زعم الشيعة أن الذي قذف مارية: هي أم المؤمنين عائشة وحاشاها رضي الله عنها

الشبهة: يقول ياسر الحبيب: "شككت بشرف مارية -عليها السلام- وبصحة كون وليدها أبناً لرسول الله -صلى الله عليه وآله، وذلك بادعائها أنه ليس فيه شبه منه! روى الواقدي بسنده عن عروة عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: «لما وَلِدّ إبراهيم جاء به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليّ، فقال: انظري إلى شبهه بي. فقلتُ: ما أرى شبهاً! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ألا ترين إلى بياضه ولحمه؟» فقلت: إنه من قصر عليه اللقاح ابيض وسمن". روى الحاكم بسنده عن عروة، عن عائشة، - رضي الله عنها - قالت: "أهديت مارية إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعها ابن عم لها، قالت: فوقع عليها وقعة فاستمرت حاملاً، قالت: فعزلها عند ابن عمها، قالت: فقال أهل الإفك والزور: من حاجته إلى الولد ادعى ولد غيره، وكانت أمه قليلة اللبن فابتاعت له ضائنة لبون فكان يغذى بلبنها، فحسن عليه لحمه، قالت عائشة - رضي الله عنها -: فدخل به على النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم فقال: «كيف ترين؟» فقلت: من غذي بلحم الضأن يحسن لحمه، قال: «ولا الشبه» قالت: فحملني ما يحمل النساء من الغيرة أن قلت: ما أرى شبهًا قالت: وبلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يقول الناس فقال لعلي: «خذ هذا السيف فانطلق فاضرب عنق ابن عم مارية حيث وجدته»، قالت: فانطلق فإذا هو في حائط على نخلة يخترف رطبًا قال: فلما نظر إلى علي ومعه السيف استقبلته رعدة قال: فسقطت الخرقة، فإذا هو لم يخلق الله عز وجل له ما للرجال شيء ممسوح". وروى الضحاك وأبو نعيم قول عائشة في حديث إبراهيم عليه السلام: "فلم يكن لأمه لبن فاشترى له ضائنة لبونًا فغذي منها الصبي فصلح عليه جسمه، وحسن لحمه، وصفا لونه فجاء به ذات يوم يحمله على عنقه فقال: «يا عائشة، كيف ترين الشبه؟ فقلت وأنا غيرى: ما أرى شبهًا فقلت لعمري فمن يغذى بألبان الضأن ليحسن لحمه".  

الرد علي الشبهة:

أولاً: من شكك بعرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استحق القتل لا محالة، كما في قصة سعد بن معاذ للنبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَنَا وَاللَّهِ أَعْذُرُكَ مِنْهُ إِنْ كَانَ مِنَ الأَوْسِ ضَرَبْنَا عُنُقَهُ" ([1]).

ولم ينكر النبي - صلى الله عليه وسلم - على سعد قتل من شكك في عرضه - صلى الله عليه وسلم -؛ ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فهذا الرجل أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بضرب عنقه لما قد استحل من حرمته، ولم يأمر بإقامة حد الزنا؛ لأن إقامة حد الزنا ليس هو ضرب الرقبة، بل إن كان محصنًا رجم، وإن كان غير محصن جلد، ولا يقام عليه الحد إلا بأربعة شهداء، أو بالإقرار المعتبر فلما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بضرب عنقه من غير تفصيل بين أن يكون محصنًا، أو غير محصن علم أن قتله لما انتهكه من حرمته، ولعله قد شهد عنده شاهدان أنهما رأياه يباشر هذه المرأة، أو شهدا بنحو ذلك فأمر بقتله فلما تبين أنه كان مجبوبًا علم أن المفسدة مأمونة منه، أو أنه بعث عليًّا ليرى القصة، فإن كان ما بلغه عنه حقًّا قتله؛ ولهذا قال في هذه القصة أو غيرها: أكون كالسكة المحماة أم الشاهد يرى ما لا يرى الغائب"([2])

وقال ابن القيم: "وَأَحْسَنُ مِنْ هَذَا أَنْ يُقَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ عليًّا رضي الله عنه بِقَتْلِهِ تَعْزِيرًا لِإِقْدَامِهِ وَجُرْأَتِهِ عَلَى خَلْوَتِهِ بِأُمِّ وَلَدِهِ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ لعلي حَقِيقَةُ الْحَالِ، وَأَنَّهُ بَرِيءٌ مِنَ الرِّيبَةِ، كَفَّ عَنْ قَتْلِهِ، وَاسْتَغْنَى عَنِ الْقَتْلِ بِتَبْيِينِ الْحَالِ، وَالتَّعْزِيرُ بِالْقَتْلِ لَيْسَ بِلَازِمٍ كَالْحَدِّ، بَلْ هُوَ تَابِعٌ لِلْمَصْلَحَةِ دَائِرٌ مَعَهَا وُجُودًا وَعَدَمًا"([3]).

وروي عن محمد بن زيد أخي الحسن بن زيد: أنه قدم عليه رجل من العراق فذكر عائشة بسوء فقام إليه بعمود فضرب به دماغه فقتله فقيل له: هذا من شيعتنا ومن بني الآباء فقال: "هذا سمى جدي قرنان ومن سمى جدي قرنان استحق القتل فقتله"([4]).

وعليه فكان من الواجب على النبي - صلى الله عليه وسلم - لو كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فعلت ذلك -وحاشاها- لكان يجب على النبي - صلى الله عليه وسلم - قتلها فضلا عن وجوب طلاقها، وعدم إبقائها تحت شرف أمهات المؤمنين.

 

ثانيًا: جميع الروايات التي استدل بها ياسر الرافضي وأشكاله كلها لا تصح، ونحن نستعرض تلك الروايات كالتالي:

الرواية الأولى: رواية الواقدي

قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا وُلِدَ إِبْرَاهِيمُ جَاءَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَيَّ، فَقَالَ: انْظُرِي إِلَى شَبَهِهِ بِي. فَقُلْتُ: مَا أَرَى شبهًا! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أَلا تَرَيْنَ إِلَى بَيَاضِهِ وَلَحْمِهِ؟ فَقُلْتُ: إِنَّهُ مَنْ قُصِرَ عَلَيْهِ اللِّقَاحُ ابْيَضَّ وَسَمِنَ"([5]).

هذه الرواية ساقطة بالواقدي:

قال الذهبي: "مُحَمَّد بن عمر بن وَاقد، الْأَسْلَمِيّ مَوْلَاهُم، الْوَاقِدِيّ، صَاحب التصانيف، مجمع على تَركه وَقَالَ ابْن عدي: يروي أَحَادِيث غير مَحْفُوظَة وَالْبَلَاء مِنْهُ. وَقَالَ النَّسَائِيّ: كَانَ يضع الحَدِيث. وَقَالَ ابْن مَاجَه: ثَنَا ابْن أبي شيبَة ثَنَا شيخ ثَنَا عبد الحميد بن جَعْفَر فَذكر حَدِيثا فِي لِبَاس الْجُمُعَة، وحسبك بِمن لَا يَجْسُر أَن يُسَمِّيه ابْن مَاجَه".([6])

 ثم إن الرواية ليس فيها تشكيك بل إجابة عن سؤال الرؤية والشبه، وكم من ولد لا يشبه أباه، وليس كل من قال لوالد إن ابنك لا يشبهك فإنه يشكك فيه نسبه، بل هذا معلوم عند كل بني آدم أن الولد قد يشبه أباه وقد لا يشبهه ومع ذلك لا يعدُّ الناس ذلك نفيا للبنوة.

الرواية الثانية: رواية الحاكم في المستدرك ([7])

وأنا هنا أكتفي بنقل تضعيف العلامة الألباني رحمه الله للرواية، حيث قال:" 4964 - (خذ هذا السيف؛ فانطلق، فاضرب عنق ابن عم مارية حيث وجدته). ضعيف جداً.

أخرج الحاكم من طريق أبي معاذ سليمان بن الأرقم الأنصاري عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: (فذكر الحديث)، قلت: سكت عنه الحاكم والذهبي، ولعله لظهور ضعفه؛ فإن سليمان بن الأرقم متفق بين الأئمة على تضعيفه، بل هو ضعيف جداً؛ فقد قال البخاري: "تركوه". وقال أبو داود، وأبو أحمد الحاكم، والدارقطني: "متروك الحديث"، وقال أبو داود: "قلت لأحمد: روى عن الزهري عن أنس في التلبية؟ قال: لا نبالي روى أم لم يرو"! وقال ابن عدي في آخر ترجمته -وقد ساق له نيفاً وعشرين حديثاً (154/ 1-2): "وعامة ما يرويه لا يتابعه عليه أحد".([8])

قلت: وللحديث أصل صحيح، وقد زاد عليه ابن الأرقم هذا تلك الزيادات المنكرة، مما يدل على أنه سيئ الحفظ جداً، أو أنه يتعمد الكذب والزيادة؛ لهوى في نفسه، ثم يحتج بها أهل الأهواء! ".([9])

الرواية الثالثة والرابعة: رواية الآحاد والمثاني، والبداية والنهاية.

إسناد رواية الآحاد والمثاني: "حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْبَاهِلِيُّ، نا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ رَجُلٍ، سَمَّاهُ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: أَهْدَى مَلِكٌ مِنْ بَطَارِقَةِ الرُّومِ ...". ([10])

إسناد رواية البداية والنهاية: "وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْبَاهِلِيُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ رَجُلٍ سَمَّاهُ عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَهْدَى مَلِكٌ...". ([11]) 

وكلا الروايتين عن مبهم "عَنْ رَجُلٍ" وهذه جهالة مسقطة للرواية.

 ثالثًا: الرواية فيها أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وصفت من رمى مارية بأنهم أهل إفك وزور، فهل يصف المرء فعل نفسه بالإفك والزور؟!! وعليه فمتن الرواية المكذوبة، يكذب ادعاء أهل الإفك والزور الجدد من الرافضة.

رابعاً: ليس عند الرافضة رواية واحدة مسندة إلى إمام -ممن يزعمون أنهم أئمتهم- تقول بأن التي قذفت : هي أم المؤمنين ، وحاشاها، وهذا سنذكره _إن شاء الله تعالى_ في مبحث "فيمن نزلت آيات الإفك".

والحمد الله رب العالمين

 

[1] - صحيح البخاري، (3/183).

[2]- الصارم المسلول على شاتم الرسول، (ص59-60).

[3]- زاد المعاد في هدي خير العباد، (5/ 15).

[4]- الصارم المسلول على شاتم الرسول، (ص566-567).

[5]- الطبقات الكبرى، (1/109).

[6]- المغني في الضعفاء، (2/619).

[7]- المستدرك على الصحيحين، للحاكم، (4/41).

[8]- أخرجه الحاكم (4/ 39).

[9]- سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة، (10/700-701). 

[10] - الآحاد والمثاني لابن أبي عاصم، (5/ 447).

[11]- البداية والنهاية، ط إحياء التراث، (5 /326).