زعمهم ظهور اللواط في عهد عمر بن الخطَّاب رضي الله

الشبهة: روى الخرائطي بسنده عن عائشة قالت: «أوّل ما اتّهم بالأمر القبيح -تعني: عمل قو لوط- على عهد عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه، اتّهم به رجلٌ، فأمر عمر شباب قريشٍ أن لا يجالسوه» .

الرد علي الشبهة:

أولًا:   إن هذه الشبهة ما هي إلا تحامل واضح من الرَّافضة على عمر بن الخطَّاب I فحسب، وإلا فما وجه المذمة في كون رجل يتهم بهذا الأمر في زمان عمر I؟! أفَيُلام ويحاسب على أفعال غيره؟!

ومعلومٌ أن هذا الفعل القبيح كان شائعًا في زمان نبي الله لوط S، فهل يتهمه الرَّافضة ويجعلون هذا من القوادح فيه أيضًا؟!

ثانيًا:   هذا الرجل الذي اتهم بهذا الأمر، أمر عمر بن الخطَّاب I بهجره وعدم مجالسته، وهذا سدًّا لذريعة الشر والفساد، وهذا من حسن سياسته.

قال محمد رشيد رضا: «وروى البيهقيّ عن عائشة: أوّل من اتّهم بالأمر القبيح -تعني: عمل قوم لوطٍ- رجلٌ على عهد عمر، فأمر عمر بعض شباب قريشٍ ألَّا يجالسوه، أي لمجرَّد التُّهمة»[1].

فمنع عمر I من مجالسته لمجرد اتهامه بهذا الفعل؛ حسمًا لمادة الفساد، ولو ثبت عنه ذلك الفعل لأقام عليه الحد.

ثالثًا:   إننا لو قارنَّا ما روي عن عمر I في هذه القضية، مع ما ورد في كتب الرَّافضة من صنيع علي بن أبي طالب I مع من وقع في مثل هذا الفعل القبيح من شيعته وأتباعه، وكان هذا مما يقدح بمثله، لرجحت كفة عمر؛ إذ لم ينقل في الرواية أن هذا الرجل الذي اتهم باللواط كان من أتباعه، بخلاف ما نقلوه عن علي I.

فقد ذكر هاشم البحراني رواية عجيبة تحت عنوان: «المحبّ الذي لم تحرقه النار»؛ نقلًا عن كتاب «عيون المعجزات» بسنده إلى عمّار بن ياسر، أنَّه قال: «كان أمير المؤمنين S جالسًا في دار القضاء، فنهض إليه رجل يقال له: صفوان بن الأكحل، وقال: أنا رجل من شيعتك وعليّ ذنوب، وأريد أن تطهّرني منها في الدنيا لأرتحل إلى الآخرة وما عليّ ذنب، فقال S: قل لي بأعظم ذنوبك ما هي؟ فقال: أنا ألوط الصبيان.

فقال: أيّما أحبّ إليك ضربة بذي الفقار، أو أقلب عليك جدارًا، أو أضرم لك نارًا؟ فإنَّ ذلك جزاء من ارتكب ما ارتكبته، فقال: يا مولاي، احرقني بالنار. فقال S: يا عمّار اجمع له ألف حزمة من قصب، فأنا أضرمه غدًا بالنار، وقال للرجل: امض وأوص. قال: فمضى الرجل وأوصى بما له وعليه، وقسّم أمواله بين أولاده، وأعطى كلّ ذي حقّ حقّه، ثمَّ أتى باب حجرة أمير المؤمنين ببيت نوح S شرقي جامع الكوفة، فلمَّا صلّى أمير المؤمنين S وأنجانا به الله من الهلكة. قال: يا عمّار ناد في الكوفة: اخرجوا وانظروا كيف يحرق عليّ رجلًا من شيعته بالنار. فقال أهل الكوفة: أليس قالوا: إنّ شيعة عليّ ومحبّيه لا تأكلهم النار؟! وهذا رجل من شيعته يحرقه بالنار، بطلت إمامته، فسمع ذلك أمير المؤمنين S.

قال عمّار: فأخرج الإمام الرجل، وبنى عليه ألف حزمة من القصب، وأعطاه مقدحة من الكبريت، وقال له: اقدح واحرق نفسك، فإن كنت من شيعة عليّ وعارفيه ما تمسّك النار، وإن كنت من المخالفين المكذّبين فالنار تأكل لحمك، وتكسر عظمك. قال: فقدح النار على نفسه واحترق القصب، وكان على الرجل ثياب كتّان أبيض لم تعلقها النار ولم يقربها الدخان، فاستفتح الإمام، وقال: كذب العادلون بالله وضلّوا ضلالًا بعيدًا، وخسروا خسرانًا مبينًا. ثمَّ قال: أنا قسيم الجنّة والنار، شهد لي بذلك رسول الله H في مواطن كثيرة»[2].

فهل يتّهم عليٌّ I بظهور فاحشة اللواط في زمنه، لاسيما وهذا الرجل كان من شيعته؟ ثم لماذا لم تحرقه النار وقد فعل هذا الأمر القبيح؟!

وروى الكليني بسنده، عن أبي عبد الله S قال: «بينا أمير المؤمنين S في ملأٍ من أصحابه إذ أتاه رجلٌ، فقال: يا أمير المؤمنين، إنّي قد أوقبت على غلامٍ، فطهّرني. فقال له: يا هذا، امض إلى منزلك لعلّ مرارًا هاج بك. فلمَّا كان من غدٍ عاد إليه، فقال له: يا أمير المؤمنين، إنّي أوقبت على غلامٍ، فطهّرني. فقال له: يا هذا، امض إلى منزلك لعلّ مرارًا هاج بك، حتَّى فعل ذلك ثلاثًا بعد مرّته الأولى. فلمَّا كان في الرّابعة، قال له: يا هذا، إنّ رسول الله H حكم في مثلك بثلاثة أحكامٍ، فاختر أيّهنّ شئت. قال: وما هنّ يا أمير المؤمنين؟ قال: ضربةٌ بالسّيف في عنقك بالغةً ما بلغت، أو إهداءٌ من جبلٍ مشدود اليدين والرّجلين، أو إحراقٌ بالنَّار. فقال: يا أمير المؤمنين، أيهنّ أشدّ عليّ؟ قال: الإحراق بالنَّار. قال: فإنِّي قد اخترتها يا أمير المؤمنين. قال: خذ لذلك أهبتك، فقال: نعم، فقام، فصلّى ركعتين، ثمَّ جلس في تشهّده، فقال: اللهمَّ إنّي قد أتيت من الذّنب ما قد علمته، وإنّي تخوّفت من ذلك، فجئت إلى وصيّ رسولك وابن عمّ نبيّك، فسألته أن يطهّرني، فخيّرني بين ثلاثة أصنافٍ من العذاب، اللهمَّ فإنِّي قد اخترت أشدّها، اللهمَّ فإنِّي أسألك أن تجعل ذلك كفّارةً لذنوبي، وأن لا تحرقني بنارك في آخرتي، ثمَّ قام وهو باكٍ حتَّى جلس في الحفرة الَّتي حفرها له أمير المؤمنين S، وهو يرى النَّار تتأجّج حوله». قال: «فبكى أمير المؤمنين S، وبكى أصحابه جميعًا، فقال له أمير المؤمنين S: قم يا هذا، فقد أبكيت ملائكة السَّماء وملائكة الأرض، فإنَّ الله قد تاب عليك، فقم ولا تعاودنّ شيئًا ممّا قد فعلت»[3].

ومما يلاحظ في هذه الرواية أن علي بن أبي طالب I قد أسقط الحد عن هذا الرجل الذي صدر منه هذا الفعل القبيح لمجرد أنه كان من شيعته وأتباعه، فهل يجوز للإمام أن يعطّل حدود الله تعالى؟

وهذا الحديث قال عنه المجلسي: «الحديث الأول: حسن»[4].

وقد حاول الفيض الكاشاني أن يجيب عن هذا الاعتراض وتعطيل الإمام لحد الله، فقال: «إن قيل: كيف جاز لأمير المؤمنين I أن يعطل حدًّا من حدود الله بعد رفع القضية إليه وثبوت ما يجب به الحد عنده؟ قلنا: قد ورد عنهم M ما يصلح جوابًا لهذا السؤال بعينه، بل وفي مثل هذه القضية بعينها، فقد روى الحسن بن علي بن شعبة I بإسناده، عن أبي الحسن الأخير I، فيما كتب في جواب مسائل يحيى بن أكثم؛ حيث سأله عن رجل أقر باللواط على نفسه أيحد أم يدرأ عنه الحد؟ فكتب I: وأما الرجل الذي اعترف باللواط، فإنه إن لم يقم عليه بينة، وإنما تطوع بالإقدار من نفسه، فإنه إذا كان للإمام الذي من الله أن يعاقب عن الله، كان له أن يمن عن الله، أما سمعت قول الله D: ﴿ هَٰذَا عَطَآؤُنَا فَٱمۡنُنۡ أَوۡ أَمۡسِكۡ بِغَيۡرِ حِسَابٖ ٣٩ ﴾ [ص: 39] »[5].

ففي هذا النص تجويز تعطيل الإمام للحد، وأنه مخيرٌ في ذلك طالما أنه لا بينة على وقوع الذنب سوى الإقرار، وهذا من أغرب ما يكون؛ إذ الإقرار سيد الأدلة.

-    فكيف يعدّ ظهور هذا الفعل في عهد عمر I -مع جميع ما تقدم ذكره- مما يقدح في مقامه؟!

 

[1]   «تفسير المنار»، محمد رشيد رضا (8/462).

[2]   «مدينة معاجز الأئمة الإثني عشر ودلائل الحجج على البشر» (1/258).

[3]   «الكافي»، الكليني (14/79).

[4]   «مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول»، المجلسي (23/306).

[5]   «الوافي»، الفيض الكاشاني (15/336).