زعمهم أن عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه كان يتداوى بماء الرجال

الشبهة: من المقالات السخيفة والمقززة التي يكررها بعضهم: أن عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه كان مصابًا بداء، ولا يهدأ إلا بماء الرجال -وحاشاه-.
وممن روَّج هذه الشناعة نعمة الله الجزائري بطريقة خبيثة ماكرة؛ حيث زعم أن هذا الأمر مذكورٌ في مصادر أهل السُّنَّة، فقال ساخرًا: «وأما أفعاله -يعني عمر- الجميلة، فلقد نقل منها محبّوه ومتابعوه ما لم ينقله أعداؤه...ومنها: ما قاله المحقق جلال الدين السيوطي في حواشي القاموس، عند تصحيح لغة الأبنة، وقال هناك: «وكانت في جماعة في الجاهلية، أحدهم سيّدنا عمر، وأقبح منه ما قاله الفاضل ابن الأثير، وهما من أجلاء علمائهم، قال: «زعمت الروافض أن سيّدنا عمر كان مخنّثًا. كذبوا، ولكن كان به داء، دواؤه ماء الرجال».
وغير ذلك مما يستقبح منا نقله، وقد قصّروا في إضاعة مثل هذا السر المكنون المخزون، ولم أر في كتب الرَّافضة مثل هذا... وقد نقلت أهل السُّنَّة هاهنا عن إمامهم ما هو أقبح من هذا، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم» .

الرد علي الشبهة:

أولًا:   إن هذا الكلام -الذي زعم الجزائري أنه منقولٌ من كتب أهل السُّنَّة- لمن الكذب الواضح والافتراء الصريح؛ ذلك أنه لا يوجد هذا الكلام في المصادر التي أحال إليها؛ لعدم وجود هذه المصادر أصلًا إلا في مخيلته.

فكتاب «حاشية القاموس» كتابٌ وهميٌّ لا وجود له، ولم يسمع به أحدٌ من علماء السُّنَّة، ولم يذكروه في أي من مصادرهم، ولو بلغهم مثل هذا الاتهام الساقط، كانوا سيردون عليه، وهذا لم يحدث، مع أنهم كانوا يردون على ما هو أقل شأنًا من هذه المسألة.

كما أن علماء الرَّافضة أيضًا لم يسمعوا بهذا الافتراء، ولو سمعوا به لتلقفوه وملؤوا به كتبهم، وهذا ما لم يكن.

وهذه الفرية لا وجود لها في أي كتاب معتبر أو غير معتبر عند أهل السُّنَّة قبل السيوطي، وبينه وبين عمر I نحو تسعة قرون، فكيف ينقلها في أي مصنف من مصنفاته؟!

فلم يذكر هذا الكتاب، ولا هذا الكلام المنسوب إلى السيوطي أحدٌ غير نعمة الله الجزائري، ومعلومٌ أن السيوطي توفي سنة 911 هجرية، وأما نعمة الله الجزائري فقد ولد سنة 1050 هجرية، فكيف انحصر السماع بهذا الأمر عند الجزائري وحده؟!

والعجيب أن علماء الرَّافضة ما زالوا يتناقلون هذه الفرية: فقد جاء في هامش كتاب «بحار الأنوار»: «ومنها: ما جاء في «حاشية السيوطي» المدونة على القاموس في لفظ (الأبنة): أنها كانت في خمسة في زمن الجاهلية؛ أحدهم سيدنا عمر!»[1].

- ولم يحلنا المحقق إلى هذا المصدر المزعوم.

وجاء في «موسوعة الأسئلة العقائدية للسيستاني»: «ولا يفوتنا أن نذكّركم بأنّ هذا الموضوع بالذات، قد جاء في بعض كتب أهل السنّة أيضًا، ففي «حاشية السيوطي المدّونة على القاموس» في لفظ «الأبنة» جاء: «بأنّها كانت في خمسة في زمن الجاهلية، أحدهم سيّدنا عمر»[2].

والعجيب أنهم أحالوا هذا الكلام إلى هامش «بحار الأنوار» المتقدم، وهكذا فلتكن الأمانة العلمية!

ثانيًا: إن هذا الكلام القبيح المنسوب إلى ابن الأثير، ما هو إلا افتراءٌ وتزوير؛ لأنه
لا يوجد في كتب ابن الأثير، ولم ينقله أحدٌ سوى الجزائري الدجال
-عامله الله بما يستحق-.

فابن الأثير مؤرخٌ توفي في القرن السابع الهجري، وله أربعة مؤلفات: الكامل في التاريخ، والتاريخ الباهر في الدولة الأتابكية، وأسد الغابة في معرفة الصحابة، واللباب في تهذيب الأنساب.

 فأين قال ابن الأثير هذا الكلام؟!

 فلا مصدر أيضًا، ولا مرجع، ولا شيء على الإطلاق!

وهذا لا شك ينبني على ما هو مقررٌ عندهم من جواز الكذب والافتراء على الخصوم والمخالفين.[3]

 ثالثًا:  إن مصدر هذه الفرية التي روّجها الجزائري بطريقة ماكرة خبيثة -وزعم أنها منقولة من مصادر أهل السُّنَّة- هو كتب الرَّافضة في حقيقة الأمر.

فقد روى العياشي في «تفسيره»، عن محمد بن إسماعيل الرازي، عن رجل سماه، عن أبي عبد الله قال: «دخل رجل على أبي عبد الله فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فقام على قدميه، فقال: مه! هذا اسم لا يصلح إلا لأمير المؤمنين، الله سماه به، ولم يسمّ به أحدٌ غيره فرضي به إلا كان منكوحًا، وإن لم يكن به ابتلي به...»[4].

فهذا هو مصدر هذه الفرية التي افتراها رجل مجهول عن الإمام الصادق، ثم تلقّفها الجزائري ونسبها كذبًا وزورًا إلى أهل السُّنَّة.

ومنه يتبين كذب الجزائري؛ حيث قال: «ولم أر في كتب الرَّافضة مثل هذا»[5].

 رابعًا: إن هذا الكلام المزعوم لا يعرف أنَّ أحدًا نقله قبل الجزائري من علماء الرَّافضة، ولو كان موجودًا بالفعل، لما فاتهم مثل هذا الأمر الشنيع، والطعن القبيح، مع ما هو معلوم من شدة عداوتهم وبغضهم لعمر I.

فهل يعقل أن يغفل الجميع عن هذه الشناعة حتى يأتي الجزائري الدجال ويستخرجها؟

 خامسًا: إنه لو كان هذا حال عمر بن الخطَّاب I حقًا، وحاشاه، فكيف يقبل علي بن أبي طالب I أن يكون زوجًا لابنته ويأذن له في ذلك؟![6]

كيف رضي الإمام أن يصاهره، ويبايعه، ويكون وزيرًا عنده؛ إن سلمنا بصحة هذا الأمر تنزلًا؟!

بل لو كان هذا حال عمر بن الخطَّاب I -وحاشاه- فكيف يقبل النبي H أن يتزوج من ابنته، ويكون صهرًا له؟!

 

[1]   «بحار الأنوار»، المجلسي (31/96).

[2]   «موسوعة الأسـئلة العقائدية»، مركز الأبحاث العقائدية (4/390).

[3]   أجمع علماء الشيعة على جواز الكذب على المخالف، وعدُّوا ذلك من القربات إلى الله تعالى، وممن نصّ على جواز الكذب على المخالف: شيخهم الأعظم مرتضى الأنصاري في كتابه (المكاسب) (2/118-119)، وآيتهم العظمى أبو القاسم الخوئي في أكثر من موضع، منها: في كتابه «مصباح الفقاهة» (1/701)، وفي كتابه «صراط النجاة» (1/447)، وآيتهم العظمى الخميني في كتابه «المكاسب المحرمة» (1/251 -252)، وآيتهم العظمى محمد رضا في كتابه «در المنضود» (2/148).

[4]   «تفسير العياشي»، محمد بن مسعود العياشي (1/276).

[5]   «الأنوار النعمانية» (1/63).

[6]   وقد بيَّنَّا بأسانيد صحيحة من كتب السُّنَّة والشيعة صحة زواج عمر من أم كلثوم في الرد على تلك الشبهة من هذا الكتاب.