قول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: "مَا أُرَى رَبَّكَ إِلَّا يُسَارِعُ فِي هَوَاكَ".

الشبهة: أخرج الإمام البخاري عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: «كُنْتُ أَغَارُ عَلَى اللَّاتِي وَهَبْنَ أَنْفُسَهُنَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَقُولُ أَتَهَبُ المَرْأَةُ نَفْسَهَا؟» فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ} [سورة الأحزاب:51] قُلْتُ: مَا أُرَى رَبَّكَ إِلَّا يُسَارِعُ فِي هَوَاكَ". يقول جعفر مرتضى العاملي معلقًا: "في هذا القول طعناًَ بمنشأ الوحي؛ إذ أن منشأه هوى نفس الرسول صلى الله عليه وسلم معاذ الله، بل وطعن في منزلة الوحي تعالى شأنه عن ذلك". ويقول فارس حسون: "وأنت ترى أن ذلك جرأة متناهية، فإن نسبة المسارعة إلى الله تعالى، والهوى إلى نبيه صلى الله عليه وسلم قول من لا يرعى لهما حرمة، ولا يرى لهما إلاً ولا ذمة".

الرد علي الشبهة:

أولاً: طعن الرافضة في أم المؤمنين بذلك، إنما هو طعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم صاروا بذلك أفهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففهموا ما لم يفهمه هو؛ فأنكروا هم، وسكت هو بأبي وأمي صلى الله عليه وآله وسلم!

هذا القول من أم المؤمنين يتعلق بغيرة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وفيه غاية المدح لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الله يحبه، ويفعل له ما يحبه، فهي ممدوحة بقولها بلا شك.

قال القاضي عياض: "قَوْله (فهوى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم) أَي: أحبه بِكَسْر (الْوَاو)، وَاسْتَحْسنهُ، والهوى: الْمحبَّة، وَمِنْه قَوْله: (أَن رَبك يُسَارع فِي هَوَاك)" ([1]).

وقال النووي: "قَوْلُهَا (مَا أَرَى رَبَّكَ إِلَّا يُسَارِعُ فِي هَوَاكَ) هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ مِنْ أَرَى، وَمَعْنَاهُ: يُخَفِّفُ عَنْكَ، وَيُوَسِّعُ عَلَيْكَ فِي الْأُمُورِ؛ وَلِهَذَا خَيَّرَكَ" ([2]).

وقال ابن حجر: "قَوْلُهُ (مَا أَرَى رَبَّكَ إِلَّا يُسَارِعُ فِي هَوَاكَ) أَيْ: مَا أَرَى اللَّهَ إِلَّا مُوجِدًا لِمَا تُرِيدُ بِلَا تَأْخِيرٍ مُنْزِلًا لِمَا تُحِبُّ وَتَخْتَارُ"([3]).

وقال الإمام العيني: "قَوْله (إِلَّا يُسَارع فِي هَوَاك) أَي: فِي الَّذِي تحبه، يَعْنِي: مَا أرى إِلَّا أَن الله تَعَالَى موجد لمرادك بِلَا تَأْخِير، منزلاً لما تحبه وترضى.

وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: هَذَا قَول أبرزه الدَّلال والغيرة، وَهُوَ من نوع قَوْلهَا مَا أحمدكما، وَمَا أَحْمد إِلَّا الله، وَإِلَّا فإضافة الْهوى إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم، لَا يحمل على ظَاهره؛ لِأَنَّهُ لَا ينْطق عَن الْهوى، وَلَا يفعل بالهوى، وَلَو قَالَت إِلَى مرضاتك لَكَانَ أليق، وَلَكِن الْغيرَة تغتفر لأَجلهَا إِطْلَاق مثل ذَلِك، قلت: الَّذِي ذكرته أحسن من هَذَا على مَا لَا يخفى" ([4]).

إذًا فهذا غاية المدح للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأن الله تعالى يفعل لنبيه ما يحبه، فكأنها تقول له يا رسول الله: (ربك يحبك فما أسعدك بهذه المنقبة)، وهذا واضح لكل عربي؛ ولذلك لم ينكر نبينا صلى الله عليه وسلم عليها هذا القول، وهو الذي لا يسكت على باطل أبدًا صلى الله عليه وسلم.

  

ثانيًا: روى الكليني بسنده عن أبي عبيدة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: "إن الله عز وجل يقول: وعزتي وجلالي وعظمتي وعلوي وارتفاع مكاني، لا يؤثر عبد هواي على هوى نفسه إلا كففت عليه ضيعته، وضمنت السماوات والأرض رزقه، وكنت له من وراء تجارة كل تاجر" ([5]).

فليزم الشيعة أن يقولوا على الله أن عنده هوى بالمفهوم السيء الذي ذكروه، وكل طعن في أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها راجع بهذه الرواية على أئمتهم!

 ثالثًا: الذي يعترض على قول أم المؤمنين عائشة في قولها للنبي (ربك) فنقول هذا جهل عميق بلغة القرآن ولغة العرب، وعليكم أن تعترضوا على الملائكة لما قالوا لسارة زوجة إبراهيم (ربك) في قوله تعالي: {فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (29) قَالُوا كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ} [الذاريات:29-30]

رابعًا: قول الشيعي حسون "نسبت المسارعة إلى الله"، فهذا غاية الجهل، وذلك أن هذا من باب الصفات المشتقة من أفعال الله، وقد جاء ذلك في كتب الشيعة.

روى المجلسي عن أمير المؤمنين، قال: "من ضاق صدره لم يصبر على أداء حق من كسل لم يؤد حق الله من عظم أوامر الله أجاب سؤاله من تنزه عن حرمات الله سارع إليه" ([6]).

بل وفي نفس الرواية التي يعترضون عليها جاءت في كتبهم، لكن بزيادة ترد عليهم شغائبهم.

"... فقالت عائشة ما أرى الله تعالى إلا يسارع في هواك، فقال رسول الله (ص)، وإنك إن أطعت الله سارع في هواك" ([7]).

وفي رواية عن الإمام علي (عليه السلام): "من تنزه عن حرمات الله سارع إليه عفو الله" ([8]).

والشيعة يقولون بأن صفات الله عين ذاته، فإذا سارع عفو الله فقد سارع عين ذات الله عندهم!

والصحيح أن صفة المسارعة صفة ثابته لله عز وجل على الوجه اللائق به سبحانه وتعالى، والسرعة صفة فعلية لله عز وجل ثابتة بالكتاب والسنة.

قال الله تعالى: {وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ}، وقال تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ}.

وفي صحيح مسلم عن أبي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا - وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللهَ قَالَ: إِذَا تَلَقَّانِي عَبْدِي بِشِبْرٍ، تَلَقَّيْتُهُ بِذِرَاعٍ، وَإِذَا تَلَقَّانِي بِذِرَاعٍ، تَلَقَّيْتُهُ بِبَاعٍ، وَإِذَا تَلَقَّانِي بِبَاعٍ أَتَيْتُهُ بِأَسْرَعَ ".

 

والحمد الله رب العالمين

 

[1]- مشارق الأنوار على صحاح الآثار، القاضي عياض، (2/273).

[2]- شرح النووي على مسلم (10/49-50).

[3]- فتح الباري لابن حجر، (8/526).

[4]- عمدة القاري شرح صحيح البخاري، بدر الدين العيني، (20/109).

[5]- الكافي، الكليني (2/ 137)، وصححه المجلسي في (مرآة العقول) (8/319).

[6]-بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار ع، المجلسي (75/ 90).

[7]- بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار ع، المجلسي (22/ 181).

[8]- ميزان الحكمة، الريشهري، (3 /2019).