواجهم: «ذاك فرجٌ غصبناه»[15].

قال المجلسي عن الحديث: «حديث حسن»[16].

فكيف يتّهم علي بن أبي طالب I، وحاشاه، بهذا الضعف والخوف؟!

وكيف يترك ابنته تغتصب من رجلٍ كافرٍ عندهم؟!

سبحانك ربي.. هذا بهتان عظيم!

فالحديث فيه طعن في عليّ بن أبي طالب أشد من طعنهم في عمر بن الخطَّاب I؛ لأنه يلزم من هذا وقوع الزنا بعرضه، وحاشاه!

يقول الميرزا أبو الحسن الشعراني: «وذكر بعض مشاهير أهل الحديث - لا أحبّ ذكر اسمه - شيئًا أفحش وأشنع ممّا روي في هذا الخبر، وهو أنَّ نكاح أمّ كلثوم لم يكن صحيحًا في ظاهر الشرع أيضًا، ولكنّه وقع للتقيّة والاضطرار؛ فإنَّ كثيرًا من المحرّمات تنقلب عند الضرورة أحكامها، إلى آخر ما قال، وأنا لا أرضى بأن أنسب الزّنا إلى ذرّيّة رسول الله H ، لا للتقيّة ولا للضرورة، وإن لزم منه كفر جميع المسلمين وإيمان جميع الكفّار...، ولا أستطيع أن أقول: رضي S بأن يسلّم ابنته للزّنا تقيّةً واضطرارًا، ولا أظنّ أن يلتزم به عاقل مطّلع على صفاتهم ومكارم أخلاقهم»[17].

فالقول بأن هذا الزواج كان إكراهًا وإجبارًا، وأن عليًّا I وافق تقية، يلزم منه وقوع فاحشة الزنا في عرضه، وحاشاه حسب تقرير الشعراني.

وورد في كتب الرَّافضة أيضًا: «أن الإمام موسى الكاظم زوجه أبوه من ابنة عمه دون رضاه، ورغمًا عنه، حتى إنه كان يتسلق جدار البيت ويهرب منه؛ لئلا يجتمع بها».

فقد روى الكليني في «الكافي» بسنده، عن خطاب بن سلمة قال: «كانت عندي امرأة تصف هذا الأمر، وكان أبوها كذلك، وكانت سيئة الخلق، فكنت أكره طلاقها لمعرفتي بإيمانها وإيمان أبيها، فلقيت أبا الحسن موسى S وأنا أريد أن أسأله عن طلاقها، فقلت: جعلت فداك إن لي إليك حاجة فتأذن لي أن أسألك عنها؟ فقال: ايتني غدًا صلاة الظهر، قال: فلما صليت الظهر أتيته فوجدته قد صلى وجلس، فدخلت عليه وجلست بين يديه، فابتدأني فقال: يا خطاب، كان أبي زوجني ابنة عم لي، وكانت سيئة الخلق، وكان أبي ربما أغلق علي وعليها الباب رجاء أن ألقاها، فأتسلق الحائط وأهرب منها، فلما مات أبي طلقتها، فقلت: الله أكبر أجابني، والله عن حاجتي من غير مسألة»[18].

فكيف يجوز للإمام المعصوم أن يزوج ابنه الإمام المعصوم من امرأة لا يريدها، بل وسيئة الخلق؟!

وكيف نفهم هروب الإمام منها ومن لقائها؟! بل إنه سارع إلى تطليقها بمجرد وفاة أبيه؟!


[1]   «الطبقات»، ابن سعد (8/265).

[2]   «الإصابة في تمييز الصحابة»، ابن حجر (8/394).

[3]   «الطبقات»، ابن سعد (7/252).

[4]   «البداية والنهاية»، ابن كثير (8/26).

[5]   «المجروحين»، ابن حبان (2/103).

[6]   «الاستيعاب»، ابن عبد البر (13/74)، «تاريخ الطبري» (3/385)، «البداية والنهاية»، ابن كثير (6/353).

[7]   «تاريخ دمشق»، ابن عساكر (1/358).

[8]   «كنز العمال»، المتقي الهندي (13/633).

[9]   «الاستيعاب في معرفة الأصحاب»، ابن عبد البر (4/1878).

[10]  «بحار الأنوار»، المجلسي (32/336).

[11]  «الموطأ»، الإمام مالك بن أنس (1/292).

[12]  «الطبقات»، ابن سعد (8/365).

[13]  «الموطأ»، الإمام مالك بن أنس (1/198).

[14]  انظر: «الإصابة»، ابن حجر (13/33)، «البداية والنهاية»، ابن كثير (8/23).

[15]  «الكافي»، الكليني (5/346).

[16]  «مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول»، المجلسي (20/42).

[17]  «الوافي» الفيض الكاشاني (21/108- 109).

[18]  «الكافي»، الكليني (6/55).