دخول مخنث إلى بيت النبي - صلى الله عليه وسلم -

الشبهة: روى أبو داود بسنده عن عائشة، قالت: كان يَدْخُلُ على أزواجِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مُخَنَّثٌ، فكانوا يَعدُّونه من غَيرِ أولي الإرْبَةِ، فدخلَ علينا النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يوماً وهو عنْدَ بعضِ نِسائه، وهو يَنْعَتُ امرأةً، فقال: إنَّها إذا أَقبلَتْ أَقبلَتْ بأربعٍ، وإذا أَدبَرَتْ أدبَرَتْ بثمانٍ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ألا أرى هذا يَعلَمُ ما هاهنا، لا يَدخُلَنَّ عليكُنَّ هذا" فَحَجَبُوه". قال جعفر مرتضى العاملي: "هل صحيح: أنه يجوز إدخال المخنثين على نساء الناس، ورؤية محاسنهن؟! وهل صحيح: أنهم كانوا يدخلون على نساء رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - بالخصوص، مع ما عرفه كل أحد من شدة غيرته - صلى الله عليه وسلم -؟!".

الرد علي الشبهة:

أولاً: الرجل عديم الشهوة، والذي لا أرب له في النساء، يجوز له أن يرى ما يراه المحارم، لكن إذا كانت له شهوة، أو يصف حال النساء لم يجز دخوله عليهن.

قال ابن قدامة: "ومن ذهبت شهوته من الرجال لكِبَر، أو عُنّةٍ، أو مرض لا يُرجى برؤه، والخصيّ..، والمخنث الذي لا شهوة له، فحكمه حكم ذوي المحرم في النظر؛ لقوله تعالى: {أو التابعين غير أولِي الإربة} أي غير أولي الحاجة إلى النساء، وقال ابن عباس: هو الذي لا تستحي منه النساء، وعنه: هو المخنث الذي لا يكون عنده انتشار، أي مقدرة على الانتصاب".

وعن مجاهد وقتادة: الذي لا أرب له في النساء، فإن كان المخنث ذا شهوة ويعرف أمر النساء فحكمه حكم غيره؛ لأن عائشة قالت: دخل على أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - مخنث فكانوا يعدونه من غير أولي الإربة من الرجال، فدخل علينا النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو ينعت امرأة: أنها إذا أقبلت أقبلت بأربع، وإذا أدبرت أدبرت بثمان، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ألا أرى هذا يعلم ما ههنا، لا يدخلنّ عليكم هذا) فحجبوه. رواه أبو داود وغيره.

قال ابن عبد البر: "ليس المخنث الذي تُعرف فيه الفاحشة خاصة، وإنما التخنيث بشدة التأنيث في الخلِقة حتى يشبه المرأة في اللين والكلام والنظر والنغمة والعقل، فإذا كان كذلك لم يكن له في النساء أرب، وكان لا يفطن لأمور النساء، وهو من غير أولي الإربة الذين أبيح لهم الدخول على النساء، ألا ترى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يمنع ذلك المخنث من الدخول على نسائه، فلما سمعه يصف ابنة غيلان وفَهِم أمر النساء أمر بحجبه".([1])

وقال ابن بطال: "فإن قيل: فإن حكمه حكم الرجال، فكيف جاز أن يدخل على أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد أن أنزل الحجاب؟ قيل: هو من جملة من استثناه الله من جملة الرجال غير أولى الأربة من الرجال، وقد أول ذلك عكرمة أنه المخنث الذي لا حاجة له في النساء، وبذلك ورد الخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - روى معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: كان مخنث يدخل على أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - يعدونه من غير أولي الإربة، فدخل عليه النبيّ وهو يصف امرأة".([2])

وقال القاضي عياض: "ووجه دخول المخنث على أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه يمكن أن يكون عند النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير أولى الإربة، فلما وصف هذا علم - صلى الله عليه وسلم - أنه ليس من أولئك فأمر - صلى الله عليه وسلم - بإخراجه، ألا تراه يقول: " ألا أرى هذا يعرف ما هاهنا ".([3])

فالتخنيث على قسمين:

[1] تخنيث جبلي: يعني: رجل في خلقته مخنث.

[2] تخنيث مكتسب: رجل يتشبه بالنساء ويتمايل كما تتمايل النساء، ويتكسر كما تتكسر النساء.

فالأول: وهو المخنث تخنيثاً جبلياً لا حاجة له في النساء من أصل خلقته، فتظهر له المرأة زينتها.

 أما المخنث تخنيثاً مكتسباً: فلا تظهر له المرأة زينتها.

 وإن اكتشف أن المخنث تخنيثاً جبلياً يصف المرأة، منعت المرأة من إبداء زينتها له أيضاً.  

ثانيًا: علماء الرافضة في الجملة متفقون على جواز نظر التابعين غير أولي الإربة من الرجال إلى الأجنبيّة، وكذا عدم وجوب التستّر عنهم في الجملة؛ للاستثناء الوارد في قوله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [سورة النور:31].

قال البحراني: «قد دلّت الآية على استثناء (التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ) من تحريم النظر إلى الأجنبية، فيجوز لهم النظر حينئذٍ"([4])، وإنما خلافهم في شمول غير أولي الإربة لبعض المصاديق، كالشيخ الهرمّ، والعنّين، والمخنّث، والخصيّ ونحوه.

قال الكركي: "ولو كان شيخًا كبيراً جداً هرماً، ففي جواز نظره احتمال، ومثله العنين، والمخنث وهو: المتشبه بالنساء".([5])

ثالثًا: ورد في كتب الرافضة، أن الخصيان كانوا يدخلون إلى بيت الإمام الكاظم، ولم تكن بناته تتحجبن أمامهم.

روى الكليني بسنده عن محمد بن إسماعيل بن بزيع قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن قناع الحرائر من الخصيان؟ فقال: كانوا يدخلون على بنات أبي الحسن (عليه السلام)، ولا يتقنعن، قلت: فكانوا أحراراً؟ قال: لا، قلت: فالأحرار يتقنع منهم؟ قال: لا".([6])

قال عنه المجلسي: "الحديث الثالث: صحيح".([7])

فالخصيان كانوا يدخلون بيت الكاظم، ولا تتحجب بناته أمامهم، فهل يجعل هذا مطعناً فيه أو فيهن؟

أم يقال أنه ممن يجوز له هذا الأمر في الشرع كغير أولي الإربة من الرجال؟  

والحمد الله رب العالمين

 

[1]المغني، (7/463)، الشرح الكبير على متن المقنع- (7/347-348).

[2]شرح صحيح البخاري- ابن بطال- (9/ 142).

[3]إكمال المعلم بفوائد مسلم- القاضي عياض- (7/ 72).

[4]الحدائق الناضرة- (23 / 76).

[5]- جامع المقاصد- المحقق الثاني (المحقق الكركي) - (12/ 36).

[6]الكافي- الكليني- (5/ 532).

[7]مرآة العقول- المجلسي- (20 / 369).